هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زالت أصداء قرار رئيس الوزراء اللبناني
الأسبق سعد الحريري، مقاطعته للانتخابات النيابية تتوالى، حتى وصلت إلى العاصمة السعودية الرياض،
بعد الهجمة التي شنتها صحف السعودية ضد قراره.
وشنت صحيفة عكاظ السعودية هجوما على الحريري لنيته
مقاطعة الانتخابات، متهمة إياه بـ الارتماء في الحضن الإيراني.
واعتبرت الصحيفة أن "الحريري الذي فشل
اقتصاديا وسياسيا، قد قدم أكبر خدمة لقتلة والده، وذلك بدعوة الطائفة السنيّة إلى مقاطعة الانتخابات لإخلاء الساحة الانتخابية لحزب الله والتيار العوني على حساب
وطنه لبنان، وعلى حساب طائفته".
بالمقابل نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية عدة
مقالات وأخبار، حذر فيها كاتبوها من مقاطعة الانتخابات، كذلك نقلت عن رئيس الوزراء
الأسبق فؤاد السنيورة قوله بأن "المقاطعة تسلم لبنان لحزب الله".
الرهان على الدولة اللبنانية
الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل
عاتي، قال إن "السياسة السعودية تجاه لبنان معروفة بانفتاحها على كل الطوائف
والفصائل والمذاهب اللبنانية دون تمييز فصيل عن فصيل أو طائفة عن طائفة، ما يعني
أن المملكة لا تراهن على طائفة واحدة بل تراهن على أن يكون لبنان لكل
اللبنانيين".
وأضاف: "بالتالي مسألة تخلي أو تراجع
وخذلان الحريري لجماعته، هذا يحاسب ويساءل عليه هو فقط، بمعنى أن يخذل طائفته
وحزبه هذه مسألة تعد عملا غير عادي منه، وباعتقادي موقفه هذا لن يمر دون ردة فعل
لبنانية".
وأوضح آل عاتي خلال حديثه "عربي21"،
أن "السعودية ترى أن ترك اللبنانيين يقررون مصيرهم بأنفسهم هو الأفضل وهو ما
سيشجع على نضوج العملية السياسية ويُسهم في إنجاح العملية الانتخابية النيابية، ثم
يجعل لبنان بالفعل يمارس النأي بالنفس بصيغته الحقيقية بعيدا عن الاستقطابات
الإقليمية والتدخلات الخارجية أو الإملاءات الدولية".
وأوضح، أن "السعودية بعد إعادة علاقاتها
الدبلوماسية مع لبنان من الواضح أنها تراهن على كل الفصائل وكل الأصوات الوطنية
اللبنانية ولن ترمي بثقلها خلف شخصية معينة أو قيادات أو زعامات".
وأضاف آل عاتي: "اليوم العصر والعطاء
السياسي تغير كثيرا والنهج السياسي اللبناني تغير مع تغير المزاج السياسي اللبناني
ولذلك من الواضح لي كمراقب أن الرهان لن يكون على شخص أو زعامة أو حزب، بل على
الدولة الوطنية التي ستكون مظلة لشعبها وتعمل لصالحه وتنأى بنفسها عن الاستقطابات
الإقليمية.
هجوم مفاجئ
من جهته أكد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني
توفيق شومان، أن "الهجوم الإعلامي والمقالات التي تُنشر في بعض الصحف
السعودية كانت مفاجأة بالنسبة للجانب اللبناني، فهذه أول مرة يخوض فيها الإعلام السعودي
خصوصا المقروء هذه المعركة ضد الرئيس سعد الحريري".
اقرأ أيضا: عمال لبنان: "عيدنا نقمة".. وعون يطالب بالعمل لمستقبل واعد
وأشار إلى أن "هناك عدة أسباب لهذه الحملة
الإعلامية التي بدأتها صحيفة عكاظ وبعد ذلك انتقلت إلى صحيفة الشرق الأوسط، أولها
الخصومة بين الحريري وولي العهد السعودي وهذا الخلاف لم يعد خافيا على أحد".
وأوضح شومان خلال حديثه لـ"عربي21"،
أن "السعودية تعتبر أن التسوية الرئاسية التي ذهب إليها الرئيس سعد الحريري
في عام 2016 وأوصلت الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة اللبنانية، وكانت خارج نطاق
الرضا السعودي وهذا كان السبب المفصلي الذي دفع إلى التباعد بين الرياض
والحريري".
وأضاف: "السبب الثاني يتعلق بعدول الرئيس
سعد الحريري عن استقالته التي قدمها في الرياض عام 2017، حيث كانت المملكة تريد أو
على الأقل تتمنى أن يستقيل من الحكومة ولكنه عندما رجع من الرياض عاد إلى رئاسة
الحكومة".
ولفت إلى أن "تجميد النزاع مع حزب الله هو
السبب الثالث، بمعنى أن السعودية كانت تتمنى أن يكون هناك نوع من المواجهة السياسية
العالية الوتيرة بين تيار المستقبل والحزب، لكن الرئيس سعد الحريري فضل الذهاب إلى الابتعاد
عن التصعيد".
وأكد أن "هذه الأسباب ومع مر السنوات
أنتجت تراكما سلبيا في العلاقات بين الحريري والسعودية توجت في هذه الأيام بالحملة
الإعلامية التي أصبحت واضحة".
وأضاف: "وحقيقة أنها ليست فقط حملة إعلامية بل حملة انتخابية ذلك.. لدفع أنصار تيار المستقبل إلى الإقبال على صناديق الاقتراع، وبالتالي
انتخاب قوى سياسية ترضى عنها السعودية ومتحالفة معها وتحديدا القوات اللبنانية
والرئيس فؤاد السنيورة، لذلك فإننا لا يمكن أن نفصل الحملة الإعلامية التي شنتها صحف
المملكة عن الحملة الانتخابية ضد الحريري وبالتالي تحفيز الناخب السني للذهاب إلى
صناديق الاقتراع".
ورأى شومان أن "الناخب السني الآن أمام
امتحان كبير، فإما الإقبال على صناديق الاقتراع أو مقاطعتها، وفي حال ارتفعت نسبة
الاقتراع لدى الشارع السني، فأعتقد أن هذا قد يقلب الموازين في عدة دوائر انتخابية
وبالتالي هذا يعني من جهة أخرى بداية مرحلة جديدة في المشهد السياسي السني يتم
فيها استبعاد تيار المستقبل وبالتالي وراثة التيار من قبل شخصيات سياسية سنية
جديدة".
وأضاف: "كلما ارتفعت نسبة الاقتراع فهذا
يعني أن تيار المستقبل يسدل الستار السياسي عنه في الداخل وبالتالي فإننا نكون أمام قوى
وشخصيات سياسية جديدة ترث هذا التيار".
واستدرك بالقول: "لكن انخفاض الإقبال
السني على صناديق الاقتراع يؤكد التزام القطاع الأوسع من الطائفة السنية بقرار
المقاطعة الذي يحدده الرئيس سعد الحريري ويشجع عليه".
وحول تأثير الموقف السعودي على السنة قال
شومان: "في حال انخفضت نسبة الاقتراع، فسيكون التأثير سلبيا، وبمعنى أن
الغالبية السنية إذا لم تلتزم بما أرادته الرياض وانتخبت اللوائح المعاكسة
للرياض، فلن يكون هناك دعم سعودي لهذه الغالبية، لا سياسيا ولا ماليا ولا
مؤسساتيا".
وكانت السعودية قد رعت هي وسوريا اتفاق الطائف
الذي تم توقيعه في 30 أيلول/ سبتمبر 1989 في مدينة الطائف، وتم إقراره كقانون في
لبنان، وبذلك أنهى هذا الاتفاق الحرب الأهلية اللبنانية.
وعاد بعدها بثلاث سنوات رئيس الوزراء الأسبق
رفيق الحريري إلى لبنان وتسلم حكومته الأولى عام 1992، وفي عام 1995 أسس تيار
المستقبل والذي كانت السعودية من أكبر داعميه، وخلفه على رئاسته ابنه سعد إثر
اغتياله في 2005.
وفي عام 2018 تم اتهام الرياض باحتجاز وتعذيب
حليفها الحريري، إلا أنها نفت هذه الاتهامات، مشيرة إلى أن حديث ماكرون عن احتجازه
غير صحيح.
الجدير بالذكر أن الانتخابات النيابية في لبنان
كانت قد انطلقت في مرحلتها الأولى عبر تصويت المغتربين اللبنانيين يومي السادس
والثامن من أيار/ مايو الجاري، وذلك قبل أسبوع واحد من موعدها المقرر داخل لبنان في
الخامس عشر من الشهر ذاته.