هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تزايد عدد كيانات وتحالفات المعارضة السودانية بشكل كبير
بعد ثورة 2019 على حكم عمر البشير، وكان تحالف "قوى التغيير الجذري"
أحدث هذه التحالفات التي تم تشكيلها ضد ما يطلقون عليه الانقلاب العسكري وحكم
العسكر.
وضم التحالف الجديد كلا من الحزب الشيوعي السوداني، وتجمع
المهنيين السودانيين، وأسر الشهداء، ومفصولي الشرطة، ويهدف لإسقاط الانقلاب العسكري
واستلام السلطة في المركز والولايات.
اتساع الفجوة
وسبق هذا التحالف تشكيل تحالفات كثيرة، كان أولها قوى "الحرية
والتغيير"، التي تم تشكيلها إثر مظاهرات 2019 ضد نظام عمر البشير، وانضوى تحت
رايتها عدد من الأحزاب منها تجمّع المهنيين، والجبهة الثورية، وتحالف قوى الإجماع الوطني،
والتجمع الاتحادي المُعارِض.
ولكن ما لبثت أن انقسمت قوى "الحرية والتغيير" التي كانت شريكا للمكون العسكري في الحكم بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في عام
2019، ما يطرح تساؤلات عن جدوى التحالف الجديد "قوى التغيير الجذري"، وعن
مدى تأثيره ومساهمته في حل الأزمة السياسية، وكذلك هل هذا التفريخ والتناسل المتكرر
في قوى المعارضة يُضعفها أم يقويها؟
يرى المحلل السياسي السوداني عثمان الميرغني، أن الجسم السياسي
الجديد الذي يقوده الحزب الشيوعي، سوف يساعد في توسيع الفجوة بين المدنيين أنفسهم؛ لأن الحزب عزل نفسه مع المجموعة التي تحالف معها، وأعلن رسميا أن لا علاقة له بقوى
"الحرية والتغيير"، وأنه ضد المكون العسكري، وضد ما وصفها بقوى الهبوط الناعم،
وهذا الوصف الذي أطلقه عليها يشمل جميع أطراف المشهد السياسي السوداني الموجودة حاليا".
وأوضح الميرغني خلال حديثه لـ"عربي21"، بأن
"تشكيل هذا التحالف الجديد جعل الحزب الشيوعي بمواجهة الجميع بما في ذلك المكون
العسكري".
وأضاف: "أيضا سيؤدي التحالف الجديد لتعقيد المشهد السياسي
السوداني، وسيصنع حالة استقطاب جديدة، ما قد يؤدي لإضعاف الحراك الجماهيري على مستوى
الشارع الذي استمر منذ الانقلاب العسكري في 25 تشرين أول/ أكتوبر 2021 حتى الآن".
وأشار إلى "أن حالة الاستقطاب هذه قد تؤدي إلى تأخير
استكمال الفترة الانتقالية، التي من المفترض أن تنتهي بانتخابات شاملة، بمعنى قد يؤدي
لتعطيل هذه الفترة وكثير من المضاعفات الأخرى على الوضع السياسي الشامل في السودان".
واعتبر الميرغني أن "تمديد الفترة الانتقالية، أحد
الخيارات المطروحة الآن، ولكن التمديد هو أحد عوارض الفشل، بمعنى أن تمديد الفترة الانتقالية
سيعني أن البلاد دخلت في حالة فشل جديد، وربما يؤدي ذلك إلى سيناريوهات أخرى من ضمنها
انقلاب عسكري جديد".
اقرأ أيضا: تجدد الاحتجاجات بالسودان للمطالبة بـ"حكم مدني" (شاهد)
مطالب فئوية
من جهته قال، محمد صالح، مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة
السياسات؛ إن "التحالف الجديد مناهض للسلطة العسكرية القائمة في السودان الآن،
وأغلب مكوناتها كيانات ليست سياسية بل كيانات مطلبية، نعم على رأسهم مجموعة أحزاب
سياسية، ولكن عددها صغير، وأغلبية مكوناته هي كيانات مطلبية وفئوية".
وأكد صالح خلال حديثه لـ"عربي21" أن
"الشعار الذي يرفعه هذا التحالف وهو حل القوات النظامية وإعادة هيكلتها وحل
جهاز الأمن، لا يتفق معه جل التيار المعارض سواء قوى الحرية أو التغيير أو التيار الإسلامي
العريض، حيث يعتبر أغلبية السودانيين القوات النظامية خطوطا حمراء، ولذلك أعتقد أن
تشكيل هذا التحالف سيوسع الشق بين جميع المكونات مدنية وعسكرية، بمطالبه المتطرفة
وفق تقدير الطرف الآخر وهم العسكر".
ورجح صالح أن "هذا التحالف سيعقد الأزمة السياسية برمتها
ولن يساهم في حلها"، مضيفا: "لا أعتقد أنه سوف يسهم في تقريب وجهات النظر
أو تقليل الهوة بين الأطراف المتنازعة، بل ربما يزيد الفجوة ويجعل القوات المسلحة تتشدد
في موقفها؛ خشية من تفتت السودان ومن حدوث حروب أهلية بين السودانيين، خاصة في ظل اضطرابات
واضحة بين الإثنيات المتعددة في السودان، خاصة في الشرق والنيل الأزرق ودارفور، التي
حدث فيها كثير من المواجهات العسكرية".
وأوضح أن "الخشية من نشوب حرب أهلية وتفتت السودان هي
أبرز ما يخيف الطرف الآخر، الذي يرفض القبول بمطالب هذا التيار الذي يقوده الحزب الشيوعي،
الذي يرى أن القوات النظامية هي معقل للإسلاميين ويجب حلها والبحث عن بديل عنها، وبالمحصلة
لا أرى أن التحالف الذي نشأ سيسير تجاه حل الخلافات والنزاعات، بل سيؤدي لتعميق الأزمة
ومزيد من التخبط في وجهات النظر".
واتفق الكاتب والصحفي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، مع
صالح في رأيه، وعبر عن اعتقاده بأن "تحالف التغيير الجذري لن يكون لديه تأثير
كبير على الساحة السياسية، لآنه يضم حزبا سياسيا واحدا، بينما بقية مكونات التحالف
أجسام مهنية ومطلبية، وبعضها لم يؤدِ دورا كبيرا في الحراك الجماهيري، بل على العكس
هناك جزء منها غير معروف بنسبة كبيرة في الشارع، كما أن التحالف لم يضم ممثلين لأكثر
جهة مؤثرة في الحراك على الأرض وهي لجان المقاومة واللصيقة بشكل أكبر بالمتظاهرين".
وحول إذا ما كان تعدد كيانات المعارضة وكثرة تناسلها سيضعفها
أم يقويها قال إدريس لـ"عربي21": "قطعا تعدد كيانات المعارضة المدنية
سيضعفها والدليل التجربة القريبة، حيث لم تستطع المعارضة الإطاحة بنظام البشير، إلا
بعد أن توحدت في تحالفها الكبير الحرية والتغيير قبل حدوث انشقاق في صفوفها".
وأضاف: "وعلى الرغم من أن تعدد كيانات المعارضة سيضعفها
أكثر إلا أنه بالمقابل لن يقوي المكون العسكري؛ لأنه في حالة ضعف نتيجة لأسباب لا علاقة
لها بقوة أو ضعف المكون المدني".
غضب جماهيري من الأحزاب
من ناحيته توقع الميرغني "أن يؤدي تعدد كيانات
المعارضة إلى مزيد من الإضعاف لها، وأما النقطة الأخطر هي أن هذا التعدد قد يؤدي إلى
حالة غضب وربما كفر من جانب الجماهير بالأحزاب، باعتبار أن هذا المشهد تكرر من الأحزاب
عموما بمختلف ألوانها الحزبية أكثر من مرة، حيث كانت الخلافات الحزبية تؤدي دائما إلى
إفشال المشروعات الجماهيرية الكبرى خاصة بعد الثورات".
وأضاف: "هذا الأمر يجعل الشعب السوداني يؤمن أن الأحزاب
دائما تسعى إلى الخلافات وأنها غير قادرة وغير راغبة بإقامة دولة ديمقراطية تعددية
تتوافق فيها الآراء مهما كانت متناقضة، وتستطيع أن تمارس الديمقراطية دون أن تختلف
بالصورة التي يمكن أن تشكل عائقا بين هذه المكونات السياسية وبين أنها تصنع برنامج
ذو رؤية وطنية واحدة".
وحول إذا ما كان هذا التشتت سيدفع الشعب للقبول بالحكم
العسكري قال الميرغني: "لن يكون هناك قبول بالحكم العسكري بهذه الصورة المباشرة،
ولكن سيكون هناك مجال واسع للقبول بما يفعله من يفوضه العسكر، بمعنى إذا قام المكون
العسكري بتفويض حكومة مدنية أو بمحاولة الإيعاز أو الإيحاء لأي مكون مدني لأن يتقدم
ويتسلم الحكم فلن يعترض الشعب باعتبار أن المطلوب الآن هو الخروج من نفق الأزمة السودانية
الراهنة".
ويتفق صالح مع الميرغني في الرأي، بأن تعدد الكيانات
سيضعف المعارضة، وقال: "تعدد الكيانات لا يساعد المعارضة، حيث كلما قل عددها كلما
قلت المطالب وانحسرت ما يؤدي للتوافق على مطالب متقاربة ومتشابهة، ومن ثم تشكل كتلة
كبيرة مطالبها واحدة".
وأضاف: "ولكن تعدد الكيانات يؤدي لكثرة المطالب، ومن ثم يصعب حلها والتعامل معها من قبل أي طرف، ولذلك اعتبر أن تعدد الكيانات أحد أبرز
المشاكل التي يعاني منها السودان الآن، ولهذا أعتقد أن المستفيد هو المكون
العسكري، والمعارضة والجماهير هي الخاسر الأكبر".