أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء ما قال إنه استمرار للسلطات
المغربية في سجن عدد من الصحافيين في ظروف تتنافى مع معايير حقوق السجناء المكفولة في الدستور المغربي، والالتزامات الدولية للمملكة في هذا الإطار.
وقال المرصد الأورومتوسطي في
بيان صحافي الاثنين، أرسل نسخة منه لـ
"عربي21": "إنّ السلطات المغربية لم تكتف باحتجاز الصحافيين والحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة بعد محاكمات شابتها تجاوزات قانونية جسيمة، بل عمدت إلى تقييد حقوقهم الأساسية لتعقيد ظروف احتجازهم، بما في ذلك مصادرة إنتاجاتهم الفكرية، وإعاقة التواصل مع ذويهم، وانتهاك خصوصياتهم في بعض الأحيان".
ولفت إلى أنّه تلقّى شكاوى من ذوي عدد من الصحافيين المحتجزين حول إجراءات إدارات السجون بحق ذويهم، إذ أبلغوا عن تنفيذ ذويهم خطوات احتجاجية وصلت إلى رفض الزيارة والاتصال، نتيجة للإجراءات العقابية المفروضة عليهم، ولا سيما مراقبة الجهات الأمنية لمكالماتهم الهاتفية مع ذويهم، وتأخير تسليم رسائلهم المكتوبة على نحو متعمد.
وأخبرت عائلة الصحافي المعتقل في السجون المغربية توفيق بو عشرين فريق المرصد الأورومتوسطي أنّ "إدارة السجن صادرت مذكرات توفيق، ومشروع كتاب كان يعمل على إعداده داخل السجن، وتعمّدت تعطيل الاتصال الهاتفي بيننا لعدة أيام. وحتى بعد أن انتظم الاتصال، فإننا لا نستطيع التحدث معه بحرية لأنّ جميع المكالمات تجري تحت رقابة أمنية دون أي احترام للخصوصية".
وبيّنت أنّ "توفيق" ـ الذي يُحتجز حاليًا في سجن العرجات 2 بمدينة سلا ـ يعاني منذ أبريل/ نيسان المنصرم، من ارتفاع مقلق في نسبة السكر في الدم يستدعي نقله خارج السجن لتلقي الرعاية الطبية. وبينما وافقت إدارة السجن على السماح له بالخروج، فإنّها شرطت ذلك بأن يرتدي اللباس الجنائي ويبقى مقيدًا بالأصفاد أثناء زيارة الطبيب، لكنّ توفيق رفض ذلك، وبالتالي أُلغيت الزيارة وبقي دون رعاية طبية حتى اليوم".
وأضافت: "راسلنا نحن وتوفيق كتابيًا جميع المؤسسات المعنية، بما في ذلك مندوبية السجون، والمجلس الوطني لحقوق الانسان، ومندوبية حقوق الإنسان، من أجل استرجاع مذكراته وكتابه ووقف جميع الانتهاكات بحقه، ولكن دون جدوى. أخبرنا "توفيق" أيضًا أنّه لا يستلم رسائل الدعم والتضامن المكتوبة التي يبعثها أصدقاؤه سوى بعد مدد طويلة من إرسالها، قد تصل في بعض الأحيان إلى بضعة أشهر".
واعتُقل مؤسس صحيفة "أخبار اليوم" المحلية "توفيق بوعشرين" في شباط/ فبراير 2018، وأيّدت محكمة النقض العليا في سبتمبر/ أيلول 2021 حبسه لمدة 15 عامًا على خلفية تهم كالاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، وبعد محاكمة قال المرصد إنها شابتها تجاوزات قانونية فجّة.
وعلى نحو مشابه، دخل الصحافي المعتقل "سليمان الريسوني" في حالة من العزلة النفسية نتيجة الظروف التي يعاني منها داخل السجن، إذ كتبت زوجته "خلود مختاري" عبر صفحتها على "فيسبوك" أنّها ذهبت يوم الجمعة الماضية 30 سبتمبر/ أيلول لزيارته لكنه امتنع عن الخروج من زنزانته احتجاجًا على ما يتعرض له.
ولفتت إلى أنّه "تواصل معها هاتفيًا بعد ذلك وأبلغها بأنّه يحتج على التعذيب النفسي الذي يتعرض له، بما في ذلك تسريب لقطات له في وقت سابق من كاميرا مراقبة السجن وهو يرتدي ملابس داخلية أثناء استعداده للاستحمام، بالإضافة إلى مصادرة روايته ومذكراته، والتجسس على مكالماته الهاتفية".
وكانت قوات الأمن المغربية اعتقلت رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المحلية الصحافي "الريسوني" في مايو/ أيّار 2020 بتهمة "هتك العرض بالعنف والاحتجاز". وفي 24 فبراير/ شباط 2022، أيدّت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بسجنه 5 سنوات بتهمة "الاعتداء الجنسي" دون أسس قانونية سليمة، وبعد محاكمة شابتها العديد من التجاوزات القانونية.
وقالت مسؤولة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي "نور علوان" إنّ ظروف احتجاز الصحافيين في السجون المغربية قد ترقى إلى التعذيب النفسي، إذ تتعمد السلطات تقييد ممارسة المحتجزين لأبسط حقوقهم في محاولة على ما يبدو إلى إخضاعهم وترهيب غيرهم لرفع كلفة الانتقاد والتعبير عن الرأي".
وأوضحت أنّ "سياسة القمع الفكري وعزل الصحافيين المعتقلين عن العالم الخارجي تشكل امتدادًا للسلوكيات غير القانونية التي انتهجتها السلطات في هذا الملف، بدءًا باحتجازهم وتلفيق التهم لهم، ومرورًا بالاعتلالات الكثيرة التي شابت عملية المحاكمة، ووصولاً إلى حرمانهم من الاحتفاظ بكتاباتهم ومذكراتهم".
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ سياسة السلطات المغربية في التضييق على الصحافيين المعتقلين تتعارض مع الدستور المغربي الذي كفل في الفصل (23) منه أن "يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف
اعتقال إنسانية". كما أنه أكّد في الفصل (25) على أنّ "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها".
وبالمثل، تخالف ممارسات السلطات المغربية المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي كفلت لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون مضايقة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات المغربية إلى التوقف فورًا عن ممارسة أي شكل من أشكال العقاب أو التضييق ضد معتقلي الرأي ولا سيما الصحافيين، وإعادة جميع المذكرات والمواد المكتوبة التي صادرتها منهم، ووقف جميع أشكال الرقابة على مكالماتهم الهاتفية مع ذويهم وأصدقائهم".
وجدّد المرصد الأورومتوسطي مطالبته للسلطات المغربية بإعادة محاكمة الصحافيين المعتقلين وفق شروط ومعايير المحاكمة العادلة، وضرورة احترام استقلالية وحيادية القضاء، إلى جانب احترام حق الأفراد في الانتقاد وإبداء الرأي، والتوقف عن ملاحقتهم لأسباب تتعلق بممارستهم لحقوقهم المشروعة.