هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعتبر الأداء العسكري الروسي واحداً من مفاجآت الحرب ضد أوكرانيا، إذ أظهر الجيش الروسي أداءً متواضعاً في الميدان مقارنة مع التصوّر السائد حول قدرات القوات المسلّحة الروسية. وظهر ذلك بشكل جلي في الأداء الضعيف وغير المتوازن، وغياب التنظيم، وغياب الروح القتالية، وتدني المعنويات، وفشل في التخطيط والدعم اللوجستي، وتواضع مستوى التنفيذ. هناك فشل في السيطرة الجويّة، وفشل في السيطرة على الأرض، وفشل في الكفاءة القتالية.
لقد رأينا الجيش الروسي يترك معدّاته العسكرية، وعددا كبيرا من جنوده يسقطون بين قتيل وجريح وأسير، وذلك بالرغم من أنّه يقود معاركه بدعم من آلاف العناصر من المليشيات الانفصالية المسلّحة من أصل روسي داخل أوكرانيا. ووفقاً لأحد مشاريع توثيق الخسائر العسكرية الروسية في أوكرانيا، تمّ توثيق خسارة موسكو لـ 2614 قطعة عسكرية بين آلية ومدرعة ودبابة وأنظمة دفاعية وأجهزة حرب إلكترونية منذ بدء الحرب، ولا يشمل ذلك الأسلحة الخفيفة أو تلك التي لا يوجد طريقة لتوثيقها.
أمّا الخسائر في صفوف الجنود، فتختلف باختلاف المصادر، إذ يقدّر الناتو خسارة روسيا ما بين 7 إلى 15 ألف جندي روسي خلال العملية العسكرية، فيما ترفع أوكرانيا التقديرات إلى حوالي 18 ألفا ونيّف. وبغض النظر عن النقاش في هذا الجانب، إلاّ أنّ الجانب الروسي اعترف بخسارة ما يزيد على 1500 من قواته المسلّحة، وهو عدد كبير جداً علماً بأنّ الأرقام الحقيقية أكبر بالتأكيد ممّا يعلنه الجانب الروسي.
وفضلاً عن ذلك فقد فشلت روسيا في حماية حدودها ضد هجمات مرتدّة مفاجئة، وهو الأمر الذي شهدناه مؤخراً حيث نجحت مروحيات هجومية أوكرانية بالتسلّل إلى عمق الأراضي الروسية واستهداف منشآت حيوية متعلقة بالطاقة والعودة إلى داخل أوكرانيا دون خسائر تذكر. هناك من يقول بأنّ روسيا لا تبالي بكل ذلك، وأنّها في نهاية المطاف ستنجح في إخضاع أوكرانيا. لكن إذا كان الأمر كذلك، فهذا سيطرح بالتأكيد سؤال التكلفة والثمن.
هناك عدد من العناصر التي من الممكن ربما أن تفسّر هذا المستوى من الآداء الضعيف وغير الإحترافي للقوات المسلحة الروسية، لعل من بينها الفشل في العمل الاستخباراتي وجمع المعلومات حول قدرات الخصم ومدى استعداداه للمقاومة أو مدى قدرته على إيقاع الخسائر في صفوف القوات الغازية. أو ربما يكون السبب أيضاً الرغبة في إبقاء النيّة في شن حرب ضد أوكرانيا سرّاً حتى اللحظة الأخيرة. لقد أنكر القادة والمسؤولون الروس وجود خطط لغزو أوكرانياً علناً، ولذلك لربما لم يتم تهيئة القوات الروسية وتحضيرها لخوض هذه الحرب بشكل كافٍ، فكان قرار الحرب مفاجئا للقوات المسلحة ايضاً.
أو ربما يرتبط الأداء العسكري الروسي بسوء التقدير، حيث كانت موسكو تتوقع انهياراً سريعاً للقوات النظامية الأوكرانية واستسلاماً سهلاً للقيادة السياسية، أو فرارها خارج البلاد، أو حتى حصول انقلاب داخلي، فتكون القوات الروسية في هذه الحالة بمثابة قوات شرطة هدفها حفظ الأمن، بدلاً من أن تكون قوات قتالية مستعدة لخوض حرب مع القوات المسلحة الأوكرانية والمقاومة المسلّحة.
لا تزال روسيا تمتلك قدرة تدميرية هائلة من ترسانتها من الأسلحة والصواريخ المدمرة، لكن الاعتماد عليها في سياسة الأرض المحروقة قد يؤمّن لها بعض المكاسب التكتيكية على الأرض، لكنّه سيترك ندوباً طويلة الأمد في ذاكرة الأوكرانيين بحيث يعزّز ذلك من الكراهية المتزايدة للنظام الروسي داخل أوكرانيا.
ليس بالضرورة أن يكون السبب واحداً، فقد يكون خليطاً من كل ما ذُكر مضافاً إليه الثقة الزائدة بالنفس، والتقليل من شأن الخصم وقدراته. علاوةً على ذلك، لم يسبق للجيش الروسي أن دخل في حرب من هذا النوع منذ أيام الإتحاد السوفييتي. أوكرانيا هي أكبر دولة أوروبية مساحةً بعد روسيا، وعدد سكانها حوالي 45 مليون نسمة، ولديها خبرة بطريقة القتال السوفييتية. مواجهة هذه الحقائق انعكس ضعفاً في التنسيق بين الوحدات الروسية الغازية، وغياباً للروح القتالية، وانخفاضاً في الروح المعنوية.
ربما تراهن روسيا على التفوق العددي إن طال أمد الحرب للتغلب على المعضلات التي تواجهها القوات المسلحة الروسية. إعادة تعريف الأهداف والسماح للمفاوضات بأن تأخذ مجراها يؤمّن الواقعية السياسية لموسكو وربما يؤمن لها كذلك الوقت الكافي لإعادة حشد وتنظيم قواتها وتأمين الدعم اللوجستي اللازم لتحقيق الأهداف الجديدة الأقل طموحاً والأكثر قدرة على الإنجاز. لكنّ الطرف الآخر سيراهن في هذه الحالة على استراتيجية رفع التكاليف، وسيتحضّر لخوض حرب طويلة الأمد تعمل على استنزاف روسيا داخل أوكرانيا بحيث تصبح التكاليف في مرحلة ما أعلى بكثير من المكاسب التي من الممكن أن تحصل عليها روسيا في حال بقائها داخل أوكرانيا.
لا تزال روسيا تمتلك قدرة تدميرية هائلة من ترسانتها من الأسلحة والصواريخ المدمرة، لكن الاعتماد عليها في سياسة الأرض المحروقة قد يؤمّن لها بعض المكاسب التكتيكية على الأرض، لكنّه سيترك ندوباً طويلة الأمد في ذاكرة الأوكرانيين بحيث يعزّز ذلك من الكراهية المتزايدة للنظام الروسي داخل أوكرانيا ويقوّي معسكر المطالبة بالاستقلال التام عن أي نفوذ روسي مستقبلاً. بعض المراهنين على بوتين لا يزالون يعتقدون أنّه قادر على كسب الحرب بالاعتماد على القوّة المفرطة، لكن إذا حصل ذلك بالفعل، فستكون روسيا قد خسرت أوكرانيا إلى الأبد.