هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وخفض معدل المواليد بنحو 9 بالمئة في 6 سنوات، صاحبه أيضا انخفاض كبير في معدل الزيادة الطبيعية للسكان (الفرق بين المواليد والوفيات)، ليصبح 1.38 في المئة فقط، بحسب مقال للمسؤول السابق بوزارة الصحة الدكتور مصطفى جاويش، بموقع "عربي21".
وأكد جاويش، في مقاله، أن "تلك المعدلات تفوق بكثير المستهدفات التي كانت تسعى إليها الدولة في برامجها السكانية"، واصفا هذا الانخفاض بـ"الحدث الهام، ونقطة تحول ديموغرافية كبيرة ولها أسبابا متعددة، لأن الظروف الاقتصادية والسياسية والمجتمعية والصحية لها بالغ الأثر، وتشير بالضرورة إلى الكثير من الدلالات".
الفساد وأخواته
وقالت الكاتبة الصحفية مي عزام، في تصريح لـ"عربي21"، إن "التراجع في معدل المواليد بمصر يعود لأسباب عدة، منها توفير وسائل منع الحمل المجانية، وحملات التوعية، بالإضافة للظروف الاقتصادية، وتأخر سن الزواج، وأيضا زيادة معدلات الطلاق".
وأوضحت: "لدينا مشكلة سكانية، فليس هناك توزيع جيد للسكان بالنسبة لمساحة مصر (103 ملايين مقابل نحو مليون كم مربع)".
وأشارت إلى أن "العالم المتقدم يعاني أيضا من مشكلة سكانية، لكن عكس مصر"، مبينة أن "معدلات الوفاة في بعض الدول المتقدمة تزيد عن معدلات الإنجاب.. لذا فإن وكبار السن في تلك الدول نسبهم أعلى من الشباب".
وأضافت الكاتبة المصرية أن ذلك الوضع "عكس ما لدينا في مصر، مبينة أنه لدى مصر قوة عاملة بنسب مرتفعة، حيث ستكون الزيادة السكانية عامل قوة اقتصادية وليست عامل ضعف، لو أُحسن استغلالها".
ورفضت عزام تحميل الزيادة السكانية أسباب تآكل التنمية، مؤكدة أن "السبب الرئيسي لفقر الدول النامية ليس الزيادة السكانية كما تحاول أن تقنعنا بعض المنظمات الدولية المشبوهة، لكن السبب هو الفساد، وسوء إدارة الموارد، سواء بشرية أو طبيعية".
اقرأ أيضا: وثائق تكشف حجم الصراعات بين قضاة في مصر
خطط 6 سنوات
طالما حمًل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي الزيادة السكانية مسؤولية تراجع النمو الاقتصادي واعتماد البلاد على الديون، فيما واصلت حكومته تنفيذ خطط يقودها الإعلام بخفض معدلات الإنجاب مع الضغط على المصريين لتقليل الإنجاب، وتخويفهم من فقدان الدعم التمويني.
كما أن خطط الإرشاد الديني التي تقودها وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارت أخرى، وأعلنت عنها تباعا عبر قوافل دعوية بجميع المحافظات، جاءت ضمن خطة لصبغ حملة تقليل النمو السكاني بطابع ديني.
بل إن الأمر وصل إلى حد الاستعانة بالمعونات الأجنبية لخفض معدلات الإنجاب، ووضع خطط تقليله عبر "مبادرات الصحة الإنجابية"، بـ"جهاز تنمية المشروعات الصغيرة" (حكومي)، ومشروع "حياة كريمة" الذي يتبناه السيسي، والمدعومة جميعها من مشروعات الاتحاد الأوروبي في مصر.
كما تحدث العديد من المسؤولين عن خطط النظام لتقليل الخصوبة عند المصريين (متوسط الإنجاب لدى المرأة)، وهو ما أكده المسؤول بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عبدالحميد شرف الدين، بتصريح تلفزيوني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.
وأكد المسئول الحكومي أن معدل الخصوبة حاليا مرتفع، ويسجل 3.4 بالمئة، وبه يصل التعداد 193 مليون نسمة عام 2052، معلنا رغبة الدولة في نزول معدل الخصوبة لـ2 بالمئة، ليصبح عدد السكان 150 مليون نسمة فقط، في 2052.
ونتيجة لتلك الخطط والحملات الدعائية، تغيرت المؤشرات خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض معدل النمو السكاني إلى 1.79 بالمئة عام 2018/ 2019 مقارنة بـ 20.02 بالمئة بعام 2017/ 2018.
كما انخفض أعداد المواليد في 2019، مقارنة بعام 2018، لتبلغ 2.31 مولود، مقابل 2.38، فيما انخفضت أعداد الزيادة الطبيعية إلى 1.76 نسمة، مقابل 1.82، فيما تراجع معدل الزيادة الطبيعية، ليبلغ 1.78 بالمئة عام 2019، مقابل 1.87 عام 2018 بانخفاض قدره 0.09 بالمئة.
واللافت هنا هو أن الفترة من عام 2015 وحتى 2022، شهدت تفاقم الأزمات الاقتصادية في الشارع المصري، وارتفاعا في أسعار جميع السلع والخدمات، وزيادة في معدلات البطالة، وانتشارا للفقر، وتزايدا بمعدلات الطلاق، وتراجعا في نسب الزواج، إضافة لفقدان العملة المحلية لقيمتها مع تعويم الجنيه.
الظروف الاقتصادية
وفي تقديره لسر نجاح حملات السيسي بخفض معدلات النمو السكاني والإنجاب عند المصريين، قال الباحث المصري أحمد مولانا، لـ"عربي21": "ظني أن أول عامل في خفض معدلات النمو السكاني هو الظروف الاقتصادية التي يمر بها المصريون".
وتابع بأن "ارتفاع نسب التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للجنية، وكثرة الضرائب والرسوم"، مضيفا: "وبالتالي أصبح الوضع الاقتصادي معرقل للناس ويمنع الزواج والإنجاب".
كما ألمح مولانا إلى تأثير "قرار النظام بوقف البناء ومنع الأهالي منه بجميع المحافظات، ما عدا ما تبنيه الحكومة وشركات التطوير العقاري، وكذلك ترقب الشارع لقانون البناء الموحد، وهو ما يؤثر سلبيا على نسب الزواج".
وتحدث عن إشكاليات كارثية في مساحات أخرى، لافتا إلى أن "مصر مثلا في معدل الفساد وفقا لتقارير منظمة الشفافية الدولية تحل بالمركز 119 عالميا في نسبة متدنية للغاية، وسط توقعات بتراجع أكثر".
وزاد: "بالتالي الإشكال الحقيقي هو في الفساد، وكذلك الإنفاق بمشروعات غير ذات أولوية، في حين أن النظام يحمًل الناس هذا السبب، ويحاول التضييق عليهم".
إلى ذلك، أشار الباحث المصري إلى "تضييق النظام على المصريين بتقليص الدعم التمويني، ودعايته بأنه سيكون لفردين فقط ومن لديه أكثر من طفلين لن يحصل على التموين ولا مبلغ (تكافل وكرامة)، مع قصر البطاقة على فردين"، مؤكدا أن "جميعها ضغوط تمارسها الحكومة لتقليل الإنجاب".
ورأى مولانا أن "السيسي متوهم بأن هذا يدعم تحسين الوضع الاقتصادي، متجاهلا محاربة الفساد، ووقف المشروعات غير ذات الأولوية، والإنفاق الحكومي بتبذير في ملفات الأمن وصفقات الأسلحة والعمولات، رغم أنها ما تستنزف الميزانية".
كما انتقد تحميل النظام "المصريين سبب الوضع الاقتصادي وقصر المشكلة في الزيادة السكانية، ورغم أن المواليد قلت قرابة النصف، لكنه يحمل الناس تبعات سياساته، وأن المشكلة عندهم وليست عنده".
اتهام باطل
وطالما أكد النظام المصري أن الزيادة السكانية تلتهم خطوات الحكومة لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص عمل، وخفض معدلات الفقر، وإحساس المواطن بثمار التنمية، وأن معدل النمو الاقتصادي يجب أن يكون 3 أضعاف معدل النمو السكاني.
وفي آذار/ مارس 2021، أكد السيسي أن "النمو السكاني ما لم ينخفض إلى 400 ألف في السنة لمدة 10 سنوات بدلا من 2.3 مليون طفل سنويا حاليا، لن نشعر بما تقوم به الدولة"، فيما أطلق في شباط/ فبراير الماضي، المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية.
حينها، قالت وزيرة التخطيط هالة السعيد، إن "معدلات الإنجاب تتخطى 5 أطفال لكل سيدة.. ونستهدف معدل 1.6 طفل، وأن الدولة ستحقق 6 بالمئة معدل نمو اقتصادي ولن يشعر المواطن بهذه التنمية إلا بتراجع معدلات الزيادة السكانية التي تصل 2.5 مليون سنويا".
رد فعل المصريين
اتهامات النظام للزيادة السكانية بتضييع جهود التنمية يرفضها مراقبون ومعارضون ومتحدثون لـ"عربي21"، مؤكدين أن الزيادة السكانية يجب استغلالها بالشكل الأمثل، وفي المقابل وقف الفساد والصرف على المشروعات غير المجدية.
كما ذهبت تعليقات المصريين على المسألة بمواقع التواصل الاجتماعي إلى حد اتهام الحكومة بوضع مخطط واضح لتغير طبيعة سكان مصر، بسياسات رفع الأسعار، وتقليص الدعم كونها أفضل وسيلة لتحديد النسل.
وأعلن البعض عن مخاوفه من وضع تراجع أكبر في معدلات الخصوبة والإنجاب والنمو السكاني مع إقرار البرلمان تعديلات "قوانين الأسرة"، المثيرة للجدل، تزامنا مع مواصلة النظام إطلاق أيدي مروجي الفساد والإلحاد والنسوية وتشويه المصلحين ورجال الدين وتغييبهم.
ولفت البعض إلى أن خفض معدلات الزيادة السكانية جاء مع زيادة معدلات الطلاق بفعل تفاقم نسب الفقر، وانخفاض إشهارات الزواج بفعل سياسات إفقار الشباب وزيادة تكاليف الزواج.
وكشف تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري أن حالات الطلاق وصلت إلى حوالي 213 ألف حالة عام 2020 بواقع حالة كل دقيقتين، فيما تزايدت معدلات الطلاق بنسبة 49 بالمئة خلال 10 سنوات من 2010 حتى 2020.
وانخفض عدد عقود الزواج عام 2020 إلى 876 ألفا، مقارنة بـ969 ألف عقد عام 2015، بنسبة انخفاض بلغت 10بالمئة، وبمعدل 101 عقد زواج كل ساعة.
وحذر الوزير المصري السابق نصر الدين علام من أن "نصل إلى حالة أوروبا واليابان من حيث فقدان الخصوبة وتراجع معدلات السكان، مؤكدا أنه علينا في مصر أن "نتعظ مما يحدث ونصلح أنفسنا قبل فوات الأوان".
وأعرب علام عن مخاوفه من محاولات هدم قيم الأسرة، وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية، مؤكدا أن كل هذا دمر بشكل تدريجي الأسرة التي هي النواة المركزية للمجتمع وأساس استمراره.