هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع انسداد الأفق السياسي بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال بسبب سياساتها الاستيطانية في السنوات الأخيرة، فإن المعطيات الميدانية تشير إلى فشل حل الدولتين الذي بنيت على أساسه عملية التسوية منذ مؤتمر مدريد 1991.
في الوقت ذاته، يواصل الاحتلال البناء بقوة في المستوطنات، ويزعم أن الوقت يعمل لصالحه، لذلك لا داعي للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، لكن كثيرا من الإسرائيليين يعيشون في قلق دائم بزعم أن الفلسطينيين يريدون تدمير دولة الاحتلال، وبالتالي فهم مستعدون لتحصين أنفسهم لفترة طويلة داخل جدران إسمنتية مكهربة، وإغلاق أنفسهم في أحياء يهودية، تعيد إلى أذهانهم الحياة في الغيتوهات، وحارات اليهود، دون شعور بالأمان، بزعم أنها الطريقة التي تتم بها حمايتهم من الفلسطينيين.
الكاتب يغئال بن نون ذكر في مقاله بموقع زمن إسرائيل، ترجمته "عربي21" أن "فشل الحل السياسي مع الفلسطينيين دفع أوساطا عديدة من الإسرائيليين لإظهار مزيد من علامات القلق الدالة على اليأس، ويتقدم الكثير منهم للحصول على الجنسية الأجنبية، حرصًا على مستقبل أطفالهم، على اعتبار أن بعضهم يقول بصوت عالٍ إن إسرائيل لن تكون موجودة لفترة طويلة، وأن إقامتها من الأساس كانت مغامرة فاشلة، ولذلك فهم يعيشون حالة متشائمة، تضعف قدرتهم على تحمل الواقع، ويحثون على الهروب قبل وقوع الكارثة".
اقرأ أيضا: وثائق رسمية: بريطانيا عاملت "حماس" كحركة مقاومة ضد الاحتلال
وأضاف أن "الفئات الإسرائيلية الأضعف ليس لديها خيار التخلي عن إسرائيل، وشعرت أن النخب تخونهم، فيما لاحظ السياسيون اليمينيون هذه الظاهرة، واستغلوها باستهزاء، وحوّلوا الشعبوية إلى أداة في الحكم، فقد رعوا الانقسام المدمر بين الشرقيين والغربيين اليهود، وسيطروا عليه في الخطاب العام، وبات كل شيء يمر عبر الخطاب العرقي العنصري، ولا يتم تعريف كل إسرائيلي من خلال مواقفه السياسية، بل من خلال خلفيته العرقية الخيالية، وبات اليهود يغرقون في الخرافات، ونظريات المؤامرة".
ويرصد الإسرائيليون تبعات الإعلان العملي عن فشل حل الدولتين مع الفلسطينيين، من خلال ظهور السياسة الشعبوية المتبعة لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ودفعت العديد من الإسرائيليين لترديد عبارة "ما كان ينبغي أن نأتي إلى إسرائيل"، في ضوء فقدان النخب السياسية الإسرائيلية لمصداقيتها، لأنها اعتمدت فقط الحل الداعي لإقامة دولة يهودية، تقوم فقط على العرق اليهودي، والزعم أن أي حل آخر يضر بالفكرة الصهيونية.
في الوقت ذاته، تصدر دعوات إسرائيلية يسارية تطالب بالقفز عن المسألة العرقية اليهودية لطبيعة دولة الاحتلال، في ضوء الوضع السائد عالمياً، حيث يعيش سكان العالم في بلدان تتحد تدريجياً في هياكل فوق وطنية، وانتقل العالم تدريجيًا من الدول القومية وفقًا للأصل العرقي إلى دول المواطنة، بغض النظر عن أصلهم أو دينهم، وبدون حدود إقليمية، وعابرة للقوميات والأديان، حتى أنه لا يوجد بلد في العالم اليوم مبني على أصل عرقي حصري، ولا توجد دولة متقدمة اليوم ليست دولة هجرة.
وهذا يعني، وفق المواقف الإسرائيلية الرافضة لفكرة يهودية الدولة، أن بقاء إسرائيل كدولة قائمة على الدين والقومية فقط يعود في جذوره إلى خوفها من الآخر، ورغم أن الأسوار الفاصلة بين الشعوب تنتهي أخيرا بالسقوط، لكن المجتمع الإسرائيلي لا يزال غارقا في مفاهيم الفصل العنصري الديني والعرقي.