هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحدث الباحث والمحلل السياسي يزيد الصايغ عن مستقبل النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي في ظل الظروف التي تعيشها مصر.
وخلال حوار له مع قناة "مكملين" خلال برنامج "آخر كلام" للإعلامي أسامة جاويش، أوضح الصايغ أن مصر تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية من فقر وضعف في الاستثمار سواء الأجنبي أو المحلي، وضعف في الانتاج ومعضلات أخرى متفاقمة من سنوات طويلة.
وقال الصايغ إن النظام المصري قادر على إظهار معدلات نمو إجمالية عالية في ظل معادلة قائمة على دعم خارجي خليجي، واستدراج البنك المركزي المصري الأموال من خلال عرض فوائد مرتفعة جدا.
وأشار إلى أن النمو الإجمالي في الانتاج المحلي وحجم الودائع بالعملة الصعبة ليس دليلا حقيقيا على الواقع الاقتصادي أو المشكلات الاجتماعية العميقة والتي تزداد عمقا، مشيرا إلى أن الاستراتيجية الاستثمارية والاقتصادية للسيسي غير قادرة على معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
وأوضح أن معدلات الفقر ازدادت في السنوات التسع الماضية، ومعدلات الاستثمار المحلي من القطاع الخاص والأجنبي تتراجع منذ عام 2017، كما أن مصر تعتمد بشكل كبير على الإيداعات المالية من المصادر الخارجية سواء من خلال شراء سندات حكومية أو القروض.
ورأى أن القوى الخارجية لاسيما الأمريكية والأوروبية ستواصل الدعم لنظام السيسي، ولكن هذه القوى لاسيما الغربية تواجه إشكالية بسبب الظروف التي مرت بها بسبب جائحة كورونا واضطرارها إلى دعم اقتصاداتها المحلية وحاجتها للتعامل مع الآثار المترتبة على الحرب الأوكرانية.
وحول إمكانية استمرار نظام السيسي في الحكم، رأى الصايغ أنه مازال قويا ومتماسكا في داخل الائتلاف الحاكم.
وتابع: "أعتبر النظام المصري ائتلافا بين الرئيس من جهة، وحلفائه من جهة أخرى وهم القوات المسلحة، وهي شريك وليست فقط تابعا له، ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بشكل خاص، التي لها درجة من الاستقلالية من أجل مصالحها، فضلا عن كبار المدراء في الدولة مثل القضاء والشركات الكبرى التي لها مصالح خاصة".
وأوضح المحلل السياسي أن "هذا الائتلاف الحاكم في مصر نجح منذ الانقلاب في تفريغ وتجفيف الساحة السياسية كليا من كل القوى سواء كانت حزبية أو نقابية أو طبقية أو اجتماعية، كالأحزاب ورجال الأعمال والشرائح العمالية"، كما أن البرلمان المصري أصبح عبارة عن "دمية متحركة".
وفسّر: "عبر التاريخ، أي نظام شمولي أو سلطوي في العالم يحتاج دائما إلى حلفاء في المجتمع مثلما كان الحال مع ستالين أو هتلر أو صدام حسين مع الاختلافات الكبيرة بينهم".
اقرأ أيضا: "مكملين" تعود للبث وتتعهد بـ"فضح داعمي النظام" (شاهد)
وأضاف: "المشكلة في مصر أن عملية تفريغ المشهد السياسي من أي قوى ذات مصداقية لا تعتمد على الدولة ولا على الرئيس بشكل زبائني أو نفعي، حتى الأحزاب التي كان يتفق معها السيسي لم يعد لها مكان فعلي، ما يعني استحالة أي انتقال سلمي للسلطة، حتى إلى المتعاونين مع النظام".
ما مستقبل الدور السياسي للقوات المسلحة؟
وحول الدور السياسي للقوات المسلحة في مصر، أشار الصايغ إلى أنه في الدستور المعدل عام 2019 حصلت القوات المسلحة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية على حق التدخل للحفاظ على هوية البلاد والدستور والنظام السياسي، دون العودة إلى أي جهة مدنية أو دستورية أخرى، وهذا أعطاها "حق التدخل كحق دستوري" وهذا نموذج لما حصل في تركيا عندما استولت القوات المسلحة التركية على الحكم عام 1980.
وتابع: "قد يأتي يوم تريد فيه القوات المسلحة أن تخرج من هذا الدور المباشر في إدارة الحياة اليومية في مصر، ويبدو أن هناك حوار داخلي بين المؤسساتيين (الأشخاص الذين يفضلون أن تزيد القوات المسلحة من قدرتها المهنية والأمنية ولا يفضلون التدخل إلى هذا الحد لا في السياسة أو الاقتصاد) بهذا الشأن".
وأضاف، أنه قد تأتي شريحة هامة من كبار الضباط تطالب بتعديل المسار، بعودة المدنيين لاستلام الحكومة وإدارة شؤون البلاد الاقتصادية واليومية، وإزالة هذا العبء الثقيل عن القوات المسلحة.
وأشار إلى أن مصر إذا دخلت إلى "النفق الضيق" كما اليوم من مشكلات مالية متنامية بسرعة، قد تجد نفسها في وضع أن اعتمادها على الديون الخارجية وتعرضها للضغوط الخارجية قد تصل لنقطة لا يستطيع فيها الرئيس سوى القيام بإعادة النظر في سياسته الاقتصادية والاستثمارية، وهذا يعني حكما إعادة النظر في دور القوات المسلحة، وفتح المجال للقيادات العسكرية المصرية للبدء بحوار داخلي حول إعادة اصطفاف الأولويات ونقل المسؤوليات إلى وزارات مدنية.
صفقات الأسلحة في عهد السيسي
وأكد الصايغ أن جزء من صفقات الأسلحة الكبرى والتي عقدها السيسي مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة لها طابع سياسي خارجي، وهو إظهار لواشنطن استقلالية القرار المصري وقدرتها على أن تلتفت لروسيا كمصدر للسلاح حتى لا يتعرض النظام لأي ضغط سياسي أمريكي حول قضايا حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الانفتاح الاقتصادي وغيره، كما الأمر ذاته مع دول مع أوروبا رئيسية.
وأما على صعيد البعد السياسي الداخلي لهذه الصفقات، أوضح الصايغ أن الهدف منها إقناع سلك الضباط في القوات المسلحة بأنها تتمتع بالقدرة المهنية بما في ذلك تنوع السلاح، وأن الرئيس يولي أهمية لها.
ضعف استثمار القطاع الخاص في مصر.. لماذا؟
ونوه الصايغ إلى أن مصر في ظل حكم السيسي تعاني من ضعف في استثمار القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي فيها.
وأوضح أن السيسي ناشد مرات عدة القطاع الخاص من زيادة استثماره في البلاد، ولكن دون فائدة، كما أن الاستثمار الأجنبي لا يأتي إلى مصر إلا عبر السندات الحكومية (استثمارات سريعة) أو قطاع الطاقة.
ونوه إلى أن 75 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الخارجية في مصر عدا عن سوق المال هي في الطاقة، وهذا دليل على أن غالبية المستثمرين الخارجيين لا يستثمروا في القطاعات الأخرى لاسيما الخدماتية.
وحول تأثير تدخلات الجيش في الاقتصاد المدني على القطاع الخاص في مصر بعهد السيسي، لفت الصايغ إلى أن هناك مؤشرات بيانية من بينها نسبة الاستثمار من إجمالي الناتج المحلي، تشير إلى ضعفها.
وأضاف أن القوات المسلحة لديها مزايا خاصة تتيح لها المنافسة بثقة، كما أنه لا يوجد إطار قانوني ينظم الشراكة ما بين شركة عسكرية وأخرى مدنية مصرية أو أجنبية، وعند حصول أي اختلاف يتحجج الجيش بأنه غير خاضع لأي قانون مدني أو محاكم مدنية، مؤكدا أن هناك رادع أمام الاستثمار المحلي أو الأجنبية بسبب وجود مثل هذه الإشكاليات.
وتابع بأن هناك نقلة هائلة جدا في امتلاك القوات المسلحة في عهد السيسي لما يقارب ربع القطاعات الاستراتيجية منها الأسمنت والحديد والصلب وغيرها، وبالتالي فإنها عمليا تنتج وتشتري من نفسها، وعليه تغلق حجم كبير من السوق على المنافسين من القطاع الخاص.
وأوضح أن السيسي منذ سيطرته على الحكم في مصر، يعتمد على القوات المسلحة لتكون رأس الحربة في استراتيجياته الاقتصادية والاستثمارية.