مقابلات

الصليب الأحمر: ملف المفقودين في العراق مأساة كبيرة (فيديو)

photo1661524754
photo1661524754

بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري الذي يوافق 30 آب/ أغسطس من كل عام، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق حملة جديدة بشأن قضية المفقودين بالعراق الذي يضم أكبر عدد من المفقودين في العالم.

وبحسب القوانين العراقية، المفقود هو الشخص الذي لا يعرف أقرباؤه مكان وجوده، و/أو الذي تم الإبلاغ عن فقده، استنادا إلى معلومات موثوق منها، على صلة بنزاع مسلح أو حالات عنف أخرى أو كارثة طبيعية أو أي حالة أخرى تتطلب تدخل سلطات الدولة المختصة.

وقالت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، هبة عدنان، إنهم يطلقون حملات سنوية في مثل هذا التوقيت من كل عام بهدف رفع الوعي تجاه قضية المفقودين، ومن أجل وضع احتياجات ومعاناة عوائل المفقودين على طاولة صناع القرار وفي الوعي العام، كي لا يتناسى أحد هذه القضية الإنسانية المهمة للغاية، والتي تؤثر على مئات الآلاف من العائلات.

وأضافت عدنان، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "طلبات البحث عن المفقودين من العائلات لا تتوقف بسبب الأعداد الكبيرة التي خلّفتها النزاعات والحروب التي مرت على العراق منذ أربعين عاما وإلى الآن. ونحن نحاول قدر الإمكان الاستجابة إلى هذه الطلبات من خلال تواصلنا مع السلطات المعنية التي ندعوها للإسراع في الكشف عن مصير المفقودين".

وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

لو تحدثينا عن الحملة الجديدة التي أطلقتموها عن المفقودين بالعراق؟


في اليوم العالمي للمفقودين نستذكر ملايين الأشخاص الذين فُقدوا في العراق بسبب سنوات طويلة من النزاعات المسلحة والتي جعلته واحدا من البلدان الذي يضم أكبر عدد من المفقودين في العالم. اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعتبر قضية المفقودين ذات أولوية قصوى، ونواصل التذكير بهذه القضية ومعاناة ذوي المفقودين المختلفة بشكل سنوي.

وحملة التوعية العامة التي نطلقها تستمر لأيام تسبق اليوم العالمي للمفقودين في 30 آب/ أغسطس، بهدف رفع الوعي لمئات الآلاف ممن فقدوا في العراق خلال النزاعات الماضية وتسليط الضوء على معاناة أسرهم وذويهم.

وتعتمد هذه الحملات على حملة تفاعلية على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وإنستغرام وتويتر)، وبيان صحفي للجمهور بشكل عام، وعاملين إعلاميين، وسلطات وعائلات المفقودين.

ما أهمية مثل هذه الحملات؟


هذه الحملات لها أهمية من ناحية رفع الوعي تجاه قضية المفقودين، وأيضا من خلال هذه الحملات نستطيع أن نضع احتياجات عوائل المفقودين المختلفة ومعاناتهم على طاولة صناع القرار وفي الوعي العام، كي لا يتناسى أحد هذه القضية الإنسانية المهمة، والتي تؤثر على مئات الآلاف من العائلات العراقية.

وتعد هذه الحملات خطوة صغيرة نحو المساعدة في تقديم إجابات لأسر المفقودين. ومن خلالها نوضح أيضا في كل مرحلة للجمهور بشكل عام والسلطات الحكومية أن الحملة الإعلامية العامة هي مجرد بداية، وأنه يلزم إجراء تغييرات هيكلية كبيرة.

بحكم تواصلكم المستمر مع عائلات المفقودين، ما أبرز احتياجات تلك العائلات؟ وكيف هي أوضاعهم وحياتهم اليوم؟


بحكم تواصلنا اليومي مع العائلات العراقية نجد أن هناك الكثير من الاحتياجات التي يخلفها الفقدان، وأول مطلب لهم يتمثل في الحاجة إلى الكشف عن مصير أبنائهم وذويهم. لكن بالتأكيد هناك الكثير والكثير من الاحتياجات الأخرى التي يسبّبها الفقدان كالاحتياجات الاقتصادية، خاصة أن الشخص المفقود كان في الغالب هو المعيل للأسرة، وعلى إثر ذلك تتحمل الزوجة مسؤولية إعالة أسرتها وتسعى لتوفير مصدر الرزق إليهم، وفي نفس الوقت تقوم بمسؤولياتها في تربية أبنائها.

لذلك، حجم الصعوبات والتحديات على المرأة تحديدا يكون كبيرا للغاية، ناهيك حتى عن الأمور أو الاحتياجات الإدارية والقانونية؛ فهناك صعوبات لدى بعض العائلات في استحصال بعض الأوراق الثبوتية أو الرسمية الخاصة بالمفقود، فضلا عن أن بعض أمورهم الإدارية قد تتوقف ولا يستطيعون استكمالها جراء الفقد. كما أن هناك احتياجات نفسية واجتماعية ملحة في هذا الصدد.

وأسر المفقودين تعيش في حالة من اللا يقين، عاجزة عن إنهاء الحداد لغياب المعلومات المؤكدة، تبحث وتنتظر، وغالبا لعدة سنوات، دون أن تعرف إن كان قريبها حيّا أم ميتا، ولكنها تتشبث بالأمل، حزنها لا يجد طريقه إلى النهاية، ومعاناتها العاطفية والنفسية شديدة، خاصة أن الجهل بمعرفة مصير ذويهم أو مكان وجودهم يعد واقعا قاسيا لهم، ويعيشون في محنة ومأساة كبيرة لا زالوا ينتظرون حلها في أقرب وقت؛ فهم ينتظرون بفارغ الصبر معرفة مصير ذويهم.

ما طبيعة الدور الذي تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر إزاء ملف المفقودين؟


نحن في اللجنة الدولية للصليب الأحمر نحاول قدر الإمكان الاستجابة لاحتياجات عوائل المفقودين المختلفة. وكنّا قد بدأنا في العام 2021 برنامج "المرافقة" الذي استطعنا من خلاله مرافقة العائلات في احتياجاتهم لنقدم ولو بعضا من تلك الاحتياجات كي نخفف عنهم بعضا من معاناتهم الاقتصادية على سبيل المثال؛ إذ قدمنا منحا مالية لأجل مساعدتهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة التي تساعدهم على إعالة أسرهم.

بدأنا العمل ببرنامج "المرافقة" في مدينة الصَقلاويّة في محافظة الأنبار، ثم نفذناه في مدينة سنجار غرب محافظة نينوى، وأيضا مخيم شاريا في محافظة دهوك. ومستقبلا نطمح إلى أن نوسّع هذا البرنامج ليشمل أكبر عدد من عوائل المفقودين لأجل التخفيف عنهم على قدر المستطاع.

أيضا قدمنا جلسات توعية ودعم نفسي لهذه العائلات، وكذلك بعض الأمور الإدارية أو القانونية التي ليست من نطاق عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث نساعدهم عبر الإحالة إلى الجهات المعنية المختصة بهذا الشأن أو إلى منظمات أخرى.

كم عدد القضايا التي نجحتم في حلّها بشأن مصير بعض المفقودين خلال السنوات الماضية؟ وكيف نجحتم في ذلك؟

 
إذا ما تحدثنا عن عام 2022 وإلى الآن فقد تسلمنا تقريبا 769 طلب بحث عن مفقود، وقمنا بحل 423 قضية بعدما نجحنا في تحديد مكان وجود هؤلاء المفقودين الذين أخبرنا أسرهم لاحقا بذلك. أما إذا ما تحدثنا عن عام 2021 فقد تسلمنا أكثر من 1800 طلب بحث، وقمنا بحل أكثر من 700 قضية من خلال تواصلنا مع الجهات المعنية، ومن خلال رسائل الصليب الأحمر الدولي بين السجناء وعوائلهم لأجل الكشف عن مصيرهم للعائلات.

هل رصدتم مفقودين جُددا خلال الفترة الأخيرة أم أن ممارسات الإخفاء القسري انتهت في البلاد حاليا؟


للأسف العراق بلد مر بالعديد من الحروب والنزاعات المسلحة، وكل حرب أخذت نصيبها من المفقودين. لذلك لا تتوقف طلبات البحث عن مفقودين من العائلات العراقية بسبب الأعداد الكبيرة التي خلّفتها تلك النزاعات التي مرت على العراق منذ أربعين عاما وإلى الآن. ونحن نتسلم طلبات البحث عن المفقودين بشكل يومي، ونحاول قدر الإمكان الاستجابة إليها ومحاولة الكشف عن مصيرها من خلال تواصلنا مع السلطات المحلية، وندعو السلطات المعنية إلى الإسراع في الكشف عن مصير المفقودين.

ما أبرز التحديات والعقبات التي تواجه عمل "الصليب الأحمر" في ملف المفقودين بالعراق؟


الكثير من التحديات تواجه عملنا في هذا الملف المتخم بالجراح. للأسف الملف كبير ومُعقد للغاية. أحيانا لا يوجد سجل مركزي يحوي جميع بيانات المفقودين، وهو ما يُصعّب عملية البحث، بالإضافة إلى كبر حجم الملف وسنوات النزاعات الكبيرة التي خلّفت أعدادا كبيرة من المفقودين، وخلّفت أعدادا كبيرة من عائلات تبحث عن إجابات بشأن مصير أحبائهم وذويهم، وبالتالي فالتحديات كبيرة جدا، ولا يمكن أن يتم حل قضية المفقودين بين ليلة وضحاها، لأن العمل عليها يتطلب جهدا كبيرا ووقتا أطول.

هل هناك تأثيرات سلبية للاضطرابات السياسية التي يشهدها العراق من وقت لآخر على ملف المفقودين؟


بالتأكيد أي أزمات تؤثر سلبا على العديد من فئات الشعب، لكن الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع يقع عليها الضرر الأكبر. وعندما تأتي أي أزمة جديدة مهما كان نوعها تفاقم الأزمات الموجودة بالواقع وتتأزم الأوضاع أكثر فأكثر.

هل هناك سجون ومقار احتجاز سرية في العراق؟

 
نحن في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، أو في أي مكان آخر بالعالم، نتواصل بشكل حوار ثنائي مع السلطات لأجل الوصول إلى جميع السجون بهدف ضمان المعاملة الحسنة وضمان الكرامة الإنسانية والظروف المعيشية الجيدة للسجناء. وفيما إذا كان هنالك أي أمر يثير القلق سوف نتواصل دائما مع السلطات المعنية في هذا الشأن.

رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، تعهد خلال شهر آب/ أغسطس 2020، بالعمل بجدية لمتابعة ملف "المفقودين قسريا" في البلاد، والكشف عن مصيرهم.. فما تقييمكم لتعامل الحكومة العراقية مع هذا الملف؟ وإلى أي مدى حققت نجاحات فيه؟


كما أشرت آنفا، الملف كبير ومُعقد للغاية، ومهما بذلنا من جهود فستكون قليلة ومحدودة مقارنة بحجم هذا الملف وتحدياته المختلفة. نحن في اللجنة الدولية للصليب الأحمر لسنا في موقع تقييم لأي جهة أخرى، إلا أننا نتمتع بعلاقات عمل جيدة مع السلطات العراقية، ونحثهم باستمرار على مواصلة العمل على هذا الملف والاهتمام به، لأن الدول لديها التزامات تجاه القانون الدولي الإنساني بما يخص منع الفقدان والكشف عن مصير المفقودين وتوضيح مصيرهم لذويهم.

ومن ناحية أخرى ننظر في احتياجات عوائل المفقودين المختلفة، ولدينا نشاطات متواصلة نقوم بها مع السلطات المعنية منها أننا نترأس الآلية الثلاثية التي أُنشئت بين العراق وإيران بهدف الكشف عن مصير المفقودين الذين فقدوا بسبب النزاع الذي استمر لثمانية أعوام.

ونضطلع أيضا بنفس الدور في ترؤسنا الآلية الثلاثية التي أُنشئت بين العراق والكويت بهدف الكشف عن مصير المفقودين الذين فقدوا بسبب الحرب بين البلدين. ونشرف كذلك على عملية تبادل الرفات البشرية من أجل توفير إجابات لعوائل المفقودين المختلفة، ونوفر الدعم للسلطات في جهودها للبحث عن المفقودين من خلال توفير الدعم الفني، ودعم جهود الطب الشرعي للعاملين على تحديد الرفات البشرية، وتحديد الهوية، من خلال بناء قدرات العاملين في هذا المجال، ومشاركة خبراتنا الدولية الممتدة لأكثر من 150 عاما في هذا المجال.

برأيكم، كيف يمكن إنهاء ملف المفقودين والمغيبين في العراق؟


من واقع خبراتنا الدولية، ندرك أنه كلما أسرعت الدول في حل قضية المفقودين كان ذلك أفضل لأجل توفير إجابات لعوائلهم، لأن جروحهم متجددة ويحتاجون لإجابات ورعاية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان يضمن حق العائلات في معرفة مصير أبنائهم وذويهم. لذلك، نحن نحث جميع السلطات وجميع الجهات المعنية على مضاعفة الجهود والسعي المستمر لأجل حل قضية المفقودين في العراق، ولا بد من التنسيق بين عمل جميع الجهات الإنسانية العاملة والفاعلة في هذا المجال.

ومن الضروري وجود سجل مركزي يحتوي على جميع بيانات ومعلومات المفقودين وذويهم وفقا للقوانين الدولية المُعترف بها ويتمتع بالضمانات القانونية من أجل تجميع سجل يحوي البيانات المختلفة. ونجدد تأكيدنا على أهمية مواصلة السعي في تلبية احتياجات عوائل ذوي المفقودين المختلفة.

 

التعليقات (0)

خبر عاجل