قضايا وآراء

الابتزاز السياسيّ والإلكترونيّ في العراق!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600

يُمكن تعريف الابتزاز، ببساطة، بأنّه محاولة للضغط بالقوّة أو الإكراه على شخص ما للحصول على مكاسب ماليّة أو إداريّة أو جسديّة غير قانونيّة أو غير أخلاقيّة مقابل السكوت والتغاضي عن أمر غير قانونيّ أو غير أخلاقيّ ارتكبه الطرف المَضغُوط عليه.

وهنالك العديد من أنواع الابتزاز في العراق ومنها الابتزاز السياسيّ والأمنيّ والعسكريّ والشعبيّ والإداريّ والوظيفيّ والجنسيّ وغيرها.

وبرز الابتزاز السياسيّ بعد الاحتلال مباشرة، وظهر الابتزاز الإلكترونيّ بقوّة خلال السنوات الخمس الأخيرة! 

وتطوّر الابتزاز السياسيّ، بوضوح، بين كبار السياسيّين الذين يحاولون أن يوقعوا خصومهم بمطبّات إداريّة وماليّة وأخلاقيّة، ليضغطوا عليهم بموجبها!

وتتنوّع صور الابتزاز السياسيّ بين التهديدات المبطّنة والعلنيّة، التي تتضمّن التهديد بنشر تسريبات صوتيّة وفيديويّة للمُسْتَهدَفين، ومحادثاتهم وصورهم ووثائقهم غير السليمة، أو ممارستهم لعمليّات ابتزاز ورشوة، وربّما حتّى التهديد بالاختطاف والقتل وغيرها من المعاول المُتغلغلة في أركان الدولة، والهادفة لضرب الخصوم ولإبعاد المنافسين عن المناصب المهمّة (الاستثماريّة)!

وأثبتت التجارب أنّ البيئة السياسيّة المُغْبرة تُشجّع على اختراع الأكاذيب، وبالذات مع وجود الذباب الإلكترونيّ، والبرامج القادرة على التلفيق، والتلاعب بالصور والأصوات والفيديوهات!

وهنالك في العراق مئات حالات التهديد والابتزاز السياسيّ المباشرة وغير المباشرة، وأتصوّر أنّ المبادرات الثلاث التي منحها مقتدى الصدر لبقيّة الكتل السياسيّة، وآخرها مهلة الثلاثين يوما لتشكيل الحكومة، تقع ضمن نطاق الابتزاز السياسيّ والشعبيّ.

والمهلة الأخيرة فيها ابتزاز واضح وتهديد صريح بالذهاب لورقة الابتزاز الشعبيّ (المظاهرات)، والتي قد تكون بداية (ثورة الجياع) المُرتقبة!

وضمن الابتزاز السياسيّ الشعبيّ (الصدريّ) فتح باب التطوّع المسلّح لسرايا السلام (الصدريّة)، الجمعة 22/5/2022، بمحافظة بابل الجنوبيّة!

 

أثبتت التجارب أنّ البيئة السياسيّة المُغْبرة تُشجّع على اختراع الأكاذيب، وبالذات مع وجود الذباب الإلكترونيّ، والبرامج القادرة على التلفيق، والتلاعب بالصور والأصوات والفيديوهات!

 



وتُعتبر قضيّة النائب مشعان الجبوري آخر مظاهر الابتزاز السياسيّ المُتنامية، حيث قرّرت المحكمة الاتّحاديّة، قبل أسبوع تقريبا، إبطال عضويّة الجبوري لمجلس النوّاب لاتّهامه بتزوير شهادته الدراسيّة (السوريّة).

وكتب الجبوري يوم 16/5/2022 بعد القرار مهدّدا: "نجحت الضغوط السياسية للخصوم في جعل المحكمة تُسقِط عضويّتي بالمجلس، وستكون للقضيّة تداعيات، ومَنْ غدر سيندم، وحال العراق لن يَستقيم ما لم يتمّ استئصال الأورام الخبيثة التي أنهكت جسد الدولة"!

وكرّر الجبوري هجومه التهديدي، بعد 24 ساعة وعبر تويتر: "عندما وَجدتُ أنّ مصلحة الناس هي في التحالف مع طرف سياسيّ آخر وَجدت المحكمة أنّي فاقد لشروط عضويّة المجلس، وقرارها بُنِي على استنتاج وبلا قرائن"!

وهذه السياسات الابتزازيّة المُتجدّدة والمدروسة دفعت القوى الكرديّة، قبل يومين، للتفاهم والسعي لإذابة خلافات (الحزب الديمقراطيّ والاتّحاد الوطنيّ) وربّما الذهاب لبغداد بورقة ضاغطة ومتماسكة وتحفظ حقوق جماهيرهم.

وهكذا ستستمرّ وتتطوّر سياسات الابتزاز السياسيّ بين القوى المُتصارعة، وبخصوص قضيّة الجبوري أعتقد أنّ القوى الفاعلة بين خيارين إما أن تَعدل المحكمة عن قرارها، أو مواجهة تبعات هجمات الجبوري المرتقبة، وهذا ما ستكشفه الأيّام القادمة!

ولا توجد موادّ قانونيّة واضحة تخصّ الابتزاز في قانون العقوبات العراقيّ، وقد تنطبق المادّة (430) من القانون على بعض صور الابتزاز، حيث يعاقب بالسجن مدّة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس، كلّ مَنْ مارس بعض صور الابتزاز الشخصيّ!

ويُمكن معالجة الابتزاز السياسيّ والإداريّ، أو التقليل من آثاره، عبر منظومة قانونيّة حاكمة وضابطة وعادلة لا تجامل على حساب سمعة الوطن والمواطن!

ويتزامن الابتزاز السياسيّ مع تنامي الابتزاز الإلكترونيّ المجتمعيّ، وبالذات للنساء عبر الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعيّ وأماكن العمل، وقد كشفت إحصائية لرابطة القاضيات العراقيّات ونشرت يوم 22/5/2022 عن تسجيل العراق لأكثر من 2452 حالة ابتزاز إلكترونيّ للفترة من 2 يناير/ كانون الثاني وحتّى 31 مارس/ آذار 2022، وقد تربّعت بغداد على عرش أعداد الضحايا، بأكثر من 555 حالة!

وسجّل العراق خلال العام 2021، وفقاً للشرطة المجتمعيّة، 1950 حالة ابتزاز معظم ضحاياها من النساء، بينهنّ فتيّات في سنّ المراهقة.

وهذه الإحصائيات لا تشمل الحالات غير المُبلّغ عنها لأسباب مجتمعيّة وقانونيّة وشخصيّة وعشائريّة قد تصل لقتل الضحايا!

وسبق للناطق باسم الداخليّة العراقيّة أن أكّد زيادة الابتزاز الإلكترونيّ، وأنّه بات خطرا يُهدّد المجتمع، وتسبّب بزيادة معدّلات الطلاق، والانتحار، والعنف الأسريّ.

 

الابتزاز السياسيّ والإداريّ والإلكترونيّ لا يقلّ خطورة عن الإرهاب الدمويّ المسلّح المُتعاظم في العراق، ولهذا يُفترض التصدّي الحازم لظواهر الابتزاز السياسيّة والإلكترونيّة المجتمعيّة المُهلكة لأنّها تأكل الأمان، وتُخرّب العلاقات الإنسانيّة، وتنشر الرعب والكراهية في المجتمع والحياة!

 



ومن أهمّ أسباب هذه الظاهرة المجتمعيّة الخطيرة المتصاعدة:

ـ قلّة الوعي بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعيّ، والتعامل السلبيّ معها، ومنها الوثوق بالغرباء.
ـ غياب الدور الرقابي الأسريّ.
ـ ضبابيّة القوانين الرادعة.
ـ الجشع المادّيّ والجنسيّ لدى المُبْتَزِّين، والمتزامن مع البطالة والفراغ، وربّما، العوز والتي قد تَدفع (الضعفاء) للقبول بعلاقات سلبيّة.
ـ تنامي تعاطي المخدّرات بين المراهقين وقبولهم بكلّ المغريات للحصول على تلك السموم!
ـ التعامل المجتمعيّ القاسي مع الضحايا، ممّا يدفعهم للصمت وتنفيذ رغبات الطرف المُبْتَزّ!
ـ الجهل ببرامج التطفّل على أجهزة الهاتف المحمول والكومبيوترات وغيرها من الأسباب.

الابتزاز السياسيّ والإداريّ والإلكترونيّ لا يقلّ خطورة عن الإرهاب الدمويّ المسلّح المُتعاظم في العراق، ولهذا يُفترض التصدّي الحازم لظواهر الابتزاز السياسيّة والإلكترونيّة المجتمعيّة المُهلكة لأنّها تأكل الأمان، وتُخرّب العلاقات الإنسانيّة، وتنشر الرعب والكراهية في المجتمع والحياة!

dr_jasemj67@


التعليقات (2)
أبو أمير
الأربعاء، 22-06-2022 06:38 ص
حياك الله دكتور جاسم. وشكرا لك ??
بيداء حميد
الجمعة، 27-05-2022 07:56 م
احسنت بارك الله فيك عاشت الايادي