تساؤلات عدة أثارها قرار
المحكمة الاتحادية في
العراق، بإلغاء قانون النفط والغاز الصادر عن برلمان
إقليم كردستان عام 2007، والذي
جاء بعد يومين من قرارها القاضي باستبعاد مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني،
هوشيار زيباري، عن المنافسة على منصب رئيس الجمهورية.
ونص قرار المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية
بالبلاد، على إلزام الإقليم بتسليم "كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في
الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية فيه تستخرج
النفط منها، وتسليمها إلى وزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها
الدستورية باستكشاف النفط واستخراجه وتصديره".
قرار سياسي
واعتبرت حكومة إقليم
كردستان، وقواها السياسية بأن ما صدر عن المحكمة الاتحادية "سياسي"، حيث وصف زعيم الحزب الديمقراطي
الكردستاني، مسعود البارزاني القرار بأنه "سياسي بحت متضاد من الدستور العراقي
الفيدرالي والهدف منه معاداة إقليم كردستان والنظام الفيدرالي في العراق".
من جهته، رأى الكاتب والباحث السياسي من إقليم
كردستان، كفاح محمود في حديث لـ
"عربي21" أن "توقيت اتخاذ القرار
يشير إلى أنه قرار سياسي بامتياز وجرى استخدام المحكمة الاتحادية كأداة للضغط على
التحالف الثلاثي (الحزب الديمقراطي الكردستاني، التيار الصدري، تحالف السيادة
السني)".
وأوضح محمود أن "من أسباب ذلك، الخشية من
انتخاب سلس لرئيس من الحزب الديمقراطي، وحتى لا يكلف الأخير رئيس حكومة قويا يختلف
مع ما يرنو إليه الإطار التنسيقي الشيعي، لأنهم يخشون على مصالحهم التي تتمركز في
المكاتب الاقتصادية والمليشيات، وبمفاصل الدولة".
وتابع: "لذلك فإن أدوات الضغط بدأت بتدخل سياسي للمحكمة في استبعاد مرشح الرئاسة هوشيار زيباري، الذي سبق أن برأته محكمة
التحقيق بالكرخ من جميع التهم الموجهة إليه، لكن الإرادة السياسية ذهبت بعيدا لكي
تستبعده، وأداة الضغط الثانية التي استخدمت فيها المحكمة الاتحادية، هي موضوع
النفط والغاز الذي مضى عليه أكثر من 15 عاما".
وأشار الكاتب إلى أن "دستور 2005، يؤكد
دستورية سلطات الإقليم التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسساته العسكرية والأمنية
وما ينتج عنها من قوانين وتشريعات، بمعنى أن كل ما صدر عن برلمان الإقليم هو
دستوري.. لذلك هذه كانت واحدة من أخطر نقاط الضعف التي تميز بها القرار السياسي
الأخير للمحكمة الاتحادية".
وأعرب محمود عن اعتقاده بأن "ما جرى وسيلة
ضغط، لن يكون لها أي تأثير على أرض الواقع، وأن ردود الفعل كانت واضحة جدا، فقد
وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وزارة النفط للبدء بالتنسيق مع إقليم كردستان في مسائل
النفط والاتفاقيات المبرمة بين بغداد وأربيل والاستمرار في تنفيذها، بمعنى هناك
توجه حكومي يتقاطع تماما مع ما ذهبت إليه المحكمة الاتحادية".
ولم يستبعد الكاتب الكردي أن تصدر المحكمة
الاتحادية قرارا آخر يقضي باستبعاد مرشح الديمقراطي الكردستاني الجديد للرئاسة، ريبر
أحمد لأن "كل هذه أدوات ضغط نتوقع أن يحصل الكثير منها في هذه المرحلة،
وساعتها يكون لكل حادث حديث".
مخرج للخلاف
وفي المقابل، قال المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي إن "هناك دعوة مقامة أمام المحكمة الاتحادية في عامي 2012 و2013
بخصوص قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ليأتي اليوم قرار من المحكمة
الاتحادية بإلغاء القانون، وبالتالي لا سلطان على قرارات المحكمة، وكل ما صدر عنها
يصبح نافذا وعلى الحكومات تنفيذه".
ورأى الدعمي في حديث لـ
"عربي21" أن "هناك نصا دستوريا بعد عام 2003 يقول إن الحقول النفطية يجري المشاركة فيها بين
الإقليم والحكومة الاتحادية، لذلك هذا النص لا يزال قائما كما هو، ويمكن تجاوز هذه
الإشكالات الحالية في الحقول الجديدة للنفط والغاز".
وأوضح الخبير العراقي أنه "يمكن استثمار هذه المادة
القانونية في الدستور، بمشاركة حقول النفط بين الإقليم والحكومة المركزية في
بغداد، ويمكن حل هذا القرار الصادر من المحكمة الاتحادية من خلال تشريع قانون بناء
على المادة الدستورية المعطلة طيلة هذه المدة".
وأكد الدعمي أن "صدور القرار في هذا الظرف
يجعل من الجهات المتضررة منه تقول إن القرار كان تحت ضغط سياسي، خصوصا أن القرارات
جاءت متعاقبة بعد إبعاد المرشح هوشيار زيباري، لذلك لو اتخذ القرار بعد أربعة أشهر
وبعد تشكيل الحكومة لكان القول مختلفا".
ونوه الدعمي إلى أن "المحكمة الاتحادية لها
القول الفصل في قضية استبعاد المرشح الجديد للحزب الديمقراطي من عدمه، لكن هناك
أكثر من 25 مرشحا من المكون الكردي يمكن أن يجري اختيار أي منهم رئيسا في حال
استبعاد هذا الشخص".
وعلى ضوء التطورات الأخيرة، دعا زعيم التيار
الصدري مقتدى الصدر البرلمان العراقي لتفعيل الدور الرقابي لمنع "التدخلات
الحزبية أو القضائية المسيسة"، جاء ذلك في رسالة وجهها إلى مجلس النواب
متضمنة أربع نقاط رئيسية.
والثلاثاء، قال الصدر في تغريدة له على تويتر إن "عمل البرلمان العراقي لا ينبغي أن يكون لأجل
تشكيل الحكومة فحسب أو الرئاسات الثلاث بل يجب تفعيل دور مجلس النواب الرقابي،
والتشريعي".
وطالب النواب "سيما حلفاءه" بتفعيل
دور "البرلمان الإصلاحي، وتفعيل التحقيقات واستدعاء كل من يشك بفساده"،
مؤكدا على "إكمال المشاريع المتلكئة ومحاسبة المقصرين من الشركات الحكومية
والمدنية".
ودعا الصدر في تغريدته النواب إلى الإسراع في
تشكيل الحكومة "الإصلاحية الجديدة" وبحكومة "أغلبية وطنية"
بعيدة عن "الكعكة"، مجددا دعوته لتفعيل الدور الرقابي للبرلمان بأسلوب
حازم يمنع "التدخلات الحزبية أو القضائية المسيسة".