هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي تقريرا سلّط فيه الضوء على معاناة الصحفيين الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي بين اعتقالات واستجوابات وتُهم ملفقة.
وقال الموقع في تقريره - الذي ترجمته "عربي21" - إنه مع تصاعد العنف في فلسطين المحتلة خلال ربيع عام 2021، عمل حازم ناصر كصحفي في شبكة التلفزيون الفلسطينية "فلسطين الغد"؛ حيث التقطت كاميرته التوترات المتصاعدة وسط المسيرات القومية اليهودية والتظاهرات الفلسطينية ووحشية الشرطة الإسرائيلية في القدس المحتلة.
وأوضح الموقع أنه في 10 مايو/ آيار الماضي؛ كان ناصر يصوّر اشتباكا بين متظاهرين فلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي في شمال الضفة المحتلة، وهو يوم بقي في ذاكرته بسبب ما حدث له بعد ذلك؛ حيث كان ناصر في طريقه إلى منزله عندما أوقفه جنود إسرائيليون عند حاجز حوارة واقتادوه للاستجواب، وبقي في الحجز لأكثر من شهر بينما استجوبه جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، مرارا وتكرارا.
وبحسب الموقع، قال ناصر: "كانت كل الأسئلة حول عملي الصحفي، ووضعوا أمامي صورا من تقارير الفيديو الخاصة بي، وأخبرني المحقق أنني لا أستطيع تصوير هذه الأشياء لأنها تمثّل تحريضا. أخبرته أنني صحفي ووظيفتي هي عرض صور لما يحدث، وأن المنافذ الإسرائيلية تفعل الشيء نفسه، فصرخ في وجهي وأمرني بالتوقف".
وبين الموقع أنه في أواسط حزيران/يونيو مثل ناصر أمام المحكمة التي وجهت إليه تهمة التحريض، وبدلًا من التركيز على عمله الصحفي، كما حدث في الاستجوابات، قالت وثيقة الاتهام إنه أشاد باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي الذي حدث عام 2001، ووصف المسلح الفلسطيني المتهم بقتل إسرائيليين بأنه "بطل"، من بين مزاعم أخرى، فيما يعتقد ناصر أن الغرض من الاستجوابات والتهم واحد: وهو ردعه عن توثيق انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين، مثل العديد من الصحفيين الفلسطينيين.
وأضاف الموقع أنه منذ بداية عام 2020، سجنت سلطات الاحتلال ما لا يقل عن 26 صحفيا فلسطينيا في الضفة الغربية، ووضعتهم رهن الاعتقال الإداري، وهي طريقة شائعة يستخدمها الاحتلال لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات لمدة تتراوح بين ستة أسابيع وسنة ونصف، فيما وجهت الاتهامات إلى تسعة من هؤلاء الصحفيين، عادة بتهمة التحريض، والذين أمضوا في المتوسط حوالي ثمانية أشهر رهن الاعتقال.
ووفقًا لرئيس لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين، صالح المصري، فإنه اعتبارا من آذار/مارس 2022، كان هناك 10 صحفيين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية بتهم تتعلق بنشر مواد على الإنترنت اعتُبرت على أنها "تحريض".
وذكر الموقع أنه في مقابلات مع وسائل الإعلام؛ صرح سبعة من الصحفيين أنه أثناء استجوابهم، أظهر عناصر شرطة الاحتلال لهم مقاطع فيديو إخبارية التقطوها، والتي كانت في الغالب توثّق مواجهات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، أو مواكب سياسية، أو جنازات، وأخبروهم بأن الصور تشكل "تحريضا" وأمروهم بالتوقف عن توثيق الأحداث، وفي بعض الحالات؛ وُجهت إلى الصحفيين لاحقًا لوائح اتهام لا علاقة لها بعملهم المهني، وفي حالات أخرى، لم يتم تقديم لائحة اتهام على الإطلاق ليسجن الصحفي دون محاكمة ثمّ يطلق سراحه في النهاية.
ونقل الموقع عن شيرين الخطيب، منسقة قسم المراقبة والتوثيق في المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية، الذي يعرف باسم "مدى" ويروج لحرية التعبير والإعلام في الأراضي المحتلة ويدافع عنها، قولها: "عادة ما تحصل الاعتقالات أثناء وجود الصحفيين في ساحة العمل، وغالبًا ما يُتهم الصحفي بسبب حضوره حدثا سياسيا كمصور أو مراسل، لكن [السلطات الإسرائيلية] لا تميز بين صحفي يعمل في الميدان كجزء من عمله ومشارك نشط".
وأضافت الخطيب، التي أجرت مقابلات مع عشرات الصحفيين الفلسطينيين الذين استجوبهم الشاباك، أن هذه المعاملة تجعل الصحفيين الفلسطينيين يعيشون في حالة دائمة من الخوف، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الرقابة الذاتية.
وأشار الموقع إلى أنه إلى جانب ناصر، قدّم صحفيون فلسطينيون آخرون مواجهات مسجلة تتوافق مع تجربته، من بينهم سامح الطيطي من مخيم العروب للاجئين في الضفة الغربية، الذي يغطي الأحداث في منطقته لصالح قناة الميادين، والذي اعتقلته قوات شرطة الاحتلال في كانون الأول/ديسمبر 2019؛ حيث قال الطيطي إن المحقق أوقف حسابه على فيسبوك وعرض له صورا من عمله.
وفي سياق مشابه؛ تم اعتقال طارق أبو زيد، وهو صحفي فيديو من مدينة جنين في الضفة الغربية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 واستجوبه الشاباك في مستوطنة بتاح تكفا؛ حيث يتذكر أبو زيد أن المحقق أخبره أنه اعتُقل لأن مقطعه المُصوّر يثير الاضطرابات في أوساط الشعب الفلسطيني، بحسب ما نقل الموقع، الذي تابع مع أبو زيد تصريحاته في مقابلة مع قناة الجزيرة بأن "التحقيق كان برمته يتعلق بالتغطية الصحفية؛ وكأن المشكلة هي الكاميرا نفسها، وليست الحقيقة التي توثقها"، وأمضى أبو زيد في السجن ما يقرب من 10 أشهر ثم عرضت عليه النيابة العسكرية في حزيران/يونيو 2021 صفقة إقرار بالذنب وغرامة قدرها 2500 دولار تقريبا، فوافق أبو زيد وأُطلِق سراحه في الشهر التالي.
وتابع الموقع قائلا إن الطيطي ـ وهو صحفي في قناة الميادين ـ اتُهم بثلاث تهم؛ بعضها يتعلق بعمله الصحفي والبعض الآخر لا علاقة له به؛ حيث أشارت لائحة الاتهام الموجهة إليه إلى "وجوده في تجمع غير قانوني" لحضوره عدة جنازات لشهداء فلسطينيين؛ حيث إنه في سنة 2019، غطى الطيطي جنازة العضو في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عمر البدوي، الذي استشهِد على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم يذكر الادعاء أن الطيطي كان يغطي الجنازة كصحفي، لا سيما أن الصحفيين الإسرائيليين والدوليين يُغطّون بانتظام مثل هذه الجنازات، وكان هو بين مئات الصحفيين في ذلك اليوم.
وبالإضافة إلى عمله في توثيق الجنازات، قالت لائحة اتهام الطيطي إنه في سنة 2016 شارك في أنشطة كليته في جامعة الخليل نظّمتها الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس، كما زعمت لائحة الاتهام أن منشورين على صفحة الطيطي على فيسبوك يشكلان تحريضًا؛ ففي سنة 2018، نشر الطيطي صورة لفلسطينيين استُشهِدوا على يد جيش الاحتلال، وكتب عليها: "احذروا الموت الطبيعي، ولا تموتوا إلا بين زخات الرصاص"، وهو ما زعمت لائحة الاتهام بأنه تحريض على الإرهاب، كما تم استجوابه على خلفية منشور له سنة 2017، ذكر فيه مشاركته في مسابقة أدبية نظمتها الكتلة الإسلامية، وفي سنة 2020، حُكِم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر مع غرامة قُدرت بـ 1500 دولار.
اقرأ أيضا: اعتقالات واقتحامات بالضفة ومواجهات بمخيم جنين (شاهد)
ويقول الموقع إن العديد من محن الصحفيين الفلسطينيين مع النيابة العسكرية الإسرائيلية تنتهي بصفقات إقرار بالذنب؛ فقد وافق ناصر، وهو صحفي قناة فلسطين الغد، على صفقة إقرار بالذنب في ختام محاكمته بعد أن حكم القاضي بأن منشورات ناصر على فيسبوك بالكاد تُلبّي "الحد الأدنى" من التحريض، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، فيما أوضح محاميه، مازن أبو عون، أن "ناصر اختار الإقرار بالذنب من أجل الإفراج عنه".
لكن في النهاية، لم يلتزم الاحتلال بالمدة التي حكم بها عليه في السجن؛ فعلى الرغم من أنه عقد صفقة إقرار بالذنب مع الاحتلال، إلا أنه علِم قبل أسبوع من تاريخ الإفراج عنه أن الشاباك أصدر أمر اعتقال إداري ضده من شأنه أن يُبقيه في السجن؛ حيث بقيَ ناصر في الحجز دون محاكمة ثانية - أو حتى توجيه تهم جديدة - لمدة خمسة أشهر أخرى.
ويختتم الموقع بالقول إنه منذ إطلاق سراحه في كانون الأول/ديسمبر 2021، بعد أن أمضى ثمانية أشهر في السجن، لم ينشر ناصر أي شيء على فيسبوك، وهو يخشى من أن المزيد من الادعاءات والتهم الملفقة قد تبقيه بعيدا عن عائلته مرة أخرى، وهو احتمال لا يستطيع قبوله.