أفكَار

ما هي حقيقة خطاب روسيا عن النازيين الجدد في أوكرانيا؟ (1من3)

حاولت البروباغندا الروسية تصوير جزء من الحركة السياسية الأوكرانية باعتباره امتدادا للحركة النازية (الأناضول)
حاولت البروباغندا الروسية تصوير جزء من الحركة السياسية الأوكرانية باعتباره امتدادا للحركة النازية (الأناضول)

ما هي حقيقة الخطاب الروسي عن النازيين الجدد في أوكرانيا؟ هل هناك حقا حركة عنصرية متطرفة في الجيش والكتائب غير النظامية التي تم ضمها إليه؟ هل الفيلق الدولي للمتطوعين الأجانب فكرة جديدة ابتكرها الرئيس الأوكراني أم مجموعات موجودة فعلا في البلاد وكان من بنود اتفاق مينسك إخراجها من أوكرانيا؟ كيف تكشّف منذ الأيام الأولى السلوك المعادي لغير الأوربيين في قضية اللاجئين من قبل وحدات في الحرس الأوكراني؟ كيف يتصدر رجال أعمال يحملون الجنسية المزدوجة الأوروبية والإسرائيلية قائمة ممولي هذه الحركات؟ 

هل ستؤدي الحرب الأوكرانية إلى تعميم أنموذج اليمين القومي المتطرف الأوكراني المعدل عن صيغة 2014 في أوربة نحو يمين راديكالي يركز على التفوق الأوربي "الأبيض" وما يتعرض له من أخطار "الغزو البشري من بلدان العالم الثالث والعدوان من روسيا"؟ كيف نجح عدد من أغنياء الأوليغارشية الأوكرانية في مقدمتهم الملياردير الإسرائيلي القبرصي الأوكراني إيهور كولومويسكي في جعل مجموعة نازية جديدة جزءا من الجيش والحرس الوطني الأوكراني؟ ما هي الحدود الفاصلة بين يمين أوربة الشرقية الحاكم في أكثر من بلد، واليمين المتطرف الأوربي الصاعد؟ 

حاولت البروباغندا الروسية تصوير جزء من الحركة السياسية الأوكرانية باعتباره امتدادا للحركة النازية في أوكرانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان رد الفعل في الجبهة المقابلة، إنكار وجود يمين عنصري متطرف في البلاد. بعد اتصالات مع زملاء أوكرانيين مدافعين عن حقوق الإنسان وعدد من الباحثات والباحثين الأوكرانيين، حاولت إعادة رسم الخارطة الحقيقية لليمين المتطرف الأوكراني ومكانة وأهمية فيلق آزوف الذي تحول إلى "لواء آزوف" الذي نجح في السيطرة على ماريوبل قبل ثماني سنوات، وحوالي 2000 من مقاتليه محاصرين في مصنع الحديد والصلب؟ 
 
عودة إلى 2014

في وقت كانت الدولة الأوكرانية فيه على وشك الإفلاس، فر العديد من الجنود الموالين لروسيا من الجيش الوطني، وانضم العديد منهم بأسلحته إلى الحركات المدافعة عن حكم ذاتي في منطقة دونباس. لتعويض النقص عن الجيش الأوكراني غير المنظم والضعيف الدافع، لم يتم إرسال مجندين من دونباس للقتال في شرق البلاد، خوفًا من أن يغيروا مواقفهم ومواقعهم، وتشكلت مجموعات عسكرية صغيرة ذات خلفية "نازية جديدة" بدعم من القوى اليمينية المتطرفة في كييف وعبر تنظيم المستطاع من العناصر غير الناطقة بالروسية في البلدات الواقعة على ضفاف بحر آزوف.

في 13 نيسان / أبريل 2014، في اليوم التالي للاستفتاءين في لوغانسك ودونيتسك، تبنى وزير الداخلية في حكومة ياتسينيوك آرسن آفاكوف رسميا، تشكيل ميليشيات مسلحة خاصة، من أجل محاربة التمرد الانفصالي في الشرق. يُطلق على الأعمال القتالية التي يتم تنفيذها "عمليات مكافحة الإرهاب" (ATO)، من أجل التأكيد على عدم شرعية هذه الاستفتاءات.

 

حاولت البروباغندا الروسية تصوير جزء من الحركة السياسية الأوكرانية باعتباره امتدادا للحركة النازية في أوكرانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان رد الفعل في الجبهة المقابلة، إنكار وجود يمين عنصري متطرف في البلاد.

 



تم إنشاء فوج آزوف في 5 مايو 2014 من قبل Andriy Biletsky، زعيم المنظمتين القوميتين المتطرفتين "وطنيو أوكرانيا" و"المجموعة السياسية للجمعية الوطنية الاجتماعية". ثم غادر بيلتسكي الفوج ليصبح رئيسًا للحزب اليميني المتطرف "الفيلق الوطني".

تم دعم فوج آزوف منذ البداية من قبل عدد من منظمي مظاهرات الميدان الأوروبي في كييف: إيهور موسييتشوك، المتحدث باسم "التجمع الشعبي الاجتماعي" وعضو حزب القطاع الصحيح، إيهور كريفوروتشكو، وهو أيضًا عضو في المجلس السياسي لحزب القطاع اليميني المتطرف وياروسلاف غونشار، أحد منظمي مظاهرات Automaidan على هامش Euromaidan.

يعتبر عدد من الأكاديميين الأوكرانيين فوج آزوف تجسيدًا لـ "قومية الجندي" الواقعة عند تقاطع حزب سفوبودا البرلماني اليميني المتطرف والجماعات شبه العسكرية القومية المتطرفة والنازية الجديدة، مثل باتريوتس (الوطنيون) في أوكرانيا، التي تشكلت منها القيادة الأولية لآزوف.

على الرغم من الثناء الذي يمكن سماعه عن آزوف مثل مدح الكولونيل فالنتين فيديشيف الذي صرح: "لقد أظهر فوج آزوف قوته في المعركة. لقد نال مقاتلوه احترامنا. يشاركون بشكل كامل في الجهد المشترك. لدينا هدف واحد" محاربة الإرهابيين، قيادة واحدة ، تسمح بالتعاون الكامل"، هذه التصريحات التي تذكرنا بتقريظات وزير الخارجية الفرنسي رولان فابوس لجبهة النصرة "التي تقوم بعمل جيد".

لا تزال، لحسن الحظ، أصوات لا تخفي عدم ثقتها في هذه "الوحدة الوطنية العريضة في وجه العدو"، ومخاوفها من مشروعها النازي الجديد، مثل المتعاون الوثيق مع السكرتير السابق أندريه باروبي، عضو مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، الذي يؤكد أنه "لا الحكومة ولا القيادة العسكرية تثق في كتائب المتطوعين". انعدام الثقة المشروع بدأ يتعزز، منذ أن هدد قيادي من فوج آزوف حكومة كييف قائلاً: "عندما ننتهي من المؤيدين لروسيا، سنعود إلى كييف لترتيب الأمور".

تم تدريب فوج آزوف بشكل خاص للمساعدة في العمليات العسكرية حول بحر آزوف في بلدة ماريوبول، التي يعيش فيها خليط من الأوكرانيين والروس، وبدأ ذلك مباشرة بعد الاستيلاء على عدد من المباني الحكومية المحلية من قبل المطالبين بالاستقلال عن أوكرانيا وتشكيل جمهورية مستقلة في أبريل 2014.

في ليلة 7 إلى 8 مايو 2014، تم نقل فوج آزوف إلى ماريوبول، بهدف اعتقال المسلحين الموالين لروسيا وتدمير الحواجز والاستيلاء على المباني الإدارية. في صباح اليوم التالي 9 مايو / أيار، وصل الفوج إلى وسط المدينة فجرى إيقافه من حشد معاد من السكان فقامت الشرطة المحلية بنزع سلاح عناصر الميليشيا. يشرح نائب قائد فوج آزوف، ياروسلاف غونشار، هذا الفشل بـ "خيانة الشرطة ومعارضة السكان، فضلاً عن عدم كفاءة من يخططون للعمليات".

في 16 مايو/أيار، بعد عدة أيام من المواجهة، غادرت فوج آزوف ماريوبول إلى قاعدته في بيرديانسك، حيث كان من المتوقع وجود متطوعين جدد في 20 مايو 2014، وهو التاريخ الذي بدأ فيه التدريب الجديد وخاصة التدريبات التكتيكية والمتقدمة مع دعم مالي من عدد من أغنياء الأوليغارشية الأوكرانية في مقدمتهم الملياردير الإسرائيلي القبرصي الأوكراني إيهور كولومويسكي (هو نفسه كان أهم داعمي الحملة الانتخابية للرئيس زيلينسكي).

في 26 مايو 2014، استولى الفوج، برفقة "الكتيبة الأوكرانية"، على المقر الثانوي السابق لليودميلا يانوكوفيتش في أورزوف، الذي كان يحتجزه المعارضون، حيث عثروا على أسلحة. وقاموا بعد ذلك بجعل المكان بمثابة قاعدتهم الرئيسية الجديدة.

في 12 يونيو/حزيران، بعد عملية في وسط مدينة ماريوبول، ذكر بيان من الفوج أن مقاتليه اعتقلوا رئيس بلدية ماريوبول الذي أعلن عن تأييده لجمهورية دونيتسك الشعبية، ألكسندر فومينكو (الحزب الشيوعي الأوكراني)، والقيادي في لجنة ماريوبول RPD، نيكولاي ليسوغور، بالإضافة إلى ناشط آخر، سيرجي زيمنيتسكي. في 13 يونيو، سقطت مدينة ماريوبول تحت هجمات فوج آزوف و"الكتيبة الأوكرانية" والقوات الحكومية. وتقول القوات الأوكرانية إن عددا كبيرا من المتمردين قتلوا أو أصيبوا وأصيب عدد قليل من جنود الحكومة. رُفع العلم الأوكراني مرة أخرى على واجهة الإدارة المحلية وتم اعتقال أكثر من ثلاثمائة شخص. لكن في اليوم التالي، قتل خمسة جنود أوكرانيين على يد المقاومة المحلية الموالية لروسيا في كمين.

في يونيو 2014، شن فوج آزوف، بدعم من طائرات الجيش والمروحيات والمدفعية الأوكرانية هجومًا مميتًا في سلافيانسك تسبب في مقتل 300 "انفصالي" في غضون 24 ساعة. يومها، حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل" الرئيس بوروشنكو "على الحفاظ على حس التناسب في أفعاله المشروعة ضد الانفصاليين وحماية السكان المدنيين" خلال "عملياته لمكافحة الإرهاب".

جرت مكافأة فوج آزوف باعتباره جزءا من الجيش النظامي الأوكراني في سبتمبر 2014.

في نهاية فبراير 2015، خلال معركة دبالتسيف، أرسل فوج آزوف، إلى جانب كتائب أخرى من المتطوعين، بما في ذلك "كتيبة دونباس" (مجموعة قومية متطرفة صغيرة من حوالي عشرين مقاتلاً) كتعزيزات للمساعدة في إخلاء المدينة. سيتم أسر أكثر من عشرة أشخاص وقتلهم خلال الأيام الأخيرة من المعركة حتى يتم إصدار الأمر بالتراجع. كشفت الاتصالات اللاسلكية التي اعترضها "الانفصاليون" خلال الأيام الأخيرة للمعركة عن وجود أجانب داخل القوات الموالية لأوكرانيا، بسبب اختلاف اللغات المستخدمة في الحوارات التي تم الاستيلاء عليها، بما في ذلك اللغة الفرنسية. الأمر الذي أكده مراقبون من مجلس التعاون والأمن الأوروبي.

 

تم تدريب فوج آزوف بشكل خاص للمساعدة في العمليات العسكرية حول بحر آزوف في بلدة ماريوبول، التي يعيش فيها خليط من الأوكرانيين والروس، وبدأ ذلك مباشرة بعد الاستيلاء على عدد من المباني الحكومية المحلية من قبل المطالبين بالاستقلال عن أوكرانيا وتشكيل جمهورية مستقلة في أبريل 2014.

 



بعد أشهر من القتال، في 3 يوليو 2015، أعلن أندري بيلتسكي "لقد تخلى العدو عن شيروكين.. تشيروكين هي أوكرانيا !!! ». ومع ذلك، في 28 يوليو 2015، أمرت السلطات العسكرية الأوكرانية مقاتلي وحدتي دونباس وآزوف بالانسحاب من قرية شيروكين. بعد هذا الأمر، أعلن أندري بيلتسكي أنه "إذا كانت أوكرانيا مستعدة للتخلي عن شيروكين، فيجب أن نكون مستعدين لخسارة ماريوبول أيضًا" لذا نرفض "الانصياع لإملاءات المؤسسات الدولية" في إشارة إلى مطالبة "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" نزع السلاح من شيروكين. في أول مواجهة جدية بين الحكومة الأوكرانية وآزوف رضخت الحكومة فيها لإملاءات الفوج. وأصبح ظاهرا للعيان أن فوج آزوف هيكل منظم داخل هيكل الجيش له قراراته وسياساته. 

حاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في بداية ولايته، كما وعد في حملته الانتخابية، تنفيذ تدابير السلام الواردة في اتفاقيات مينسك. لكن نشطاء وأعضاء جماعة آزوف القومية المتطرفة رفضوا فك الارتباط وانتقدوا إعلان السلطة الأوكرانية.

في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تجمع 12 ألف متظاهر، معظمهم من القوميين، وقدامى المحاربين في الحرب في الشرق الأوكراني وأعضاء التنظيمات شبه العسكرية، وسط كييف للمشاركة في هذه المسيرة، ورددوا هتافات معادية لزعيم الدولة، متهمين زيلينسكي بالتحضير للاستسلام.

في 12 آذار / مارس 2020، تعرض سيرجي سيفوخو، مستشار رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، الذي كلفه زيلينسكي بإنشاء منصة وطنية للمصالحة والوحدة، للاعتداء من قبل أعضاء فوج آزوف.

اعتبارًا من أيلول / سبتمبر 2014، عندما انضم فوج آزوف إلى الحرس الوطني الأوكراني (الجندارما)، تم توفير التمويل والتسليح من قبل وزارة الداخلية الأوكرانية وحصل المقاتلون على راتب قدره 6000 هريفنيا (316 دولارًا).

في 14 تشرين أول / أكتوبر 2016، تحت رعاية أندري بيلتسكي، أنشأ ثلاثمائة من أعضاء الفوج والسلك المدني حزبًا سياسيا جديدًا في كييف يسمى الفيلق الوطني، والذي كان طموحه المعلن هو "الاستيلاء على السلطة من خلال صندوق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة وقتئذ، واستعادة الأراضي التي احتلها الانفصاليون الموالون لروسيا في شرق البلاد"(من إعلان التأسيس). على الرغم من إعلانه مرشحًا لبعض الوقت، تخلى أندري بيلتسكي أخيرًا عن الترشح في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية لعام 2019. حين قررت الأوليغارشية الأوكرانية وفي مقدمتها الملياردير الأوكراني-القبرصي-الإسرائيلي إيهور كولومويسكي دعم ترشيح زيلينسكي.

* باحث ومترجم وناشط مدني يعيش في باريس، باحث في المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان/جنيف.


التعليقات (0)