نشرت صحيفة "
واشنطن بوست"
تقريرا للصحفية ايرين كننغهام قالت فيه إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو
غوتيريش، دعا الأسبوع الماضي إلى هدنة عيد الفصح بين
روسيا وأوكرانيا حيث احتفل
المسيحيون الأرثوذكس في كلا البلدين بعيد الفصح الأحد الماضي.
لكن مع استمرار القتال، اتهم الرئيس
الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موسكو يوم الخميس الماضي برفض اقتراح الأمم المتحدة.
تسبب الغزو الروسي في اضطراب الأسواق
العالمية، وأعاد إحياء حلف شمال الأطلسي، وأثار تحقيقات في جرائم الحرب. كما أنه
تسبب بصدع في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث حرض الجناح الروسي والبطريرك الموالي
للكرملين ضد القادة الأرثوذكس في كييف وحول العالم.
المسيحية الأرثوذكسية هي واحدة من أكبر
الطوائف المسيحية في العالم، ويتركز معظم أتباعها البالغ عددهم 260 مليونا تقريبا
في أوروبا وروسيا وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفيتي السابق.
بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين وحليفه في الكنيسة، البطريرك كيريل، تعتبر أوكرانيا جزءا لا يتجزأ من عالم
روسي أكبر – عالم تشكل موسكو مركزه السياسي وكييف مركزه الروحي.
لهذا السبب، قدم كيريل، 75 عاما،
تأييدا شديدا للحرب، وضاعف من ذلك التأييد حتى مع امتعاض العالم بسبب التقارير
الكثيرة عن الفظائع الروسية في أوكرانيا. وقد أثار موقفه المؤيد للحرب غضب قادة
الكنيسة الآخرين في أوكرانيا.
وبينما احتفل العالم الأرثوذكسي بعيد
الفصح الأحد، إليك كيفية حدوث التوترات داخل الكنيسة:
الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
تعد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية واحدة
من أكبر الكنائس وأكثرها تأثيرا في العالم، حيث تضم أكثر من 100 مليون تابع، وفقا
لمركز بيو للأبحاث. في عام 2009، تم انتخاب كيريل بطريركا - لأول مرة منذ سقوط
الاتحاد السوفيتي.
في البداية، كان يُنظر إلى كيريل على
أنه مصلح قد يحقق بعض الاستقلال للكنيسة، بعد أن استخدم سلفه، أليكسي الثاني،
علاقاته السياسية لإبراز مكانة الكنيسة بعد عقود من الشيوعية الملحدة. قام
السياسيون الروس بتمويل بناء كنائس جديدة، وظهر الزعماء الدينيون في المقدمة في
أنشطة الدولة.
منذ ذلك الحين، عزز كيريل دوره كحليف
للكرملين.
في 23 شباط/ فبراير الماضي، قبل يوم
واحد من الغزو، أصدر كيريل بيانا يشيد ببوتين "لخدمته الرفيعة والمسؤولة لشعب
روسيا" ووصف الخدمة العسكرية الإلزامية بأنها "مظهر نشط من مظاهر الحب
الإنجيلي للجيران".
في الأسابيع التي تلت اندلاع الحرب،
استخدم كيريل خطبه لتبرير الحملة، وتصويرها على أنها صراع ضد الثقافة الغربية
الخاطئة - على الرغم من حرصه على تجنب الإشارة إلى الصراع على أنه حرب أو غزو.
وقد ركز بشكل شبه كامل على ما يسميه
"إبادة" أوكرانيا للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في الجزء
الشرقي من البلاد. في وقت سابق من هذا الشهر، ألقى كيريل خطبة حث فيها الروس على
الالتفاف حول الحكومة "خلال هذا الوقت العصيب"، حسبما ذكرت وكالة رويترز
للأنباء.
ونقلت وكالة أنباء انترفاكس عن كيريل
قوله في خطبة في موسكو: "فليساعدنا الرب على التوحد خلال هذا الوقت العصيب على
وطننا بما في ذلك حول السلطات".
الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية -
بطريركية موسكو
الغالبية العظمى من الأوكرانيين
يعتبرون مسيحيين أرثوذكسا، وفقا لمركز بيو للأبحاث. ومع ذلك، تنقسم ولاءاتهم بين ما
لا يقل عن هيئتين كنسيتين رئيسيتين، إحداهما الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، التي
تتمتع "بالحكم الذاتي" لكنها تظل تحت سلطة بطريركية موسكو.
لقرون، كانت الكنائس في أوكرانيا
وروسيا تحت قيادة بطريرك موسكو. ومع ذلك، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، ضغطت
الكنيسة الأوكرانية وحصلت على وضع شبه مستقل في عام 1990.
لكن في السنوات الأخيرة، بعد أن ضمت
روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني وتدخلت في شرق أوكرانيا، سعى عدد متزايد من
أتباع الكنيسة في أوكرانيا لمواجهة ما يرون أنه نفوذ موسكو.
منذ الغزو، اشتدت هذه الدعوات - وتزايد
غضب أبناء الرعية من دعم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية للحرب. كل هذا وضع الكنيسة
الأرثوذكسية الأوكرانية وزعيمها، المطران أونوفوري، في موقف محفوف بالمخاطر، لا
سيما مع تزايد التقارير عن مذابح المدنيين وغيرها من الفظائع.
في 24 شباط/ فبراير الماضي، يوم الغزو،
أصدر أونوفوري بيانا وصف الحملة العسكرية بأنها "كارثة" وناشد بوتين
"وقف الحرب بين الأشقاء فورا".
قال أونوفوري إن الحرب بين الروس
والأوكرانيين "هي تكرار لخطيئة قابيل، الذي قتل شقيقه بدافع الحسد.. مثل هذه
الحرب لا مبرر لها لا من الله ولا من الناس".
أكدت الكنيسة دورها في تقديم المساعدة
للمدنيين والإشراف على دفن أعضاء الخدمة الأوكرانية. توقف بعض القساوسة عن ذكر
كيريل في صلواتهم ودعوا أونوفوري للانفصال عن موسكو تماما.
كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية
الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا عمرها ثلاث
سنوات. كان تأسيسها نتيجة مباشرة للحركة المزدهرة للانفصال عن الكنيسة الأرثوذكسية
الروسية وإنشاء كيان كنسي مستقل تماما لأوكرانيا. وأثار اعتراف البطريركية
بالكنيسة في تركيا غضب موسكو، وقطعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية علاقاتها بتلك
الهيئة.
زعيم الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا
هو المطران أبيفانيوس، 43 عاما، والذي كان صريحا في انتقاده لبوتين والحرب. بعد
فترة وجيزة من الغزو، أصدر أبيفانيوس بيانا يشبه الزعيم الروسي بكل من المسيح
الدجال وأدولف هتلر.
قال: "روح المسيح الدجال تعمل في
زعيم روسيا، وعلاماتها التي أخبرنا بها الكتاب المقدس: الكبرياء والإخلاص للشر
والقسوة والتدين الباطل.. كان هذا حال هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، هذا ما
أصبح عليه بوتين اليوم".
هذا الأسبوع، بعد أن زار مدينة
تشيرنيهيف المدمرة، حث أبيفانيوس الأوكرانيين على مواصلة محاربة الغزو الروسي.
وقال: "بالنظر إلى المعاناة
والدمار والعنف الوحشي وانتشار الموت الذي تجلبه روسيا إلى كل ركن من أركان
أوكرانيا.. نفهم بشكل أفضل أن القتال ضد المعتدي وطرده من أرضنا فقط يمكن أن يجلب
لنا السلام العادل".
بطريركية القسطنطينية المسكونية
تعتبر بطريركية القسطنطينية المسكونية واحدة من
أقدم المؤسسات في العالم. ليس للكنيسة الأرثوذكسية زعيم واحد، لكن البطريرك
المسكوني برثلماوس يعتبر مرشدها الروحي و"الأول بين أنداد" مع البطاركة
الآخرين.
انتقد برثلماوس موسكو والحرب وكيريل
والكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
في اليوم الأول من الغزو، أدان ما قال
إنه "هجوم غير مبرر من جانب روسيا ضد أوكرانيا".
في وقت لاحق، في مقابلة مع CNN Turk،
دافع عن قراره منح الاستقلال الذاتي للكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا وحذر من أن
عدوان روسيا وعزلتها قد يؤديان إلى "حرب باردة جديدة".
قال برثلماوس: "العالم كله ضد
روسيا.. المسافة بين روسيا والعالم الغربي تزداد اتساعا. هذا يعني أننا ندخل فترة
حرب باردة جديدة".
قامت البطريركية بتسليم مساعدات
إنسانية إلى الكنيسة في كييف. وفي زيارة لبولندا في أواخر مارس، ندد برثلماوس
بالغزو ووصفه بأنه عمل "فظيع".
قال برثلماوس في إفادة صحفية، وفقا
لوكالة أسوشيتيد برس: "من المستحيل ببساطة تخيل مقدار الدمار الذي أحدثه هذا
الغزو الوحشي للشعب الأوكراني والعالم بأسره".
وأضاف أن التضامن مع الأوكرانيين
"هو الشيء الوحيد الذي يمكنه التغلب على الشر والظلام في العالم".