هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار إعلان مكونات عرقية ودينية في اليمن تأسيس كيان جديد، تحت اسم "المجلس الوطني للأقليات"، تساؤلات عدة حول دوافع هذا التحرك.
والاثنين الماضي، أشهر ممثلو أقليات يمنية، في مؤتمر عبر منصة "زوم"، المجلس الوطني للأقليات، تحت شعار "العمل على تأكيد حقوق الأقليات دستوريا وقانونيا، ودوره في صناعة السلام وترسيخ دولة المواطنة المتساوية".
وتشكلت قيادة المجلس من نعمان الحذيفي، ممثل فئة المهمشين ذوي البشرة السوداء، رئيسا للمجلس، ويحيى يوسف موسى، نائبا لرئيس المجلس، عن الأقلية اليهودية، بينما اختير وليد عياش، ممثل الطائفة البهائية، أمينا عاما للمجلس، بالإضافة إلى 10 أعضاء آخرين.
وبعد أيام من إشهار المجلس، دعت الحكومة اليمنية المعترف بها جميع المنظمات الدولية والمحلية إلى عدم التعامل مع المجلس الوطني للأقليات في اليمن، باعتباره كيانا غير شرعي ولا قانوني، ويتنافى مع القوانين التي تشترط التسجيل لمنح الشخصية الاعتبارية لأي مؤسسة أو جمعية أو ما في حكمهما.
ونقلت وكالة "سبأ" الحكومية عن بيان صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، قولها إن المجلس الوطني للأقليات كيان غير شرعي ولا قانوني، ويتنافى مع قوانين تشترط التسجيل لمنح الشخصية الاعتبارية لأي مؤسسة أو جمعية أو ما في حكمهما.
وأضافت أن الوزارة هي المخولة بنشر ملخص قيد النظام الأساسي لأي جمعية أو مؤسسة أو اتحاد في صحيفة حكومية استكملت شروط التسجيل والإشهار، وفقا للمادة الـ12 من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات.
وأضافت أنها رفضت السماح بإنشاء أي كيانات أهلية على أساس عرقي أو عنصري أو ديني أو حزبي، لمخالفتها أحكام ونصوص الدستور، الذي يمنع إنشاء كيانات على أساس الدين أو اللون واللغة، مشيرة إلى أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات.
وحذرت كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية المحلية من التعامل مع هذا الكيان أو كيانات غير قانونية لم تستكمل الإجراءات القانونية لشروط التسجيل، مؤكدة أنها ستتخذ الإجراءات القانونية تجاه أي كيانات غير قانونية أو مخالفة.
"أقليات أكثر ضعفا"
وفي هذا السياق، يقول نعمان الحذيفي، رئيس المجلس الوطني للأقليات، إن أهمية إشهار المجلس تأتي كونه يضم في عضويته خمس أقليات هي الأكثر ضعفا في المجتمع اليمني تعاني الحرمان من أبسط حقوق ومزايا المواطنة المتساوية.
وأَضاف الحذيفي في حديث خاص لـ"عربي21": "نسعى من خلال هذا المجلس أن نقول لكافة القوى السياسية والدينية إننا قادرون على أن نتعايش فيما بيننا.. فالدين لله والوطن للجميع".
وأشار رئيس مجلس الأقليات، المشكل حديثا، إلى أنه ليس لديهم أي دوافع سياسية وراء إشهار المجلس، وإنما "نحن كغيرنا من اليمنيين، نريد أن نعيش مواطنة متساوية، وهو ما كفله لنا دستور وقوانين وتشريعات بلادنا، إضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإعلان العالمي للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري".
وتابع: "وبما أننا نعاني إقصاء وتهميشا واستغلالا من كافة المنظمات والقوى السياسية، لذا كان إشهار المجلس الوطني للأقليات أحد خياراتنا في التعبير عن حقوقنا والتعبير عن قضايانا وهمومنا وتطلعاتنا في العيش الكريم والمشاركة في الحياة المدنية والسياسية، بمساواة تامة مع بقية مكونات النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني".
وقال الحذيفي: لا شك، أن أهم قيمة سيضيفها المجلس للأقليات المنضوية فيه هي "الإسهام في تعزيز قيم التعايش والتسامح بين مكوناته مع بقية فئات ومكونات المجتمع اليمني".
وحول موقف الحكومة من عدم شرعية المجلس، أكد رئيسه أن لديهم توجيهات من وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة المعترف بها، للإدارة المختصة لاستكمال إجراءات تأسيس المجلس.
وقال: لكنه على مدى 4 أشهر من متابعة الموافقة على استكمال إجراءات استخراج تصريح المجلس، لم نتلق ردا من الإدارة المختصة بهذا الشأن، وهو ما حدا بنا إلى إشهار مجلسنا الوطني، بعد انتظار تلك المدة، طبقا للقانون والدستور ومواثيق الأمم المتحدة المصادق عليها من قبل الجمهورية اليمنية.
اقرأ أيضا: تقرير: الأمم المتحدة تلقت 18 مليارا لمساعدة اليمن
"تطلعات وضمير"
من جانبه، رأى وليد عياش، ممثل الطائفة البهائية، في المجلس وأمينه العام، أن أهمية إشهاره تكمن في كونه سيعبر عن ضمير وتطلعات واحتياجات وحقوق ما يقارب من 15 إلى 20 بالمئة من أبناء الشعب اليمني من ذوي البشرة السمراء (المهمشين) والمولدين اليمنيين الموجودين داخل وخارج اليمن، الذين يفتقرون لأبسط الحقوق والمواطنة المتساوية.
وقال عياش، في حديثه لـ"عربي21"، إنه سيكون معبرا أيضا عن تطلعات وحقوق ثلاثة مكونات يمنية أصيلة، وهي "اليهود والمسيحيون والبهائيون"، والممثلة في المجلس المعلن عنه قبل أسبوع.
وأضاف ممثل البهائيين أن المجلس الوطني للأقليات يتبنى مطالب وحقوق هذه الأقليات المنتقصة على أرض الواقع، وسيعمل على تأكيدها دستوريا وقانونيا، بما يمنحهم الحق في المواطنة والعيش الكريم.
وبحسب أمين عام المجلس، فإن "جماعة الحوثي مارست القمع والتنكيل والسجن ضدنا، فضلا عن قيامها بما يشبه "إبادة صامتة" للأقليات الدينية في البلاد".
وأكد المتحدث ذاته أن أهمية هذا الكيان بالنسبة للمكونات المنضوية فيه "وجودية" ترتبط بحقها في الوجود والعيش، مشيرا إلى أنه سيكون رافعة للمطالبة بحقوقها باعتباره مجلسا حقوقيا بحتا، بينما هناك تطلعات سياسية لبعض المكونات، لكن البهائيين ليس لديهم أي تطلعات سياسية، وإنما يطالبون بحقهم في المواطنة.
وأردف قائلا: ولا شك أن المجلس الوطني للأقليات سيكون معبرا عن تطلعات بعض المكونات سياسيا، بما يسهم في أن يكون لها حق في تشكيل أحزاب سياسية، ودور في الحقل السياسي بالبلاد.
ولفت عياش، الذي اختير أمينا عاما للمجلس، إلى أنه خلال فترة الحرب الدائرة في اليمن، تعرضت الأقليات إلى انتهاكات لحقوقها بشكل كبير، باعتبارها الحلقة الأضعف، ولذلك، كان لا بد من هذا الكيان، كي يمكنها من تأكيد حقوقها دستوريا وقانونيا.
وأوضح أن المجلس سيتحرك في إطار حقوقي، للتعريف بمظلوميات الأقليات والحقوق المنتقصة لها، إضافة إلى العمل بشكل مباشر في عملية التوعية المجتمعية لتأكيد وترسيخ قيم التعايش والقبول بالآخر على المستوى المجتمعي اليمن.
ووفقا لعياش، فإن الأقليات الدينية في اليمن تتعرض لانتهاكات واضطهاد كبير، كون حقها في ممارسة شعائرها التعبدية وحقها في إعلان إيمانها الذي كفلته القوانين والمواثيق الدولية غير مكفول دستوريا في اليمن.
وأكمل: ونتيجة للتعصب الموجود وعدم وجود دولة تكفل لهم هذه الحقوق والحريات، سيضفى هذا المجلس الشيء الكثير، وسيسعى لتحقيق مطالب الأقليات، الذي سيشكل انتصارا كبيرا لليمنيين كلهم.
وحول الوجود المسيحي في اليمن، أكد أمين مجلس الأقليات أن المسيحيين موجودون في البلد، وهناك ممثل لهم في المجلس، وهو القس مشير عبدالسلام خليدي.
وقال: صحيح، ليس هناك أي إحصائية بعدد معتنقي الديانة المسيحية في اليمن، إلا أنهم بالآلاف، كما الحال بالنسبة للبهائيين.
وأفاد وليد عياش بأن هناك تنوعا دينيا في المجتمع اليمني، مبينا أن ما تروج له الجماعات المتعصبة بأن الشعب اليمني مسلم مئة بالمئة مجرد كلام عام، لا أساس له من الصحة على الواقع.
ودعا إلى إتاحة المجال للأقليات، ومنحها الحرية في ممارسة حقوقها، ومن هنا، سيعرفون طبيعة المجتمع اليمني وحقيقة التنوع فيه.
"لن يشكل فرقا"
من جهته، قال الصحفي والكاتب اليمني كمال السلامي إن المجلس الوطني للأقليات بقدر ما هو مهم لحفظ وحماية حقوق الأقليات، إلا أنه لن يشكل فرقا في ظل هذه الظروف.
وتابع حديثه لـ"عربي21": "باعتقادي أنه سيواجه صعوبات جمة، في ظل طغيان جماعة الحوثي ومصادرتها حقوق الأكثرية، فضلا عن بقية الفئات".
وفي السنوات الماضية، أخرج اعتقال جماعة "أنصارالله" (الحوثيين) عشرات البهائيين ملف الطائفة البهائية إلى العلن، بعدما كان نشاطها طيلة السنوات الماضية يتسم بالسرية في اليمن.
ففي العاشر من آب/ أغسطس 2016، داهمت قوة من جهاز الأمن القومي، الخاضع لسيطرة الحوثيين، ملتقى شبابيا في العاصمة صنعاء، واعتقلت 67 شخصا، بينهم نساء وفتيات وأطفال، معظمهم من البهائيين، بحسب بيان صادر عن الطائفة.
ويعزو باحثون محليون اعتناق شباب يمنيين للديانة المسيحية إلى أسباب كثيرة، من بينها انتشار الفقر والبطالة والحروب.
وتشير تقارير محلية إلى نجاح منظمات وجهات تبشيرية في تنصير عشرات اليمنيين خلال السنوات الماضية، عبر عروض السفر لتعلم المسيحية في بعض الدول الأوروبية.
"مكون سياسي وحقوقي"
بموازاة ذلك، قال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، إن مجلس الأقليات الوطني مكون حقوقي وسياسي جديد، أفرزه الواقع السياسي والعسكري في اليمن.
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أن البهائيين واليهود تعرضوا لاضطهاد على أساس ديني من قبل جماعة الحوثي، حيث صادرت أموال الطائفة البهائية بعد التضييق والاعتقال التعسفي لأفرادها، فيما أجبر اليهود على التهجير إلى إسرائيل.
وبحسب رئيس منظمة سام، ومقرها جنيف، فإن ذوي البشرة السوداء تعرضوا أيضا للتمييز والاضطهاد على أساس العرق واللون، فكان هذا المكون المشكل من الجميع قوة سياسية وحقوقية تعيد رسم كثير من المصطلحات والوعي المجتمعي المتنوع.
ويعتقد الحقوقي الحميدي أن هذا المجلس سيساهم في رسم صورة جديدة متنوعة لليمن، سيكون لها آثار إيجابية في الحياة السياسية الثقافية والقانونية، وفق تعبيره.
وفي العام 2016، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير صادر عنها، أن عدد المسيحيين في اليمن يقدر بنحو 41 ألف مسيحي من اليمنيين الأصليين واللاجئين.
وقالت المنظمة إن كثيرا منهم فر عام 2015 من البلاد التي تعيش على وقع الحرب منذ أكثر من عام.
ونقلت المنظمة في بيان لها، على لسان مسيحي يمني لم يكشف اسمه، يدير مكتبة احتوت الأدب المسيحي في تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، أن الخطر المتصاعد على المسيحيين في بلد يتوسع فيه الإسلاميون المتشددون بازدياد.
وأشار التقرير إلى أن شحنة من كتب الديانة المسيحية وصلت في فبراير 2015 إلى اسم مستعار باسم (جون)، وفيها أناجيل، وغيرها من المؤلفات المسيحية، إلى مطار تعز وسط البلاد، لكن مسؤولي الجمارك صادروا الشحنات.
أما الأقلية اليهودية، فلم يعد لها وجود في اليمن، حيث غادرت آخر عائلة يهودية من البلاد، بعد تعرضها للتضييق والاضطهاد من قبل الحوثيين، حسبما ذكره وليد عياش، أمين عام مجلس الأقليات الوطني.