هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت تسريبات إسرائيلية، أولية عن مذكرة تفاهم يقوم الأردن والسلطة الفلسطينية بصياغتها لمعالجة الوضع الجديد الناشئ في المسجد الأقصى، وسط تحذيرات إسرائيلية متزايدة من قلق بالغ بشأن مستقبل التعاون الأمني مع الأردن، الذي يعتبر أن وصايته على المقدسات الإسلامية في القدس مرتكز رئيسي لاستقرار العرش.
وتتحدث الأوساط الإسرائيلية عن أن الأردن والسلطة الفلسطينية توصلا إلى ورقة تفاهم جديدة حول المسجد الأقصى، قدمها العاهل الأردني الملك عبد الله للرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، ونصت خطوطها العريضة على المطالبة بالعودة إلى الوضع الراهن القائم قبل عام 2000، رغم أن بند وقف صلاة اليهود في الأقصى من شأنه أن يخلق دراما كبيرة في علاقات عمان وتل أبيب، لأن هذا البند بالذات سمعه رئيس الوزراء نفتالي بينيت مباشرة من الملك عبد الله، لكنه رفضه.
نداف شرغاي خبير شؤون القدس، ذكر في مقال مطول بصحيفة إسرائيل اليوم، ترجمته "عربي21" أن "هذا البند أصبح سراً مكشوفاً بين مختلف الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية والأردنية، وفي الوقت الذي يصر فيه الاحتلال على صلاة اليهود في الأقصى، فإنه يدعي أنها "إنجازه الوحيد" في مواجهة سلسلة التغييرات الأساسية التي شهدها المسجد الأقصى في السنوات الأخيرة، لا سيما بناء المسلمين أربعة مساجد جديدة، وتقليص أوقات زيارة اليهود للحرم، وإغلاق البوابات وتقييد حركتهم داخله، فضلا عن سلسلة من الهجمات المسلحة والاحتجاجات التي انطلقت من فرضية "الأقصى في خطر".
وأضاف أن "صلاة اليهود في الأقصى بدأت بموافقة ضمنية من وزير الأمن الداخلي السابق غلعاد أردان، ما حدا بالملك عبد الله في حينه الطلب من بنيامين نتنياهو حين كان رئيسا للحكومة منعهم من ذلك، لكن الأخير رفض الالتزام بذلك، في ضوء ما تضمنته صفقة القرن للرئيس دونالد ترامب من بند مصمم لضمان حرية الصلاة المستقبلية في المسجد الأقصى لليهود والمسلمين، ما تسبب حينها بغضب أردني".
وأكد أن "الموقف الأمريكي اليوم في عهد بايدن، انحاز للموقف الأردني، ما اضطر رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت لأن يستدرك في حديث منفصل بأنه يؤيد حرية زيارة اليهود للأقصى، وليس حرية الصلاة فيه، ولكن مع مرور الوقت فقد تبين الآن أنه لم يكن خطأ عفوياً".
اقرأ أيضا: اتهامات لأوقاف الأقصى.. وملك الأردن بواشنطن للضغط على بينيت
من الواضح أن موضوع المسجد الأقصى سيبقى عنصر الاشتعال المركزي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع انخراط الأردن بذلك في ضوء وصايته على المقدسات، ما يعني تجدد المواجهات بين حين وآخر حول هذا الوضع الحساس، خاصة أن الاحتلال سيستمر في محاولات فرض سياسته الخاصة بصلاة اليهود في الأقصى.
في المقابل، يتواصل المطلب الأردني الفلسطيني بإخراج "حرس الحدود الإسرائيلي" من البوابات الجبلية التسع، بهدف وضع حراس الأوقاف الأردنية في مكانهم رسمياً، حيث يوجد 256 منهم يدفع الأردن رواتبهم، ويطلب من الاحتلال الموافقة على مضاعفة عددهم.
وتتوافق المحافل الإسرائيلية على أن أي تغيير للوضع الراهن للمسجد الأقصى سيضر بالأردن، لأنه يحرمه من حصرية السيادة والوصاية عليه، ومن ذلك مثلا أن ينازعه الاحتلال بإدارة هذه المقدسات باعتباره مكانًا خاصا بالمسلمين فقط، دون الحاجة عند أي حدث للاتصال بشرطة الاحتلال، وطلب تدخلها في ما يجري، وهذا التباين كفيل بوجود مشكلة بين الأردن وإسرائيل، رغم أن الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس تم الحفاظ عليها بعد حرب 1967، وترقيتها بموجب اتفاقية السلام في 1994.
المستشرق بنحاس عنباري باحث أول في مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة، ذكر أن "الأسرة الهاشمية في الأردن ترى أن من أهم دعائم استمرارها في الحكم هو مواصلة النظام الملكي الحفاظ على مكانته وصياً على المقدسات الإسلامية في القدس، لأنهم إذا فقدوا الأقصى لصالح اليهود، فقد انتهى الأمر لديهم، وقد يتسبب ذلك بحدوث زعزعات أمنية داخل المملكة، وظهور حالة من الاضطراب والتمرد، ما سيترك آثاره السلبية على أمن الحدود الإسرائيلية الأطول معه".
وأضاف أن "السلام مع الأردن والتفاهمات والمصالح المشتركة والتعاون معه في مجموعة من القضايا الأمنية والاقتصادية والاستخباراتية أمور حاسمة لنا، وتسمح للجيش الإسرائيلي بالتركيز على باقي القطاعات والحدود الأخرى، لذلك فإن إسرائيل لديها مصلحة كبيرة في استقرار المسجد الأقصى، وتعزيز مكانة الأردن فيه، ولو على حسابنا أيضًا".
ديفيد كورين مدير عام معهد القدس لدراسات السياسة، أشار إلى أن "العلاقة الأمنية بين إسرائيل والأردن هي الأكثر وضوحا، لكن السؤال الرئيسي هو: إلى متى وأي مدى تكون الاعتبارات الأمنية أساسًا كافيًا للعلاقة، بينما في الجوانب السياسية والدينية والاقتصادية تكون الأمور أكثر مرونة، مع وجود سلسلة من المصالح الأمنية المشتركة بين عمان وتل أبيب، أهمها محاربة القوى الإسلامية الراديكالية؟ ففي الأردن يوجد الإخوان المسلمون، ولدى إسرائيل توجد حماس، وبجانب التعاون الأمني فنحن أمام علاقات فضفاضة على المستويات السياسية والاقتصادية والدينية"، وفق قوله.
وأضاف أن "التقارب الأمني الأردني-الإسرائيلي لم يستطع خفض التوتر بشأن قضية القدس، في ضوء أن أكثر من نصف سكان المملكة من الفلسطينيين، والقبائل البدوية تعارض التطبيع مع إسرائيل، ولعلها المرة الأولى التي تدعم فيها المملكة المتظاهرين الفلسطينيين في الأقصى، ما اعتبر جزءًا من التصعيد في الخطاب الأردني بشأن الأقصى، وتأييد رفع العلم الفلسطيني على قبة الصخرة على مدى عشرة أيام، وقد تكون محاولة أردنية لصرف انتباه الجمهور عن مشاكله الداخلية، خاصة الاقتصادية".