هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، مساء الأربعاء، حل مجلس النواب، بعد نحو ثمانية أشهر من إعلانه الإجراءات الاستثنائية، في خطوة اعتبرها متابعون خطوة جديدة نحو مزيد تأزيم الواقع السياسي في البلاد.
وجاء هذا القرار ردا على عقد البرلمان جلسة عامة افتراضية، تم خلالها التصويت بأغلبية المشاركين على إنهاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها سعيّد منذ 25 تموز/ يوليو الماضي.
وتستعرض "عربي21" سلسلة الخطوات التي بدأها سعيد، منذ مساء 25 تموز/ يوليو 2021، حيث أعلن تجميد اختصاصات البرلمان لمدة شهر، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل رئيس الوزراء هشام المشيشي وفريقه الحكومي، وإقالة مسؤولين آخرين.
وفي 24 آب/ أغسطس 2021، أعلن رئيس البلاد تمديد تجميد أعمال مجلس النواب حتى إشعار آخر، ما أثار لاحقا قلقا غربيا، حيث عبّر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لسعيّد عن "مخاوف"، داعيا إلى استئناف عمل البرلمان والحفاظ على مكتسبات الديمقراطية.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، أصدر سعيّد الأمر الرئاسي عدد 117، والقاضي بإلغاء العمل بأغلب فصول الدستور، ومواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وإلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين نهائيا، على أن "يتواصل العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه، وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع أحكام هذا الأمر الرئاسي".
ومن خلال الأمر 117، أعطى سعيّد لنفسه حق إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، شملت تنظيم العدالة والقضاء، والإعلام والصحافة والنشر، والأحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها، وتنظيم الجيش وقوات الأمن الداخلي والجمارك، فضلا عن القانون الانتخابي والحريات وحقوق الإنسان، والأحوال الشخصية، والأساليب العامة لتطبيق الدستور.
ولاحقا، كلّف قيس سعيّد الأستاذة الجامعية والمتخصصة في الجيولوجيا نجلاء بودن بتشكيل حكومة "في أسرع وقت"، قبل أن تؤدي رفقة وزرائها اليمين الدستورية يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أمام رئيس الجمهورية، دون أن يقع تمريرها على البرلمان المجمد.
خارطة طريق
وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر 2021، دعا سفراء الدول الأعضاء في مجموعة السبع المعتمدون لدى تونس، عبر بيان مشترك، إلى عودة "سريعة" لعمل المؤسسات الديمقراطية بالبلاد.
وبعد ثلاثة أيام، كشف سعيّد عن خارطة طريق تضمنت تنظيم استشارة وطنية إلكترونية من بداية شهر كانون الثاني/ يناير 2022، على أن تستمر إلى حدود 20 آذار/ مارس، فيما سيتم تجميع المقترحات، التي تخص دستور البلاد ونظامها السياسي، وعرضها على الاستفتاء في 25 تموز/ يوليو المقبل، لتنظيم انتخابات تشريعية جديدة في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022.
وفي 5 شباط/ فبراير 2022، أعلن سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء، بعد أن اتهم أعضاء فيه بالفساد والولاء لوزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، الذي وُضع تحت الإقامة الجبرية نهاية عام 2021 وأطلق سراحه في 7 آذار/ مارس الجاري.
وأرفق رئيس البلاد قراره بمرسوم آخر في 13 من الشهر ذاته، يقضي باستحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء"، مانحا نفسه صلاحية تعيين وعزل وترقية ومعاقبة القضاة، ما أثار احتجاجات ورفضا من هيئات قضائية وقوى سياسية محلية ودولية.
وفي 28 آذار/ مارس الجاري، اجتمع مكتب مجلس النواب بإشراف رئيسه راشد الغنوشي، حيث تقرر الدعوة لجلسة عامة التي صوتت، في 30 من الشهر نفسه، على إلغاء كل إجراءات سعيّد الاستثنائية، بعد نحو ثمانية أشهر من بدئها.
ورد سعيّد عبر كلمة متلفزة قال فيها: "بناء على الفصل 72 من الدستور، أعلن اليوم في هذه اللحظة التاريخية عن حل المجلس النيابي، حفاظا على الشعب ومؤسسات الدولة".
"استمرار الأزمة"
وعن مستقبل الواقع السياسي في تونس، اعتبر الكاتب والباحث السياسي منذر ثابت أن الأزمة ستطول وفق التوجه العام للرئيس قيس سعيّد.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد ثابت: "من خلال الفلسفة التي قادت 25 تموز/ يوليو، اتضح أن الأمر لا يتعلق بحل البرلمان واستبداله بتشكيلة بديلة، بل يتعلق الأمر بتغيير النظام السياسي من خلال الذهاب إلى استفتاء من أجل تغيير النظام السياسي وفق ما اعتبره سعيّد الاحتكام إلى صاحب السيادة، وهو الشعب".
وتابع المحلل السياسي: "بناءً على هذا التوجه، يمكن القول بأن حل البرلمان دون تحديد موعد لانتخابات تشريعية لاستبدال التشكيلة السابقة المنبثقة عن انتخابات 2019 هو في حد ذاته إثبات وتأكيد على أن الأزمة ستتواصل".
وأضاف: "هي أزمة من حيث أن سعيّد اختار سبيل مجاوزة التوافق، الذي يُعتبر قاعدة ضرورية لإدارة المرحلة الانتقالية وإنجاح استحقاقات الانتقال الديمقراطي".
وقال ثابت: "بناءً على المعطيات آنفة الذكر، يمكن القول بأن الأزمة ستطول، وأن الصراع أيضا بين الرئيس قيس سعيّد والأحزاب السياسية، وفي مقدمتها حركة النهضة، سيتواصل، وقد يتخذ أشكالا جديدة على مستوى المواجهة، إذا ما أضفنا المعطى الخارجي وحاجة تونس للإمداد المالي من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوروبي".
وختم الباحث: "يمكن القول بأننا أصبحنا أمام طور جديد من تأزم الأوضاع السياسية في تونس".
"قرار متعجل"
بدوره، اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن "قرار الرئيس سعيّد حل البرلمان جاء متعجلا، وهو رد فعل على الجلسة العامة التي عقدها البرلمان".
وقال لـ"عربي21": "قرار سعيّد سيزيد الأزمة السياسية حدّة بدل أن يحلها، خاصة أن هذا القرار ليس معللا دستوريا باعتبار أن الرئيس استند إلى الفصل 72 من الدستور، الذي لا علاقة له بصلاحية رئيس الجمهورية بحل البرلمان".
وتابع المحلل السياسي: "من جهة ثانية، هذا القرار لم يكن متبوعا بالإشارة إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها".
اقرأ أيضا: رفض واسع لحل برلمان تونس وتحذيرات من "ورطة" سعيّد
وأشار: "لذلك، يجد رئيس الجمهورية الآن نفسه مفتقرا إليه من الناحية القانونية، وكذلك السياسية".
حل البرلمان
جدير بالذكر أن الفصل 72 من الدستور التونسي، الذي اعتمده سعيّد لحل البرلمان، ينص على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور".
في المقابل، يتيح الفصل 77 لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور، فيما "لا يجوز حل المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية".
ويشير الفصل 88 إلى أن "لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما"، إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول لرئيس الوزراء، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة.