هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جمّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تطبيق الضرائب المقررة لسنة 2022، بعد تسجيل تراجع كبير في القدرة الشرائية للمواطنين، لكن هذه القرارات لم تخل من الانتقادات بسبب ما اعتبرها البعض تجاوزا للمؤسسة التشريعية.
وجاءت قرارات الرئيس خلال انعقاد مجلس للوزراء ترتب عنه تجميد كل الضرائب والرسوم، التي تضمنتها الموازنة العامة لـ2022 على بعض المواد الغذائية، فضلا عن إلغاء كل الضرائب والرسوم، على التجارة الإلكترونية، والهواتف النقالة الفردية، والمؤسسات الناشئة.
وسبقت هذه القرارات حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت تذمرا من الزيادات الكبيرة في المواد الاستهلاكية واستغرابا من قبل الشباب خاصة لرفع الرسوم لأكثر من 160 بالمئة على الهواتف والمواد الإلكترونية التي يتم اقتناؤها من مواقع التسوق الإلكتروني العالمية.
واشتكى المواطنون بالخصوص من الزيادات في أسعار الخضر والفواكه وارتفاع المواد الغذائية وكذلك زيادة أسعار اللحوم البيضاء والحمراء، فيما بررت الحكومة كل ذلك بما تعرفه الأسواق الدولية من ارتفاع في الأسعار في فترة ما بعد التعافي من كورونا.
تحسين القدرة الشرائية
ومن أجل دعم القدرة الشرائية، تقوم الحكومة بتحديد أسعار الخبز والحليب عند مستويات منخفضة جدا وتفرض تسقيفا على أسعار الزيت والسكر، كما تدعم أسعار الكهرباء والماء والغاز، فضلا عن أشكال الدعم الأخرى كمجانية الصحة والتعليم ودعم إنشاء المساكن الاجتماعية وغير ذلك.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في الجزائر حوالي 120 دولارا بينما يصل متوسط الأجر إلى نحو 400 دولار باعتماد سعر الصرف الرسمي حيث يساوي الدولار تقريبا 140 دينارا جزائريا، وهي أجور عملت الحكومة على رفعها عبر التقليص من حجم الضريبة على الدخل، لكن ذلك لم ينجح في امتصاص زيادات الأسعار.
ومؤخرا، أعلن الرئيس عن الشروع في تقديم منحة البطالة التي ستوجه لفائدة طالبي العمل، وتبلغ قيمتها حوالي 100 دولار، وينتظر أن تستهدف نحو 680 ألف شخص، وهو إجراء ذكر تبون أنه لم يسبق لدولة خارج البلدان المتقدمة أن طبقته لضمان كرامة مواطنيها.
وفي تعليقه على هذا القرار، قال رمضان تعزيبت القيادي في حزب العمال إن هذه الإجراءات على إيجابيتها، فهي لا تستجيب للارتفاع الكبير في الأسعار الذي تسبب به قانون المالية.
وقال تعزيبت في تصريح لـ"عربي21" إنه "من الضروري إلغاء كل ما ورد في قانون الموازنة من إجراءات تتنافى والطبيعة الاجتماعية للدولة الجزائرية والمبادرة فورا بإلغاء المادة 188 من هذا القانون التي تتضمن إلغاء التحويلات الاجتماعية ودعم الدولة للمنتوجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع والخدمات".
ولتحسين القدرة الشرائية للعمال، اقترح القيادي في الحزب اليساري، مراجعة الأجور والمعاشات ومنح التقاعد عبر نظام يسمح لها بالتناسب مع ارتفاع كلفة المعيشة بالإضافة إلى وضع سقف لأسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك كما أشار إلى ضرورة سيطرة الدولة على عملية توزيع المنتوجات الأساسية حتى استقرار الوضع.
انتقاد قانوني للقرارات
ورغم الإقرار بضرورة وقف الضرائب والرسوم المرهقة للمواطنين، طرحت المعارضة إشكالات قانونية في كيفية اتخاذ هذه القرارات، بينما وصفها البعض بأنها تمثل إحراجا شديدا لأحزاب الأغلبية التي أقرت هذه الزيادات في الموازنة بطلب من الحكومة.
وقال ناصر حمدادوش مسؤول بحركة مجتمع السلم إن حزبه الذي يمثل المعارضة في البرلمان صوّت بلا على القانون وحذر من آثار هذه الزيادات على القدرة الشرائية لكن لم يستمع له.
وذكر حمدادوش في تصريح لـ"عربي21" أن "إلغاء هذه الضرائب بهذه الطريقة من قبل الرئيس، يطعن في مصداقية المنظومة القانونية للبلاد، ويضرب مصداقية مؤسسات الدولة عرض الحائط، ويؤكد على حالة التخبط والارتباك وعدم الرؤية لدى الرئيس وحكومته وأغلبيته البرلمانية".
وأضاف قائلا: "لا يُعقل أن يأخذ قانون الموازنة كل هذا المسار من وزارة المالية ومجلس الحكومة ومجلس الوزراء والبرلمان بغرفتيه إلى التوقيع الرسمي عليه ثم يتم الاكتشاف بعد شهرين من إقراره بآثاره المدمرة للقدرة الشرائية والتأثير السلبي على الاقتصاد الوطني، كمن نام في النهار واستيقظ في الليل".
وتساءل حمدادوش: "هل وصلنا إلى هذه الدرجة من العجز عن التخطيط لأقل من شهرين؟ لا يُعقل أن يتم تجميد أو إلغاء قانون بقرار أو بلائحة أو بتعليمة، وهو ما يجعله مجمدا لا ملغى إلى غاية إصدار قانون موازنة تكميلي آخر. لذلك هي قرارات إدارية بخلفيات سياسية لا علاقة لها بالمواطن ولا بالاقتصاد الوطني".
وحذر من أن "هذا سيؤثر على الاستقرار التشريعي، ويدمر ما تبقى من بيئة الأعمال، ويساهم في زيادة حالة الشك في المستقبل"، مشيرا إلى أن "هذا التراجع هو الأصوب، ولكنه صواب في المنهج الخطأ..".
اقرأ أيضا: موقع: الجزائر أبرمت صفقة شراء مسيّرات صينية عالية الدقة
عكس ذلك، ثمّنت الأحزاب الداعمة للرئيس قراراته واعتبروا أنها ترمي للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، واعتبروا الانتقادات التي طالتهم بخصوص التسبب في هذه الزيادات ثم تثمين إلغائها، "مناورة من أبواق مغرضة تريد الاستثمار في هذا الحدث".
وقال التجمع الوطني الديمقراطي في بيان له إن "القرارات المنبثقة عن اجتماع مجلس الوزراء يجب تثمينها"، داعيا الحكومة إلى "تحمل مسؤولياتها والعمل بالجدية المطلوبة لترجمتها عاجلا على الميدان، من أجل تحقيق نهضة اقتصادية منسجمة مع تطورات العصر وقادرة على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وحفظ كرامتهم".
من جهته، ثمّن رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، في تدوينة له قرارات الرئيس عبد المجيد تبون، مشيدا بـ"استدراكه الشجاع والسريع لهذا الإجحاف الضريبي في قانون المالية".
وانتقد رئيس حركة البناء ما وصفها بـ"الأبواق المغرضة التي أرادت أن تستغل هذا الحدث لنسف مكتسبات المسار الجديد، وإرجاع الجزائر والجزائريين إلى مربع الشكوك ودوامة الارتياب وفقدان الثقة في النفس".