هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسير مصر على طريق الإمارات وتركيا، نحو ربط
نظام الدفع المحلي لديها والمعروف باسم "ميزة" بالجنيه بنظام الدفع
الروسي الشهير "مير" بالروبل، واعتماد النظام المستقل عن النظام المالي
الغربي وعن طريقة الدفع والتحويل المالية الشهيرة "سويفت".
وذلك في توجه قد يضع القاهرة في أزمة مع
الحكومات الغربية، خاصة الحليف الأمريكي للنظام المصري، مع فرض أوروبا الغربية
والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على موسكو، إثر الحرب الروسية الأوكرانية، 24
شباط/ فبراير الماضي.
لكن تلك الخطوة تدفع للتساؤل حول أهمية هذا
التوجه المصري نحو الروبل الروسي، والفائدة التي تعود على الاقتصاد المصري
المتهالك والمثقل بالديون الخارجية وفوائدها، وأيضا دوره في إنقاذ العملة المحلية
المنهارة حاليا، وتسهيل جلب السياحة الروسية لمصر.
"مير"، نظام
دفع مستقل عن النظام المالي الغربي، ويسمح للدول بالتعامل مع البنوك الروسية خارج
نظام الدفع "سويفت"، كما يسمح للمواطنين بإجراء معاملات رقمية، فيما صار
لـ"مير" دور كبير بخروج "فيزا" و"ماستر كارد" من
روسيا، آذار/ مارس الماضي.
ووفق تقرير لوكالة "تاس" الروسية 2
آذار/ مارس 2021، فإن هناك 10 دول تقبل التعامل ببطاقة "مير"، من خلال
262 مصرفا، كما يكفل إجراء تحويلات عبر الحدود إلى بطاقات أنظمة الدفع الوطنية، خاصة في أوزبكستان وقيرغيزستان.
"بديل للدولار"
وفي 12 أيلول/ سبتمبر الجاري، أكد رئيس لجنة
الخطة والموازنة بـ"مجلس النواب" فخري الفقي لبرنامج "على
مسؤوليتي" بفضائية "صدى البلد" المحلية، أن البنك المركزي المصري
يعمل على ربط نظام الدفع الروسي "مير" بشبكة "ميزة" المحلية.
ولفت الفقي، إلى أن مصر ربما تتجه لدفع قيم
السلع المستوردة من موسكو كالقمح وزيت الطهي بالروبل، بدلا من الدولار، عند ربط
النظام المصرفي المصري بـ"مير"، ملمحا إلى أنها "خطوة
إيجابية"، وتخفف بعض ضغوط نقص العملة الصعبة وخاصة الدولار.
وفي الوقت الذي تسعى فيه القاهرة لزيادة دخلها
من السياحة، ومع كون الروس من أهم الشعوب بقائمة الزيارة لمصر، فإن اعتماد نظام
"مير" والدفع بالروبل، واستخدام بطاقاتهم وأجهزة الصراف الآلي فرصة
جيدة لاستعادة السياحة الروسية للشواطئ المصرية، بحسب نشرة "إنتربرايز"،
الثلاثاء.
وفي الوقت الذي يمثل فيه السياح الروس
والأوكرانيون نسبة 30 بالمئة من إجمالي السياحة المصرية، تعد مصر بديلا مناسبا
للسياح الروس، الذين أغلقت العقوبات الغربية عليهم وجهاتهم نحو أوروبا الغربية.
ووفقا لبيانات حجوزات تذاكر السفر التي جمعتها
شركة "فوروارد كير" المتخصصة في بيانات السفر، حزيران/ يونيو الماضي،
فإن نسبة الزيادة على حجز تذاكر السفر لمصر ارتفعت بنسبة 30 بالمئة صيف 2022.
وكالة "تاس" الروسية، قالت في أيار/
مايو الماضي، إن القاهرة تدرس السماح للشركات بقبول الدفع من خلال نظام
"مير"، وإن وزارتي المالية والسياحة المصريتين تناقشان خطة للسماح
للشركات السياحية الروسية بدفع مقابل الإقامة بالفنادق بالروبل.
"عقوبات
أمريكية"
وفي خطوة سبقت تحركات القاهرة نحو اعتماد الدفع
بـ"مير"، انضمت تركيا والإمارات للنظام الروسي الذي صار معتمدا في
أبوظبي وشقيقاتها، وتقبل به أغلب الفنادق التركية.
ومنذ آذار/ مارس 2021، تعمل مجموعة شركات Network International، التي تقدم خدمات بسوق
التجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط وإفريقيا، كشريك محلي لـ"مير"
بالإمارات.
ولكن، هناك جانب آخر يدعو للتساؤل حول مدى قدرة
مصر على الاستمرار في هذا النظام، خاصة بعد فرض واشنطن وبروكسل وعدد من الدول
الغربية عقوبات على موسكو بسبب الحرب على كييف، وهي العقوبات المتصاعدة منذ آذار/
مارس الماضي.
كما أن ذلك التساؤل قد يتحول إلى مخاوف لدى
القاهرة من استكمال توجهاته خاصة إثر نشر وزارة الخزانة الأمريكية بيانا، حذرت فيه
المؤسسات المالية من استخدام نظام الدفع الروسي، وقالت إن الدول المخالفة قد تتعرض
لعقوبات.
وفي 15 أيلول/ سبتمبر الجاري، قالت وزارة
الخزانة، إن "المؤسسات المالية غير الأمريكية التي تدخل في اتفاقيات جديدة
أو موسعة مع نظام الدفع (مير) خارج أراضي الاتحاد الروسي تخاطر بدعم جهود روسيا
للتهرب من العقوبات الأمريكية".
البيان، هدد بفرض عقوبات وحظر على الشركات
والأفراد وكل مؤيدي التهرب من العقوبات الروسية.
تحذيرات وزارة الخزانة الأمريكية، دفعت "Isbank" أكبر بنك خاص في
تركيا وكذلك "Denizbank"
للتوقف عن استخدام النظام الروسي "مير"، بحسب ما نشرته وكالة
"بلومبيرغ"، 19 أيلول/ سبتمبر الجاري.
"لأمد قصير"
وفي تعليقه على الربط المالي بين مصر وروسيا
عبر نظامي "ميزة" و"مير"، قال الخبير والباحث الاقتصادي
عبد الحافظ الصاوي: "هناك حالة من السيولة الآن في تحديد مواقف الدول من حيث
التعامل مع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا".
تلك السيولة، وفق حديث الصاوي
لـ"عربي21"، تأتي "بحجة المصالح الاقتصادية"، مشيرا إلى أن
"بعض الدول مثلا لا يمكنها الاستغناء عن النفط أو الغاز الروسي، والبعض
يستفيد من ميزة النفط الرخيص".
وأضاف: "قد تكون مصر إحدى الدول التي
تعتمد على السياحة الروسية بشكل كبير، باعتبار عوائد السياحة من عوائد النقد
الأجنبي، ولعلها في هذا الإطار تحصل على استثناء (غربي) بتفويت التعامل بالبطاقة
الروسية لدفع الالتزامات المالية".
واستدرك: "لكن أحسب أن ذلك سيكون لأجل
وليس لفترة ممتدة"، لافتا إلى احتمال آخر، وهو أن "تتخذ أمريكا من
العقوبات ما يشمل مصر والإمارات وغيرها بحيث تشدد الخناق على روسيا، ولا تفلت موسكو
من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها".
اقرأ أيضا: كييف تتهم موسكو بقصف محطة نووية.. وروسيا تفقد 4 طائرات
ويعتقد الخبير المصري، أن أيا من الخيارين
يحدده "طبيعة الصراع في الفترة القادمة"، لافتا إلى "حالة التراجع
العسكري الروسي التي قد تدفعها للجوء إلى الحل السياسي، وهذا أيضا مرتبط بوضع
الصراع الذي يعد الاقتصاد أحد أدواته".
وقال: "رأينا في بداية الأزمة الروسية
الأوكرانية، كيف تأثرت العملة (الروبل) والبورصة الروسيتان ثم استرد كلاهما عافيته
عبر بعض القرارات الروسية"، موضحا أنه "ولأن الصراع مفتوح والسيناريوهات
مفتوحة، فإن الحكم الجازم على شيء يكون صعبا".
وختم الصاوي بالقول: "ولكن مصر تحاول
الاستفادة من بعض الاستثناءات والاختراقات الموجودة لدى روسيا، وأمريكا قد تسمح
ببعض تلك الاستثناءات لبعض الدول، ولكنها لن تكون طويلة الأمد".
"إعلان سياسي"
وحول حقيقة الربط المالي بين مصر وروسيا عبر
نظامي "ميزة" و"مير"، وأهميته، قال الخبير في الشأن الروسي
الدكتور أشرف الصباغ: "كل ما يدور من تصريحات حول ربط أنظمة الدفع بين روسيا
والدول العربية محض توجهات سياسية أكثر منها مالية واقتصادية".
الصباغ، أضاف لـ"عربي21" أن
"العملات العربية ليس لها قيمة بأسواق المال الروسية، لا قبل الأزمة مع
أوكرانيا وفصل الأنظمة المالية والبنكية الروسية عن نظام (سويفت)، ولا بعدهما".
ويرى الخبير في الشأن الروسي، أن "الأخبار
والتحليلات و(البروباغندا) الروسية حول اعتماد الروبل بدول أخرى، وربط نظام (مير)
بالأنظمة المالية لبعض الدول، مجرد فرقعة سياسية لإثارة البلبلة في الأسواق
المالية الغربية"، و"دق الأسافين السياسية بين الدول التي اعتمدت النظام
الروسي أو التي تفكر في اعتماده، وبين الدول الغربية، وبالذات أمريكا وبعض الدول
الأوروبية الكبرى".
ويعتقد أن "واشنطن ليست بحاجة لفرض
عقوبات على أي دولة ستتعاون مع روسيا في هذا المجال، لأن التجربة فاشلة أصلا، ولا
تحقق مصالح وفوائد لهذه الدول؛ أي أن كل دولة تعاقب نفسها ذاتيا بانخراطها أو
تورطها بتجربة فاشلة".
"بلبلة في مصر"
الخبير المصري، أشار إلى أزمة لافتة، وهي أن
"القيمة الحقيقية للروبل غير معروفة، لأن التقييم اليومي يتم بشكل إداري وليس
وفق المعايير المرتبطة بأرصدة الدولة والغطاءات المالية المعمول بها تقليديا
بأسواق العملات المعروفة".
وأضاف: "بل ويتم تحديد سعر الروبل عبر
اجتماعات يومية بين البنك المركزي وبعض الشركات وكبار رجال المال؛ ورغم كل ذلك
فقيمة الروبل الحقيقية غير معروفة وغير مفهومة".
وأكد أن "هذا الأمر يشكل عبئا على أسواق
المال في الدول التي ستبدأ باعتماد الروبل لديها أو ربط أنظمتها المالية والبنكية
بنظام (مير) وبطاقاته الائتمانية".
وقال الصباغ، إن "اعتماد بطاقات الدفع
الروسية في مصر سيثير الكثير من البلبلة، كما أن الجنيه ليس له قيمة بأسواق المال
الروسية، ولا يعرفه الروس، ومن الصعب توقع تعاملهم بالجنيه"، ملمحا إلى أن
"هناك الكثير من القيود الأخرى".
ولفت إلى أنه "قد تم وضع اليوان الصيني
والدرهم الإماراتي ضمن سلة العملات بالبورصة الروسية، ومع ذلك لا يوجد إقبال
عليهما، وهناك شكوك لدى الروس بهذه العملات، بجانب تردي الأحوال المعيشية والقلق
وعدم قدرة الروس على سحب ودائعهم بالعملات الأجنبية من البنوك الروسية".
"ملف السياحة"
وقال: "يبدو للدول العربية التي تستجيب
للبروباجندا الروسية أنها ستربح وتحقق بعض المصالح، لكن الواقع عكس ذلك، كما أن
السياحة الروسية تكاد تكون متوقفة، ولن يتمكن 10 آلاف سائح روسي أو حتى مئة ألف
سائح أن يحققوا أي مكاسب أو أرباح للسياحة المصرية".
وتابع: "كما أن الروبل الروسي ليس له قيمة
بالدول العربية، وحتى إذا كان يتم تقييمه في موسكو، فإن ذلك يتم عبر إحدى العملات
الرئيسية، الدولار واليورو والجنيه الإسترليني"، لافتا لوجود "تجربة
مصرية روسية سابقة للسياح بالمنتجعات المصرية، وفشلت فشلا ذريعا".
وأوضح أنه "حاليا، تقلصت السياحة الروسية
خارج روسيا، وانخفض عدد السياح، بسبب انخفاض مستوى المعيشة، والقيود على حركتهم،
وتوقف حركة الطيران الروسية، وتجميد ودائع الروس بالعملات الأجنبية بالبنوك
الروسية وعدم تمكنهم من سحبها ونقلها".
و"حاليا اتجهت السياحة الروسية نحو تركيا
رغم انخفاضها وتقلصها؛ لكن الإعلانات عن التعامل بالعملات المحلية، وربط نظام
(مير) الروسي بأنظمة تركيا والإمارات، ما هو إلا إعلان سياسي لا يمكنه أن يرقى
لحيز التطبيق الكامل والمفيد بالتعاملات البنكية".
وأشار إلى أن "السياحة الروسية متوقفة
أصلا في اتجاه مصر منذ عام 2015، أي قبل جائحة كورونا وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل فرض أي عقوبات مالية على روسيا وفصلها عن نظام سويفت".
وأوضح أنه "إذا كانت روسيا أعادت السياحة
لمصر في 2021، فإنها لم تعد كما كانت، وإنما توزعت على تركيا وإسرائيل وتونس،
وعمليا لا توجد سياحة روسية ذات وزن في مصر".
وتابع: "هناك مثال مهم يكاد يكون مشابها
لموضوع ربط نظام (مير) الروسي بالأنظمة المالية لبعض الدول العربية أو تركيا أو
غيرها؛ فقد اتفقت موسكو على توريد أنظمة الدفاع الجوي الروسية (إس 400) إلى أنقرة،
وتم بالفعل توريد مجمعين، ويجري التحضير لتوريد مجمعين آخرين".
واستدرك: "ولكن 4 مجمعات أو حتى 8 من (إس
400) ليس لها قيمة عسكرية وحربية بأرض الواقع وأرض المعركة، وهو لا يمثل إلا تمردا
رمزيا وتوجها سياسيا ومقايضة ومناورات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا".
"تعقد
العلاقات"
ويرى أنه "حال ربطت القاهرة نظامها المالي
بنظام (مير)، من الممكن أن تتعقد علاقتها بواشنطن وبروكسل، بدرجات ما وفي مجالات
ما"، معتقدا أن "الدول الغربية لن تهتم أصلا بذلك، لأن العملة المصرية
نفسها في حالة انهيار، وهناك ارتباك شديد في الاقتصاد المصري".
ويعتقد الخبير في
الشأن الروسي، أن "ربط النظام المالي المصري ببطاقات الصرف الروسية ما هو إلا
عائق وحِمْل جديدان على المنظومة البنكية المصرية المتهالكة، وعبء على الاقتصاد
المصري".
"وقد يسبب عوائق بين
القاهرة والعواصم الغربية، خاصة أن مصر لديها مشاكل مع الاتحاد الأوروبي بشأن
رفضها العديد من المشاريع التي يقترحها الاتحاد ومؤسساته المالية والاقتصادية،
لأسباب سياسية".
وختم بالقول إن "توجه القاهرة نحو الروبل
الروسي أو اليوان الصيني لن ينقذ لا الجنيه المصري ولا تردي الاقتصاد في
مصر".