قضايا وآراء

هل تستعيد واشنطن ثقة حلفائها بزيارة بايدن للمنطقة؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600

تتطلع أنظار المراقبين الدوليين والإقليميين إلى زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط في منتصف تموز/ يوليو المقبل، ولقائه بقادة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى قادة مصر والأردن والعراق، لمعرفة النتائج التي ستتمخض عنها هذه الزيارة.

تأتي الزيارة في سياق ترتيبات أمريكية هدفها التأثير في اتجاهات السياسة الدولية، في ظل الصراع مع الصين وروسيا، حيث تسعى واشنطن إلى ضبط مفاصل العلاقات الدولية، باعتبارها مورداً مهماً في الصراع، وقد ظهرت فعاليته بوضوح خلال الحرب الروسية، حيث استفادت روسيا بدرجة كبيرة من هذا الأمر؛ عبر وقوف الأطراف معها في رفض العقوبات الغربية وفي رفض زيادة إنتاج النفط، مما سمح لروسيا بالاستفادة من ارتفاع الأسعار واضطرار الغرب إلى البحث عن مقاربات جديدة لحل الأزمة الأوكرانية.

ومن المؤكد أن لزيارة بايدن أهدافا اقتصادية، ذلك أن استمرار أسعار النفط عند المستوى الذي وصلت له يضر بالاقتصاديات الغربية، الأمر الذي سيكون له انعكاسات على النخب الحاكمة في الغرب، وقد عكست الانتخابات التشريعية الفرنسية جزءاً من المشهد المحتمل عبر فوز أقصى اليسار واليمين بحصة وازنة فيها، وهو أمر لم يكن متوقعا قبل التطورات الاقتصادية التي أفرزتها الحرب الأوكرانية، وما نتج عنها من ركود تضخمي وارتفاع فلكي في أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية.

كما أن لزيارة بايدن بعدا استراتيجيا، حيث تسعى أمريكا إلى إخراج روسيا منهزمة من هذه الحرب إلى أبعد الحدود، حتى تصبح نموذجاً للصين التي يبدو أنها تراقب الخطوة الروسية في أوكرانيا ومعرفة مآلاتها ومصائرها، ومدى إمكانية استنساخ هذه التجربة في بحر الصين الجنوبي، وفي تايوان، وهو إن حصل سيهز بالفعل معادلات السيطرة العالمية وسينهي النظام الدولي الحالي الذي تقف واشنطن على رأس هرمه.

ومن الأدوات التي يسعى بايدن إلى استعمالها لضمان تحقيق أكبر قدر من الفعالية لزيارته، تسريع التطبيع العربي مع إسرائيل، حيث سيضمن بذلك ارتباط المنطقة بشكل نهائي مع واشنطن والتزام سياساتها، وبالتالي إبعادها عن إمكانيات الاختراق الصيني أو الروسي، في وقت يبدو التنافس على أشده بين هذه الأطراف لكسب مساحات نفوذ مهمة مع دول المنطقة، سواء بسبب موقعها الاستراتيجي المتوسط بين آسيا وأوروبا، أو بسبب امتلاكها لاحتياطات هائلة من الطاقة وقدرات إنتاجية؛ من شأنها التأثير على الاقتصاد العالمي الذي ما يزال واقعاً تحت تأثير اضطراره لاستخدام وسائل الطاقة التقليدية إلى أمد غير معلوم.

وضمن هذه الأداة، ستعمل إدارة بايدن على إعادة تزخيم مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ تزعم هذه الإدارة أن لها مقاربة مختلفة عن سابقتها، مع أن الواقع يقول بعدم وجود مؤشرات حقيقية عن هذا الاختلاف.

السؤال المطروح الآن هو: ما هو حجم النجاح المتوقع لزيارة بايدن في إعادة العلاقات مع الأطراف العربية إلى سكة التناغم الذي كانت عليه؟

ترجح معظم التحليلات حصول نتائج ضعيفة لزيارة بايدن بسبب الشرخ الكبير في العلاقة بين الإدارة الديمقراطية والعرب الذين سيجتمع بهم، وهذا الشرخ وسّعته اختبارات سابقة كثيرة، بدءاً من تخلي إدارة باراك أوباما عن حلفائها في مرحلة الربيع العربي، إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران دون مراعاة مصالح الحلفاء العرب، وصولاً إلى سحب واشنطن غطاءها الأمني عن الخليج وصمتها عن استهداف أذرع إيران للرياض وأبو ظبي.

وفوق ذلك، لا تزال واشنطن تلهث وراء إيران لعقد اتفاق نووي معها، وما زالت هناك أصوات داخل الإدارة الديمقراطية تنتقد سياسات الحكم الخليجية والمصرية، وكل ذلك يجعل الأطراف العربية تكون غير مصدقة لوعود بايدن وبالتالي غير جادة في تحقيق أهدافه، وخاصة في تحجيم علاقاتها بروسيا والصين، والتي ترى دول الخليج ومصر والعراق أن من حقها البحث عن خيارات بديلة في علاقاتها الدولية تحقّق مصالحها الأمنية والسياسية، وهذه ورقة قوّة لا ترغب في التنازل عنها مجاناً.

ويمكن القول إنه إذا كانت هناك مصلحة للدول العربية، التي سيلتقي بايدن زعماءها في الرياض في استمرار العلاقات مع واشنطن، نظراً لشبكة المصالح الكبيرة التي تجمع بينهما، إلا أن التجربة علّمت هذه الدول أن واشنطن تأخذ أكثر بكثير مما تعطي، كما أن الأزمات المالية والاقتصادية الدولية نبهت الأطراف العربية، وخاصة الخليجية، إلى أنها دفعت أثماناً مرتفعة لعلاقاتها مع واشنطن مقابل نتائج متواضعة، وخاصة في ظل وضع تلقيها عروضا دولية مغرية، من قبل فاعلين آخرين، بأثمان لا تذكر مقارنة بتلك التي تطلبها واشنطن وتتحصل عليها.

ربما ما زالت أمريكا سيدة النظام الدولي، لكن الجميع يدرك أن أمريكا باتت عاجزة عن القبض على فعاليات هذا النظام بسبب اتساعها ومحدودية قبضة أمريكا.

 

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)