هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سلط
تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على المعضلة التي ستواجهها
مصر جراء أزمة القمح التي تتسبب بها الأزمة الأوكرانية.
وعلى
ضوء تلك الأزمة قررت مصر إجبار منتجي القمح المحليين على بيع جزء من إنتاجهم إلى الحكومة،
الأمر الذي شق قطاع منتجي القمح في البلاد، وذلك نظراً لأن القرار يعود بالكسب على
بعض المزارعين بينما يواجه آخرون بسببه خسائر في الوظائف.
وتقدمت
السلطات يوم الأربعاء بإجراءات على أمل أن تحفز المزارعين المصريين على بيع المزيد من
القمح: رفع الأسعار، وتحديد الحصص، وتهديد المزارعين بالسجن إذا لم يوفروا الحصص المطلوبة
منهم.
يقول
السياسيون إن هذه الإجراءات غير المسبوقة ضرورية إذا ما أرادت مصر توفير الخبز للناس.
في تصريح
لموقع "ميدل إيست آي"، يقول هشام الحصري، رئيس لجنة الزراعة والري في مجلس
النواب المصري: "القرار مهم جداً من أجل تأمين الغذاء لهؤلاء الناس. لا يمكننا
بدون مثل هذا القرار تجميع الاحتياطات الاستراتيجية المطلوبة من القمح. وأعتقد أن الحكومة
لها الحق في أن تتخذ تدابير استثنائية لحماية الأمن الوطني وأرزاق شعبها".
بينما
يعرب صغار المنتجين عن سعادتهم بتلك الإجراءات، إلا أن آخرين يخشون من أن القرار سيضر
بالقطاع الخاص ويقضي على أرزاق تجار القمح في البلاد.
كان
حسين أبو صدام، رئيس اتحاد الفلاحين، وهي رابطة غير رسمية للمزارعين المصريين، يأمل
بأن تشجع الحكومة منتجي القمح على بيع محاصيلهم من خلال تحرير ديناميكيات السوق.
وفي
تصريح لموقع "ميدل إيست آي"، قال حسين أبو صدام: "لا يمكنك أن تحدد
للمزارعين من الذي ينبغي عليهم بيع إنتاجهم له. ألم نعد في السوق الحرة، أم ماذا؟".
وأضاف
أبو صدام: "كان بإمكان الحكومة أن تنجز ذلك من خلال رفع الأسعار بحيث يصل إلى
مستوى الأسعار العالمية".
يقل
السعر الجديد بحوالي 400 جنيه (25 دولاراً) للطن الواحد عن السعر في الأسواق العالمية.
تعتبر
مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتحصل على ما يقرب من ثمانين بالمائة من احتياجاتها
من روسيا وأوكرانيا.
ونتيجة
لقيام روسيا بغزو جارتها –وما تبع ذلك من عقوبات وضربات للأسواق العالمية– فقد تقلص
حجم الواردات إلى النصف بينما تضاعفت أسعار الخبز غير المدعوم في مصر.
سوف
تتأثر مصر، مثلها مثل مستوردي القمح الآخرين في المنطقة التي تعاني من نقص الواردات
وارتفاع حاد في الأسعار، بتراجع معدلات استيراد المحاصيل.
تنفق
البلاد مليارات الجنيهات سنوياً لدفع تكلفة الدعم الكبير الذي يستفيد منه عشرات الملايين
من الناس الذين يعيشون على حصص الإعاشة في مصر.
وحتى
تفطم نفسها عن القمح الروسي والأوكراني تبحث الحكومة عن طرق تعزيز الإنتاج المحلي.
المكيال
والعصا
يمتد
موسم حصاد القمح في مصر من مطلع نيسان/ أبريل إلى نهاية حزيران/ يونيو.
تأمل
الحكومة في أن تكفي خطتها التي تعتمد على احتياطياتها وإنتاجها المحلي من القمح لتغطية
متطلبات الاستهلاك المحلي من القمح حتى 2023.
ثمة
حافزان من وراء السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
أما
الأول فهو أن الحكومة عرضت على منتجي القمح المحليين حوافز لتشجيعهم على بيع محصولهم
للحكومة بدلاً من بيعه للقطاع الخاص.
وأما
الثاني فهو أن وزارة التموين تطلب حالياً من المزارعين بيع كمية معينة من محصولهم لمشترين
يرتبطون بالحكومة.
ألزم
قرار السلطات الصادر في 16 آذار/ مارس المزارعين المحليين ببيع 12 أردباً (أو 5.5 ميكيال
قمح) عن كل فدان (والذي يكفي لإنتاج 37 ميكيالاً) إلى واحدة من ثلاث شركات مملوكة للحكومة.
ولتحفيز
المزارعين على البيع، رفعت الوزارة سعر كل أردب إلى 885 جنيها مصريا (57 دولاراً)، مما
رفع سعر طن القمح إلى 5900 جنيه (380 دولاراً).
وفي
اليوم السابق رفعت الحكومة سعر الأردب الواحد بمعدل 65 جنيهاً (4 دولارات) من 820،
بعد الرفع الذي حصل في تشرين الثاني/ نوفمبر.
اقرأ أيضا: مديرة صندوق النقد الدولي: إنني أخشى على مصر
سوف
تكون الأسمدة مجانية خلال موسم الصيف لكل من يبيع 90 بالمائة من قمحه للحكومة.
ولكن
من يخفقون في تزويد الصوامع التي تديرها الحكومة بالحصص المقررة لهم فقد يواجهون عقوبة
بالسجن ما بين ستة شهور وعامين وغرامة تتراوح ما بين مائة ألف جنيه (6450 دولاراً)
وخمسمائة ألف جنيه (32250 دولاراً).
يبدو
أن هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها القاهرة إلى مثل هذه الإجراءات الاستثنائية
لتأمين القمح المطلوب لإنتاج الخبز المدعوم.
وفيما
عدا حظر تصدير قائمة طويلة من المواد الغذائية، تفرض الحكومة أيضاً قيوداً مشددة على
سوق السلع لضمان ألا يقوم التجار برفع أسعار البضائع.
وجه
الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة نحو تعيين سعر الخبر غير المدعوم لمن ليسوا مسجلين
في نظام الحصص الغذائية.
المنتجون
منقسمون
بعض
المنتجين وخاصة الصغار منهم رحبوا بالأنظمة الجديدة.
يقول
هؤلاء إن المزارعين سوف يكونون على أهبة الاستعداد لبيع محاصيلهم للشركات التي حددتها
الحكومة.
في تصريح
لموقع "ميدل إيست آي"، قال عبد المنعم رمضان، وهو مزارع قمح من المنوفية
في دلتا النيل شمالي البلاد: "ولهذا السبب سوف يبيع المزارعون محاصيلهم للحكومة".
وقال
رمضان إن المزارعين ممن هم على شاكلته لن يعارضوا السعر الجديد الذي تحدده الحكومة.
ولكنه
يأمل في أن يحظى المزارعون بالدعم. وأضاف: "ينبغي على الحكومة أن تبيعنا معدات
إنتاج –بما في ذلك الوقود والأسمدة والمبيدات الحشرية– بأسعار معقولة. فأسعار معدات
الإنتاج باتت مرتفعة جداً".
وأما
عبد الكريم حسين، وهو مزارع قمح آخر من الشرقية التي في الجوار، فقال إن سعر القمح
الجديد سوف يشجع المزارعين على إنتاج المزيد.
وقال
حسين في تصريح لموقع "ميدل إيست آي": "ينبغي على المزارعين دعم الحكومة
وإنقاذ بلدهم من الانهيار".
وتابع حسين إن السياسة الجديدة تخدم المزارعين الصغار لأنها تضمن أنهم سيجدون من يشتري محصولهم.
عادة
ما تنأى الحكومة عن مثل هؤلاء المنتجين لصالح الكبار، وينتهي بهم الأمر بأن يقعوا ضحية
استغلال القطاع الخاص.
وأضاف حسين: "لطالما كان صغار المنتجين عادة يتركون منتظرين خارج صوامع الغلال التابعة
للحكومة إلى حين انتهاء المنتجين الكبار من وزن محاصيلهم وتسليمها. بل كان بعض صغار
المنتجين يعودون أدراجهم من أمام الصوامع بخفي حنين وحينها يصبحون فريسة للقطاع الخاص".
مضغ
الأرقام
إنتاج
الخبز قضية بالغة الأهمية بالنسبة لمصر، فالناس، وخاصة الفقراء من العائلات، يعتمدون
اعتماداً كبيراً عليه في غذائهم اليومي.
اثنان
وسبعون مليون مصري –من تعداد السكان الإجمالي البالغ 102 مليون نسمة– مسجلون في النظام
الوطني للحصص الغذائية المدعومة في البلاد.
وقد
يكون الرقم أعلى من ذلك لولا أن الحكومة توقفت قبل عدة سنوات عن قبول المزيد من الناس
الذين تقدموا للتسجيل حتى يستفيدوا من النظام.
يحصل
المسجلون ضمن النظام على الخبز من مخابز مملوكة للحكومة أو مفوضة من قبلها، ولا يتجاوز
سعر الخبز نسبة بسيطة من السعر العادي كجزء من نظام الدعم الغذائي الذي يكلف القاهرة
عشرات المليارات من الجنيهات سنوياً.
تنتج
المخابز ما يزيد عن 270 مليون رغيف خبز للناس المشمولين بنظام الدعم كل يوم.
في عام
2021 استوردت البلاد 18 مليون طن من القمح، ذهب 6 ملايين طن منها في إنتاج الخبز.
واشترت
الحكومة 3.5 ملايين طن من المزارعين المحليين في نفس تلك السنة.
وفي
هذا العام تريد السلطات أن ترفع العدد إلى 10 ملايين طن، اعتقاداً منها أنها بذلك سوف
توفر احتياجات الناس من الخبز المدعوم وتستغني بذلك عن الاستيراد.
اقرأ أيضا: مع استمرار حرب أوكرانيا.. إلى أين ستصل معاناة المصريين؟
لو اشترت
الحكومة كل أو معظم القمح المنتج محلياً فيمكن أن يسبب ذلك مشاكل خطيرة للقطاع الخاص
–الذي يتكون في العادة من منتجي المعكرونة والطحين وقطاع المعجنات– والذي يشترك في العادة
مع الحكومة في الاستفادة من المحصول المحلي ويستورد الطحين من بلدان أخرى.
وقد
يفضي ذلك إلى القضاء المبرم على المستقبل التجاري لآلاف تجار القمح في كل أنحاء مصر.
وظيفة
هؤلاء التجار العمل كوسيط بين المنتجين والحكومة وبين المنتجين والقطاع الخاص، وتتوقف
أرباحهم في العادة على ظروف السوق.
بعض
التجار اشتروا المحصول من المزارعين قبل وقت طويل من موعد حصاد هذا العام.
إلا
أن الإجراءات الجديدة ستعني أن تجار القمح سيصبحون بلا فائدة نظراً لأن المزارعين سيتعاملون
مباشرة مع المشتري، الذي هو الحكومة، كما صرح بذلك التجار في حديثهم لموقع "ميدل
إيست آي".
لم تتحدث
الحكومة عن أي خطط لتعويض التجار.
في تصريح
لموقع "ميدل إيست آي"، قال تاجر القمح فتحي غانم: "هذا يعني أن من في
مثل حالتي لن يكون لديه دور ليؤديه في هذه الدورة. ومع ذلك لا يمكنني الاعتراض على
القرار الجديد طالما أن الحكومة تعتقد بأن ذلك سيكون في خدمة الصالح العام".