هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحل
الخميس، الذكرى التاسعة لما يُطلق عليه النظام الحاكم في مصر "ثورة 30 يونيو"،
وما تعتبره أغلب المعارضة الذريعة المعلنة لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي في
3 تموز/ يوليو 2013، على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، الراحل محمد مرسي.
في ذلك
اليوم، قامت الأذرع الإعلامية والسياسية الرافضة لحكم مرسي، بحشد مئات الآلاف من المصريين
للتظاهر بميادين المحافظات وبـ"ميدان التحرير" بالقاهرة، مطالبين بتنحية
الرئيس الذي جاء عقب انتخابات فاز بها على غير رغبة كثير من القوى السياسية، والدولة
العميقة.
تأتي
ذكرى "30 يونيو"، مع منح موظفي الدولة والعاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية،
وسط احتفاء واسع وتقارير تعج بها الفضائيات والصحف التابعة للنظام عن إنجازاته بالسنوات
الماضية، من بناء عاصمة إدارية جديدة ومدن العلمين والجلالة، وشق تفريعة قناة السويس،
ومشروعات الطرق والكباري والقطار الكهربائي وغيرها.
"أزمات
حادة"
وهو
ما يقابله على الأرض، وضع اقتصادي مزر يواجهه المصريون بين فقر، وبطالة، وغلاء، وتضخم
وصل إلى 15.3 بالمئة في أيار/ مايو الماضي دفع آلاف الشباب إلى التوجه نحو الهجرة غير
الشرعية إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية وعبر مراكب الموت بالبحر المتوسط.
وفي
هذا الإطار، قال الخبير الأمريكي بشؤون الشرق الأوسط، روبرت سبرنغبورغ، الثلاثاء، إن
"ثلث المصريين يعيشون على أقل من 1.6 دولار يوميا"، مضيفا في حوار لفضائية
"مكملين": "وإذا ما أخذنا بالاعتبار التضخم الذي تبلغ نسبته الآن 15 بالمئة
فلا مفر من أن ارتفاعا كبيرا سيطرأ على مستوى الفقر".
وبشهادة
أرقام مؤسسات دولية وتصريحات حكومية وتقارير البنك المركزي المصري وجهاز التعبئة العامة
والإحصاء (حكومي)، يعاني الاقتصاد المصري من أزمات مالية طاحنة، وعجز في الموازنة العامة،
وتراجع بالاحتياطي من العملات الأجنبية وحاجة ملحة للعملات الصعبة لاستيراد السلع الأساسية.
وذلك
بالتزامن مع مواصلة الحكومة المصرية سياساتها التي انتهجتها طوال 9 سنوات بالاقتراض
الداخلي والخارجي، بل وطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي، مع تفاقم خدمة وفوائد وأقساط
الدين وحلول مواعيد سدادها، وتراجع مثير لقيمة الجنيه، وسط هروب للاستثمارات الأجنبية
والأموال الساخنة.
ووصل
سعر الدولار بالبنك المركزي مستوى قياسيا، الثلاثاء، 18.82 جنيها ليزيد إلى نحو 20
جنيها في السوق السوداء، وسط خسائر للبورصة المصرية منذ بداية 2022 بلغت 23.18 بالمئة،
مع موجة بيع كبيرة من الأجانب وتعامل محدود للعرب.
"عربي21"
استطلعت آراء عدد من الخبراء والمتخصصين حول الآثار التي خلفتها "30 يونيو"
خلال 9 سنوات في ملفات السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية لمصر، وذلك إلى جانب قضايا
المجتمع والدين والفن.
"فقر
وتفريط وتنازل"
"نظام
30 يونيو، أفقر المجتمع المصري، وفرط في مصالحه العليا، وتنازل عن حدوده، وباع مصانعه
المنتجة، وأهدر الموارد فيما لا جدوى منه، وحبس أصحاب الرأي وحاصر الأحزاب واشترى قادتها
بثمن بخس".
كان
ذلك وصف الكاتب والناشط المصري المعارض حسن حسين، لنتائج "30 يونيو"، مؤكدا
لـ"عربي21" أنها "مؤامرة مكتملة الأركان لتخريب الحاضر المصري من أجل
مستقبل العدو الذي ينتمي إليه قلبا وقالبا"، في إشارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
"سياسيا
وأمنيا"
وفي
رؤيته لأهم الأزمات الأمنية والسياسية التي تسببت بها "30 يونيو" وأضرت بالمصريين،
قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا: "الأبرز هنا البعد الاقتصادي،
فبعد أن كانت ديون مصر قرابة 43 مليار دولار في 2013- 2014، تعدت في 2021 نحو 145 مليار
دولار، متضاعفة 3 مرات ونصف بـ9 سنوات".
مولانا
أضاف لـ"عربي21": "هناك وضع سيء انعكس على أوضاع المصريين، وانخفاض
قيمة الجنيه من 7.5 مقابل الدولار إلى نحو 20 جنيها بالسوق السوداء، مع ضعف القدرة
الشرائية ومعاناة المصريين ما دفعهم لفكرة الهجرة غير الشرعية".
وهنا
أشار إلى "تقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي في نيسان/ أبريل الماضي، والذي أكد أنه
بالشهور الأولى من العام الجاري، عبر 3500 شاب مصري المتوسط ضمن موجة هجرة غير شرعية
زادت 3 أضعاف عن العام الماضي".
ووفق
الباحث المصري، فإن من الأوضاع المأساوية مع "30 يونيو"، "مشكلة سد
النهضة الإثيوبي وفشل النظام في حلها، ما يدفع بمصر لتكون مرتهنة لأديس أبابا، في ملف
حيوي ينعكس على الزراعة والصناعة وحياة السكان".
"وكذلك
ملف جزيرتي (تيران وصنافير)، الذي نتج عنه تحويل خليج العقبة لساحة مفتوحة تخدم إسرائيل،
هذا بجانب ملف الغاز الطبيعي وإدخال تل أبيب كشريك مع مصر التي صارت تعتمد على الغاز
المستورد منها، ما يربط البنية التحتية المصرية والصناعة والنشاط البشري بها".
وأشار
إلى ملف سيناء مؤكدا أنه "لم يتم التعامل فيه بشكل رشيد، بل بطريقة إقامة مناطق
عازلة ما يترك أثرا على طبيعة العلاقة بين السكان والدولة مستقبلا ويصبح لديهم ميراث وذكريات مرتبطة بالتهجير والابتعاد عن الأرض".
ولفت
مولانا إلى أزمات 9 سنوات "في الملف الحقوقي والسياسي، وتسييس القضاء، وغياب العدالة،
ووفاة المئات بالسجون، ما غيب الأمل لدى الناس، وأصبح خيار الهجرة حلما للمصريين، في
مشكلة استراتيجية لأي دولة لا تعطي الأمل لشعبها وتعد طاردة له".
وختم
بالقول: "النظام موجود ومسيطر بقبضة أمنية؛ ولكن واقع المجتمع يضعف داخليا، وواقع
مصر يضعف خارجيا، حتى تأثيرها بالقضية الفلسطينية، وأصبحت إسرائيل المؤثرة والإمارات
والسعودية يقودان، بينما مصر تلحق بهم في رسم السياسة الإقليمية وبعدما كانت تقود الأحداث
أصبحت مجرد تابع".
"مجتمعيا
ودينيا وأخلاقيا"
وخلال
السنوات التسع، أصاب المجتمع المصري العديد من الأمراض والأزمات ما بين السقوط الأخلاقي
وانتشار الجريمة والقتل، وظهور دعاة الإلحاد وانتقاد الزواج ومنع الحجاب، مع دعوة السيسي
لتجديد الخطاب الديني والصدام مع الأزهر الشريف.
وفي
رؤيته لأهم الأزمات الدينية والأخلاقية التي تسببت بها "30 يونيو" قال عضو
"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الشيخ سامح الجبة: "30 يونيو أخطر
كارثة تعرضت لها مصر بالعصر الحديث بعد نكسة 1967، لما ترتب عليها من آثار سيئة على
جميع الأصعدة".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، رصد بعض تلك الآثار السلبية، موضحا أن منها: "إجهاض
حُلم امتلاك الشعب لإرادته واختيار من يحكمه بشكل شوري صحيح"، لافتا إلى
"تغييب العلماء الفاعلين والمؤثرين والقادرين على توجيه المجتمع والأخذ بيده نحو
الاستقامة على منهج الله بشكل صحيح".
وأشار
إلى "إفساد مؤسسات الدولة الدينية وخاصة (الأوقاف) و(الإفتاء)، وجعلهم أداة لتبرير
الظلم والاستبداد ما أفقد كثيرا من المصريين الثقة بهذه المؤسسات، وفي المقابل ما زال
الأزهر وشيخه يقاومان هذا الفساد".
عضو
"المشيخة الإسلامية بالجبل الأسود" سابقا، تحدث أيضا عن أزمة "فتح الباب
بكل حرية أمام المشككين في ثوابت الدين وقطعيات الشريعة للعبث بهوية الأمة وتغييب وعيها".
و"انتشار
موجات التحلل الأخلاقي والقيمي من الإلحاد والتطرف ما ينذر بكارثة مجتمعية خطيرة،
إن لم يتدارك العقلاء وتغيرت هذه الأوضاع الفاسدة"، بحسب الداعية الإسلامي.
"الأسوأ
حقوقيا"
وعلى
مدار السنوات الـ9 واصل النظام المصري جرائمه الحقوقية بحق المصريين، واعتقل آلاف
المصريين الذين تعرض كثير منهم للإخفاء القسري، والحرمان من الحقوق المقررة للسجناء
ومن المحاكمات العادلة، بجانب وأد حرية الصحافة والإعلام والنشر.
وهو
ما عبر عنه الحقوقي المصري أحمد العطار، بالقول إنها "9 سنوات من إهدار الحريات
وضياع الحقوق التي شهدت عليها الأرقام والوقائع التي وثقناها بالشبكة المصرية لحقوق
الإنسان وباقي المنظمات المصرية والدولية العاملة في رصد وتوثيق الانتهاكات بحق المصريين".
المدير
التنفيذي للشبكة أكد في حديثه لـ"عربي21"، أنهم وثقوا "إهدار حقوق المصري
البسيط وتكبيله بسلاسل من الأزمات واحدة تلو الأخرى بإصدار قوانين وتشريعات جعلت
مصر سجنا كبيرا لمن يخالف أو يحاول أن يعارض النظام الذي سحق كرامة المواطن تحت بند
محاربة الإرهاب وحفظ الأمن القومي".
وأضاف:
"شهدت السنوات الـ9 القمع وتكميم الأفواة والتنكيل، وأصبح الاعتقال والسجن والحبس
والقبضة الأمنية الغاشمة أساس التعامل، والأرقام تتحدث والواقع المؤلم المعيار الحقيقي
لتقييم انقلاب 2013، عندما اغتالت القوة الباطشة أول تجربة ديمقراطية بتاريخ مصر الحديث".
وتابع:
"شهدت تلك السنوات قتل وسجن وسحق عشرات الآلاف وتشريد أسرهم وأطفالهم، وتم سن
قوانين وتشريعات جائرة وأُنشئت بالقضاء (دوائر الإرهاب) ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ،
وتوسعت الإحالة للمحاكم العسكرية".
"واستُخدمت
كافة أساليب التدليس والقمع لتهجير آلاف الأسر قسرا من منازلهم، وضاعت حقوق العمال
وأُغلقت مئات المصانع والشركات، وحبس من يعارض ويشكو تلك الإجراءات"، خاتما بالقول:
"تلك السنوات أقل ما توصف به أنها كارثية".
"الفن
والدراما"
وفي
رؤيته حول تأثير "30 يونيو"، على الفن والفنانين، أكد الفنان المصري المعارض
هشام عبد الله، أن التأثير بلا شك جاء سلبيا ككل قطاعات الحياة في مصر، مشيرا إلى خسارة
مصر قوتها الناعمة مع تعاظم دور "هيئة الترفيه" السعودية وتأثير رئيسها تركي
آل الشيخ على الفنانين، بالمال.
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أوضح عبد الله أن "الفن والفنانين فقدوا طوال تلك
السنوات عزتهم وكرامتهم"، متسائلا: "فمن أين يأتي الفن برسالته، والفنان
بدوره؟"، لافتا إلى سيطرة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة
لجهات سيادية مصرية على الإبداع وصناعة الدراما والسينما.
ولفت
إلى أن النظام بتلك السنوات استخدم "الفن والفنانين كإحدى أدواته"، لافتا
إلى أنه "على الجانب الآخر هناك توجه خليجي لسحب الريادة المصرية في الفن والثقافة
والأدب بعدما كانت (هوليود العرب) والمصدرة لها وصاحبة التأثير على وعي الشعوب، لذا
كان لا بد لهم من امتلاك زمامه".
وأشار
الفنان المصري، إلى وجود "فئة من الفنانين خضعوا لتعليمات النظام وباعوا أنفسهم
بالمال، فلفظهم الشعب واعتبر أنهم لا يمثلونه"، مؤكدا أن "الفنان الحقيقي
حزب كل فئات الشعب، يمثلهم ويمثل قضاياهم ويعبر عنهم وعن ثوابتهم وقيمهم الأخلاقية
والدينية والاجتماعية".
وقال
إن "من نراهم اليوم لا يمثلون الواقع والإنسان المصري بل يمثلون أنفسهم وخنوعهم
للسلطة، وكل من يشتري ويدفع، لذا ليس هناك خلال تلك السنوات من يمثلون مصر الحضارة
والفن والثقافة والأدب والتاريخ والأزهر، والشعراوي، وزويل، ومجدي يعقوب، ونجيب محفوظ،
والعقاد، وتوفيق الحكيم، وأم كلثوم، والسنباطي، وغيرهم".