اقتصاد دولي

هل فعلا "بتكوين" مجرد فقاعة.. وما أسباب انخفاض سعرها؟

انخفضت قيمة العملات المشفرة ووصلت في منتصف يونيو 2022 إلى أقل من تريليون دولار للمرة الأولى منذ يناير 2021- جيتي
انخفضت قيمة العملات المشفرة ووصلت في منتصف يونيو 2022 إلى أقل من تريليون دولار للمرة الأولى منذ يناير 2021- جيتي

تعرضت أسعار العملة المشفرة الأبرز "بتكوين" لزلزال هز أركانها، حيث انخفض سعرها ووصل إلى 20 ألف دولار تقريبا، بعد أن وصل في أوج صعود العملة إلى 69 ألف دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.

وبشكل عام، انخفضت قيمة سوق العملات المشفرة ككل، حيث وصلت قيمتها في منتصف حزيران/ يونيو 2022 إلى أقل من تريليون دولار للمرة الأولى منذ كانون الثاني/ يناير 2021، وفقا لموقع (كوين ماركت كاب) للبيانات، ووصلت إلى 926 مليار دولار.

وتم تداول سعر "بتكوين" أكبر عملة رقمية مشفرة في العالم بانخفاض بنسبة 12.5% على أساس يومي إلى 23,950 دولارا، وذلك في 13 حزيران/ يونيو 2022.

وبلغت قيمة "بتكوين" السوقية 457.6 مليار دولار، بإجمالي 19.066 مليون وحدة متداولة من 21 مليون وحدة مطروحة للتداول.

أصول مالية خطرة

ومنذ أن بدأت "بتكوين" بالارتفاع في نهاية عام 2017، توقع كثير من الاقتصاديين أن تكون هي العملة المستقبلية للتعامل في كثير من التعاملات التجارية، متوقعين أيضا أن يكون هناك تنام في سعرها.

ولكن على الرغم من انتشارها نوعا ما، إلا أنها انخفضت بشكل كبير، فما الذي تسبب في انخفاض سعر بتكوين بهذا الحجم الكبير؟

يرى إيان هارنيت، كبير استراتيجيي الاستثمار، في "Absolute Strategy Research Ltd"، أنهم "كخبراء يعتقدون أن أسعار بتكوين تعتمد إلى حد كبير على السيولة العالمية".

وأوضح هارنيت خلال حديثه لـ"عربي21" أنه "مع قيام البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم برفع الأسعار، وتشديد شروط السيولة، أدى إلى زيادة الضغط الهبوطي على الأصول الخطرة مثل بتكوين".

التضخم ورفع سعر الفائدة

من ناحيته أشار المحلل المالي والخبير في العملات المشفرة، وليد أبو هلال، إلى أن "هناك عدة أسباب ساهمت في هبوط سعر بتكوين، منها أسباب موضوعية تتعلق بالاقتصاد العالمي بشكل عام، وأسباب أخرى فنية تتعلق بطبيعة العملات المشفرة بشكل خاص".

ونبه أبو هلال خلال حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "الأسباب الموضوعية لهبوط سعر بتكوين، تتلخص في التضخم الذي يجتاح الاقتصاديات العالمية وخاصة الصناعية منها، وما تبعه من قرارات البنوك المركزية، والتي ركزت على رفع أسعار الفائدة في محاولات لكبح جماح التضخم".

وأوضح أن "رفع أسعار الفائدة وبشكل متلاحق يؤدي بالضرورة إلى نزوح جزء من الصناديق الاستثمارية من الأوعية ذات المخاطر العالية ومنها العملات المشفرة، واستثمارها في سندات الخزينة طمعا بالفائدة المرتفعة، ولذلك رأينا المؤشرات الأمريكية الثلاث تهوي بنسب تراوحت من 15 – 25 في المائة خلال الأسابيع العشرة الأخيرة فقط".

وأكد أنه "من الضروري الإشارة إلى أنه نتيجة لحالة الانتظار لقرارات البنوك المركزية تزامناً مع الحرب الروسية الأوكرانية، فإنها انتشرت حالة الهلع في الأسواق ذات المخاطر العالية، لذلك فإن مؤشر الخوف والطمع وصل إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات".

وحول الأسباب الفنية، قال أبو هلال، إنها "تكمن في أن سوق العملات المشفرة قد مارس صعوداً لمدة ثلاث سنوات ابتداءً من كانون الأول/ ديسمبر 2018، لذلك فقد كان لا بدّ من تصحيح للأسفل والذي بدأ بالفعل في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بعد أن بلغ سعر بتكوين قمة تاريخية لامست الـ 70,000 دولار، ولو دققنا النظر في التصحيح الجاري فسنلاحظ أنّه لم يتجاوز الـ75 في المائة كما يوضح الرسم".

 



واتفق الخبير في الاقتصاد السياسي، أحمد ياسين، مع أبو هلال في رأيه بأن "رفع البنوك المركزية في بعض الاقتصاديات هو أحد أسباب الهبوط الحاد في سعر بتكوين"، وتوقع مزيدا من التراجع في المرحلة القادمة.

وأوضح ياسين خلال حديثه لـ"عربي21"، أن هبوط السعر مرتبط بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وباقي البنوك المركزية في التكتلات الاقتصادية العالمية الرئيسية، والذي تم بموجبه رفع نسب الفائدة لمواجهة التضخم، وهذا الأمر يفرض وجهة استثمارية جديدة غير مألوفة مقارنة مع السنوات الماضية التي رأينا فيها سياسة نقدية مرنة كانت البنوك المركزية خلالها تضخ العملات الورقية في عجلة اقتصاداتها من خلال برنامج شراء السندات".

ولفت إلى أن "التوجه الجديد معاكس تماما، وهذا الأمر يجبر المستثمرين على عدم المخاطرة والاستثمار في العملات المشفرة مثل بتكوين وغيرها، لأنها تعتبر خطوة استثمارية فيها مجازفة ومخاطرة كبيرة".

وأكد أن "الوضع المالي العالمي حاليا يعاكس هذا التوجه الاستثماري الخطر بشكل كامل، وهذا ما يفسر حالة التراجع في قيمة بتكوين والتي تعتبر مقياسا لبقية العملات المشفرة الأخرى، وبالتالي فإنه إذا تراجع سعرها فسيتراجع سعر البقية".

وأشار إلى أن "التوقعات تشير بوضوح إلى أن هناك مزيدا من التراجع في أسعار العملات المشفرة، لأن الاقتصاد العالمي يواجه متاعب اقتصادية كبيرة جدا مرتبطة بارتفاع مستوى التضخم، وهذا التوجه سوف يفرض سياسة نقدية معاكسة تماما عن ما شاهدناه على مر السنوات الماضية".

فقاعة أم عملة ثابتة

حينما بدأ سعر بتكوين بالارتفاع في نهاية عام 2017 وكذلك حين وصل إلى رقم قياسي في عام 2020، فقد رجح عدد من خبراء الاقتصاد والمال أن يكون هذا الارتفاع القياسي في سعر بتكوين والعملة نفسها مجرد فقاعة ستنفجر سريعا، مثلما حدث في قطاع العقارات.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "نيويورك" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حينما بدأ سعر بتكوين يرتفع بسعر قياسي، فإن كبار المستثمرين في السوق المالي ما زالوا يشككون في العملة المشفرة الأبرز.

وأشار التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هؤلاء المشككين يصدف أن بعضهم كانوا ممن رأوا أن الأزمة المالية لعام 2008 قادمة لا محالة، ومنهم ملياردير صندوق التحوط ومساعد الأموال الصعبة بول سينغر، الذي يعتقد أن العملات المشفرة عملية احتيال.

وقالت المجلة إن سينغر سئم على ما يبدو من الشكوى منها، حيث كتب في رسالته في الربع الأول من عام 2021 إلى المستثمرين: "إن نتف شعرك هو خيار، على الرغم من أنه فقط إذا كان لديك شعر لتجنيبه، نواصل الضغط إلى اليوم الذي يمكننا أن نقول فيه (لقد قلنا لك ذلك)".

كذلك قالت المجلة، إن الملياردير كين غريفين، الرئيس التنفيذي لشركة "Citadel"، انضم إلى جوقة النقاد لـ"بتكوين"، واصفًا العملة المشفرة بأنها "دعوة جهادية" ضد الدولار.

وقال غريفين في النادي الاقتصادي في شيكاغو: "يا له من مفهوم مجنون هو أننا كبلد نحتضن الكثير من الأشخاص الأذكياء والشباب والموهوبين للتوصل إلى بديل لعملتنا الاحتياطية".

واعتبر أن إخباره أن شيئًا ما تم إنشاؤه كبرنامج كمبيوتر، حيث تشارك في عملية معينة من الجلوس هناك أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وبعد فترة من الوقت وإنفاق مجموعة من الكهرباء، تظهر رسالة على شاشتك تقول (لقد خلقت شيئًا) هو أمر سخيف ولا شيء".

بالمقابل لا يتفق المحلل المالي والخبير في العملات المشفرة، وليد أبو هلال، في الرأي مع الخبراء الذين يقولون إن "بتكوين" مجرد فقاعة.

وأكد أبو هلال لـ"عربي21" أنّ هذا السوق "بقي صامداً لمدة 14 عاماً منذ خلق "بتكوين" في 2008 إبان الأزمة المالية العالمية، وإلاّ ما معنى أن تتجه جميع البنوك المركزية لإصدار عملتها الرقمية في محاولة منها لمجاراة العملة المشفرة الأبرز، هذا من ناحية".

وأضاف: "من ناحية أخرى منذ أزمة 2008 فإن التفكير لم يتوقف في إيجاد بديل للنظام المالي العالمي الحالي بعد تكرار مشاكله المدمرة، البعض يرى في بتكوين تحديداً بداية منطقية في هذا الصدد".

إلا أن إيان هارنيت، يرى أن "توقعات البعض أن بتكوين فقاعة قد تحققت، حيث كان سعرها يرتفع بمعدل سريع حتى عند النظر إليه على مقياس لوغاريتمي - وخسرنا أكثر من 70% من الذروة".

وأكد أن "السبب مرتبط بالارتفاع في عوائد السندات التي جعلت الأصول المتنافسة أكثر جاذبية، في نفس الوقت الذي أدى فيه ارتفاع التضخم إلى خفض الدخل التقديري الزائد لمستثمري التجزئة الذين كانوا يقودون إلى حد كبير تحركات الأسعار هذه".

 



مستقبل العملات المشفرة ككل

وحول تأثير انخفاض سعر "بتكوين" على سوق العملات المشفرة ككل، قال هارنيت، إنه "من المحتمل أن تكون عملة بتكوين والعملات المشفرة الأخرى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا - التأثير الأوسع لفشلها غير واضح".

وأشار إلى أن "النظام المالي العالمي شهد خسارة أكثر من تريليون دولار من قيمة الأصول المشفرة، وإذا تم استخدام هذه الأصول كضمان لإقراض آخر، فقد يكون هناك تأثير ركود أوسع على الاقتصاد العالمي".

التعليقات (0)