هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صعد الروبل الروسي بشكل مفاجئ مقابل الدولار الأمريكي متجاهلا الحزمة الجديدة من العقوبات الغربية ضد موسكو من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وسط تساؤلات عن سر هذا الصعود وتداعيات ذلك.
وسجل الروبل الروسي خلال تعاملات الخميس بموسكو أقوى مستوى له قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، بعدما ارتفع إلى 77.85 روبلا مقابل الدولار الواحد، مقابل أدنى مستوى قياسي سجله في 7 آذار/مارس الماضي عند 177.26 روبلا، بنسبة ارتفاع بلغت نحو 128 بالمئة.
وجاء تعافي الروبل الروسي إلى مستويات ما قبل الحرب بعد سلسلة قرارات اتخذتها الحكومة الروسية لإنقاذ العملة المحلية من الانهيار، أبرزها إعلان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بأن على الدول غير الصديقة لموسكو وأبرزها الاتحاد الأوروبي، الدفع بالروبل مقابل شراء الغاز الطبيعي.
ولدعم الروبل كذلك، فرض البنك المركزي الروسي حظرا على بيع الأجانب للأصول الروسية، فضلا عن مبيعات العملات الصعبة المفروضة من قبل المصدرين. كما قالت موسكو أيضا إنها ستبيع جميع سلعها بالروبل في المستقبل.
وكذلك أعلن بنك روسيا في 25 آذار/ مارس، ربط تداول الذهب بالروبل، وقال إنه سيستأنف شراء الذهب بسعر ثابت قدره 5 آلاف روبل للغرام الواحد (ما يعادل 52 دولارا في ذلك التاريخ)، خلال الفترة بين 28 آذار/مارس و30 حزيران/يونيو.
قرارات مفاجئة
وبعد الانتعاش الكبير للروبل، أعلن البنك المركزي الروسي، الجمعة، أنه سيسمح مجددا اعتبارا من 18 نيسان/أبريل ببيع العملات الأجنبية.
وقال البنك المركزي في بيان؛ إن المصارف الروسية "يمكنها استئناف بيع العملات الأجنبية نقدا للمواطنين اعتبارا من 18 نيسان/أبريل 2022"، موضحا أنه لا يمكنه بيع سوى العملات الأجنبية التي تتلقاها البنوك، اعتبارا من 9 نيسان/أبريل، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
يأتي هذا الإعلان المفاجئ بعد قرار البنك المركزي في 9 آذار/مارس تعليق بيع العملات الأجنبية في روسيا حتى 9 أيلول/سبتمبر 2022. ومع ذلك، أتيح للروس استبدال العملات الأجنبية بالروبل خلال هذه الفترة.
كما قرر حينها تقييد السحب النقدي من حسابات العملات الأجنبية المفتوحة في البنوك الروسية مطلع آذار/مارس في حدود 10 آلاف دولار أمريكي حتى 9 أيلول/سبتمبر، ولا يمكن سحب الباقي إلا بالروبل وفق سعر الصرف المعمول به.
خُفّف هذا الإجراء أيضا الجمعة، إذ أعلن البنك المركزي أن إجراء السحب لم يعد متاحا بالدولار الأمريكي فقط، ولكن أيضا باليورو.
وأعلنت القيود الصارمة على التعاملات بالعملات الأجنبية في روسيا، مع تراجع قيمة الروبل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل العملات الغربية.
لكن في الأسابيع الأخيرة، عاود الروبل الارتفاع بثبات ووصل الجمعة إلى 71 روبلا للدولار، وهو رقم قياسي منذ خريف 2021، و77 روبلا لليورو في أعلى مستوى منذ حزيران/يونيو 2020.
كما أعلن البنك المركزي الروسي، الجمعة، خفض سعر الفائدة الرئيسي، اعتبارا من 11 نيسان/أبريل 2022، بواقع 300 نقطة أساس إلى 17 بالمئة سنويا.
ورجح البنك المركزي إجراء تخفيضات أخرى في سعر الفائدة في المستقبل، مشيرا إلى أن الظروف الخارجية للاقتصاد الروسي لا تزال صعبة، بحسب "روسيا اليوم".
وقال: "لا تزال الظروف الخارجية للاقتصاد الروسي صعبة وتحد بشكل كبير من النشاط الاقتصادي. المخاطر المالية لا تزال (تهدد) الاستقرار القائم، لكن الآن المخاطر لم تعد تزداد".
وكان المركزي الروسي في 28 شباط/فبراير الماضي، قد رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى مستوى تاريخي، بلغ 20 بالمئة لدعم العملة الروسية التي هبطت أمام نظيرتها الأمريكية بما يقرب من 50 بالمئة، في ظل العقوبات الغربية ضد موسكو.
"القوة النارية"
وقالت مجلة "بولوتيكو" الأمريكية في تقرير ترجمته "عربي21"؛ إن أقوى سلاح لموسكو، نجح في مواجهة الحرب الاقتصادية الغربية. ومنعت رئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، انهيار النظام المالي الروسي وهندست انتعاشا دراماتيكيا للروبل إلى مستويات ما قبل الغزو.
لكن المجلة الأمريكية رجحت أن تنفد قوة نابيولينا التي وصفتها بـ"النارية"، مستطردة: "قد توفر تكتيكات نابيولينا دفاعا قويا على المدى القصير، لكنها مكلفة للغاية، لدرجة أنها ستنتهي بنهب الاقتصاد من الداخل"، بحسب التقرير.
ونقلت المجلة الأمريكية، عن رئيس البنك المركزي في لاتفيا، مارتيش كازاك، قوله؛ إن العقوبات الغربية بدأت بالفعل في التأثير على الاقتصاد الحقيقي لروسيا. لافتا إلى أن انتعاش الروبل يأتي على شكل حرف (L)، وهذا نشاط - في رأيه- يتميز بهبوط حاد، يليه فترة طويلة من عدم النمو.
كما نقلت المجلة عن خبراء قولهم؛ إن التأكيد الشائع أن قوة الروبل تُظهر فشل العقوبات الغربية، هو تأكيد خاطئ، معتبرين أن ما حدث هو سعر صرف وهمي للروبل مقابل العملات الأجنبية.
ورجح الخبراء أن تترك سياسات نابيولينا آثارا أخرى على الاقتصاد الروسي بمرور الوقت، وأن تأتي انتعاشة الروبل بنتائج اقتصادية عكسية.
وأرجع إيكا كورهونين، الخبير في شؤون روسيا في بنك فنلندا، انتعاش الروبل إلى الضوابط التي فرضتها موسكو على رأس المال، وليس لأسباب اقتصادية يمكن أن تحافظ على هذا الانتعاش لفترة طويلة.
وقال كورهونين: "ستصبح أسعار الفائدة المرتفعة بشكل حاد مشكلة للقطاع المصرفي في روسيا حيث ستتقلص الهوامش بشدة. أتوقع أن أرى بوادر أولى على ذلك عندما تنشر البنوك نتائج الربع الثاني".
ولفتت المجلة إلى أن البيانات الجديدة الصادرة عن معهد التمويل الدولي، تكشف انعدام السيولة في سوق الروبل الدولي، مما يشير إلى أن روسيا فقط هي التي تتداول بعملتها الخاصة.
"اتجاهات الروبل"
ومن جانبه، اعتبر المحلل المالي وليد أبو هلال، أن انتعاش الروبل الروسي يمثل ارتدادا تصحيحيا للهبوط الكبير الذي شهده خلال الشهر الماضي.
وأرجع أبو هلال في تصريحات لـ"عربي21"، انتعاش الروبل إلى مجموعة من العوامل الأساسية أبرزها إجبار الشركات الروسية المُصدّرة بتحويل 80 بالمئة من أثمان صادراتها إلى الروبل الروسي، وحظر الحكومة الروسية الشراء باستخدام اليورو والدولار لتخفيض الطلب على هذه العملات.
وأضاف: "كما فرضت الحكومة الروسية أيضا عمولة 12 بالمئة على شراء العملات الأجنبية عبر الإنترنت، وقامت بتحديد الحد الأقصى لسحب الودائع بالعملات الأجنبية عند 10,000 دولار للفرد الواحد". بالإضافة عوامل أخرى منها بيع الغاز والمنتجات النفطية بالروبل الروسي.
وأكد أبو هلال أن هذه الإجراءات لا تمثل دلالة اقتصادية على تحسن العملة الروسية، مؤكدا أنها إجراءات تعيد إلى الأذهان الحقبة السوفييتية، وسيطرة الحكومات الاشتراكية على أسعار الصرف، والقوانين المشددة بهذا الشأن.
وقدم المحلل المالي رسما بيانيا يظهر فيه أن الروبل اخترق قليلا المتوسط المتحرك 200 يوم، مؤكدا أن استمرار تعافي الروبل يتطلب تأكيد هذا الاختراق، وبقاء السعر وإقفاله لعدة أيام تحت المتوسط المتحرك 200 يوم، علما بأنّ تجاوز الدعم 74.25 سيغري الروبل بالذهاب إلى دعم 69، وفي حال تخطيه 69 (وهذا مستبعد)، فإنّ الطريق تكون ممهدة إلى 68 ومن بعدها 61 روبلا للدولار.
وأضاف: "بالمقابل إذا لم يتمكن الروبل من الحفاظ على مكاسبه واخترق 84، سيتجه إلى 87 روبلا، وإذا تجاوز 87، من الممكن أن يطرق أبواب المئة روبل مقابل كل دولار أمريكي.
وأكد أبو هلال أن "الإقفال اليومي والأسبوعي بعد قليل، سيكون له تأثير كبير، الذي يبدو قليلا ضد رغبة الروبل الروسي".