هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناولت
صحيفة "أوبزيرفر" في افتتاحيتها نتائج أداء الأحزاب في الانتخابات
المحلية في بريطانيا، التي جرت الأسبوع الماضي.
وقالت
الصحيفة إن عناوين الأخبار التي وصفت أداء الأحزاب الرئيسية في انتخابات الأسبوع الماضي
لم تكن درامية، لكنها أخفت حقيقة عميقة، وهي أن حزب المحافظين عانى من خسائر بائسة، بعدما فرضت الشرطة غرامات على رئيس الوزراء ووزير الخزانة؛ بسبب خرقهما قواعد الإغلاق في أثناء فترة الوباء.
وحقق
حزب العمال نتائج مثيرة للانتباه في لندن، وتقدما في مناطق أخرى، لكنها ليست كافية
لحزب يطمح للحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات العامة. ومضى حزب الديمقراطيين الأحرار، واسترجع دوره كخزان للأصوات الغاضبة، وتحدى حزب المحافظين في مناطق عدة، جنوبا وغربا.
من جانب
آخر، حققت الأحزاب القومية نجاحات جيدة. لكن أهم نتيجة لانتخابات يوم الخميس، وما يمكن
أن تعنيه للتسوية الدستورية في البلد، هي نجاح شين فين في أيرلندا الشمالية، وسيطرته
على المجلس فيه. إلى جانب الاحتمال المتزايد لإدارة عمالية في ويستمنستر تعتمد على
تعاون الحزب القومي الأسكتلندي، ما سيترك تداعيات لا رجعة عنها للعلاقات بين الدول
الأربع التي تشكل المملكة المتحدة.
وقالت
إن حزب المحافظين حاول التقليل من خسائره كما هو معتاد، ولكن هناك إشارات أن هذه الخسائر
بنيوية وليست دورية.
فرئيس
الوزراء بوريس جونسون لم يعد محبوبا، وبات حزب الليبراليين الديمقراطيين العائد يقضم
من حصة المحافظين في الأصوات.
وبحلول
الانتخابات العامة، فسيكون الناخب قد عانى بما فيه الكفاية من ارتفاع كلفة الطاقة والطعام.
ونظرا لتراجع موضوع البريكسيت، الذي شكل حوله جونسون تحالفه عام 2019، فإن التحالف هذا
بات هشا.
لكن
الجانب الآخر من التحولات ليست سيطرة حزب العمال في المناطق التي يتراجع فيها المحافظون،
بل واستفادة حزب الخضر والليبراليين والقومي الأسكتلندي أيضا.
وحقق
العمال إنجازا مدهشا في منطقة ويستمنستر، واستخلصها من المحافظين، ما عزز من هيمنته
على لندن، وحقق نتائج جيدة في ويلز، وأظهر ملامح أولية عن التعافي في اسكتلندا.
ولو
ترجمنا كل هذا، فهي نتائج متواضعة أمام المحافظين، ولا تشير إلى حزب يسير نحو تحقيق الأغلبية
في الانتخابات العامة. ويظل التوقع من حصول حزب العمال على فترة خمسة أعوام في الحكم
بعد أسوأ هزيمة له منذ عام 1935 في ظل جيرمي كوربن، أمر مبالغ فيه.
وكان
يجب على حزب العمال الاستفادة من أزمات جونسون الواحدة بعد الأخرى وما وصل إليه الاقتصاد.
وقام كير ستارمر بخطوات أبعد فيها نفسه عن معاداة السامية في ظل كوربن وفي السياسة
الخارجية، لكنه كافح من أجل تقديم رؤية واضحة. ويشعر بالراحة على ما يبدو من خلال تعريف
نفسه كمعارض لجونسون واليسار في حزبه، وليس إيصال ما يؤمن به.
ويجب
على حزب العمال عمل المزيد من أجل إقناع البلد أن لديه رؤية إيجابية للمستقبل وسياسات
يمكن تحقيقها.
ويمكن
وصف أداء حزب العمال في هذه الانتخابات بأنه قوي، لكنه ليس صلبا بما فيه الكفاية، بشكل
يفتح المجال أمام برلمان معلق يعتمد فيه حزب العمال على القومي الأسكتلندي والليبراليين
الديمقراطيين لتشكيل الحكومة. وقد تطلب زعيمة الحزب القومي، نيقولا ستيرجين، استفتاء
جديدا على استقلال اسكتلندا، وهي بعيدة عن الرأي العام بهذا المطلب. ففي استطلاع صدر
يوم الأحد، وجد أن ثلث الأسكتلنديين يفكرون بالاستفتاء، وأنه لا توجد غالبية تدعم الاستقلال. لكن النتيجة ليست محسومة، فاستفتاء جديد سيهيمن على السياسة البريطانية وعلى حساب
المشاكل الأهم.
أما
في أيرلندا الشمالية، فقد عبد انهيار الحزب الوحدوي الديمقراطي "دي يو بي"
الطريق أمام شين فين لكي يحصل على المركز الأول في مجلس ستورمنت. وفوزه لا يعكس دعما
شعبيا لإعادة توحيد أيرلندا، فحصة شين فين لم تزد إلا بشكل هامشي منذ 2017، ولم تتغير
نسبة الداعمين للوحدة مع جمهورية أيرلندا وخلال السنوات الماضية عن 30%.
لكن
سيطرة شين فين على مجلس ستورمنت لها تداعيات مهمة على أيرلندا الشمالية، فقد كان الحزب
الوحدوي الديمقراطي معارضا لبروتوكول شمال أيرلندا في مرحلة ما بعد بريكسيت، الذي يعيد
فرض نقاط التفتيش بين أيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا. ويرى شين فين أنها طريقة للخروج
من المأزق الذي يمثله خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اتفاق الجمعة السعيدة.
وربما اشترط الحزب الوحدوي الديمقراطي مشاركته بالسلطة مع شين فين إلغاء البروتوكول،
وهو ما قد يؤدي إلى إجراءات انتقامية من الاتحاد الأوروبي.
فبعد
ستة أعوام من البريكسيت ليس من الواضح إن كان خروج بريطانيا من السوق الموحدة والجمارك
الموحدة، لا يزال يتطلب نقاطا جمركية، إما على جانب الجزيرة الأيرلندية أو الجانب الآخر
من بحر أيرلندا بشكل يتناسب مع مشاركة السلطة والسياسة التوافقية في أيرلندا الشمالية.
وسيصبح الموضوع وجوديا في التحضير لانتخابات عام 2024.
وترى
الصحيفة أن السياسة في ويسمنتسر ستظل تدور حول الاتهامات والاتهامات المضادة بخرق قواعد
كوفيد-19، ولحرف النظر عن القضايا المهمة، والأخبار السيئة عن الاقتصاد، والأخبار المروعة
عن ترحيل طالبي اللجوء السياسي إلى راوندا، وخطط الحكومة التدميرية لخصخصة القناة الرابعة.
وتظل
نتائج الأسبوع الماضي تحذيرا لأي سياسي يدعم الوحدة، فسياسة متشرذمة في كل أنحاء البلاد
قد تؤثر على استقرار أيرلندا الشمالية، وقد تؤدي لتغيير شكل بريطانيا وللأبد.