هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد
بهاء الحريري، نجل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، أنه على خلاف مع
شقيقه سعد رئيس الحكومة اللبنانية السابق، والذي أعلن بدوره مؤخرا انسحابه من
الحياة السياسية في لبنان.
وأشار
خلال مقابلة أجرتها معه قناة الحرة الأمريكية، إلى أن "اختلافه مع شقيقه سعد كبير وشاسع، سواء بالتفكير أو الرؤية السياسية حول كيفية السير إلى الأمام".
وجاءت
تصريحات بهاء الحريري حول خلافه مع شقيقه سعد، بعد أن أعلن الأخير تعليق عمله
السياسي، كذلك في ظل أزمة سياسية واقتصادية يعيشها لبنان هي الأسوأ منذ الحرب
الأهلية اللبنانية.
ويطرح
إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وريث العباءة السياسية لوالده رفيق
الحريري، تخليه عن العمل السياسي، ومن بعدها تصريحات شقيقه بهاء عن خلافهما،
تساؤلات حول مصير هذا الخلاف، وهل سيؤثر على مكانة تيار المستقبل كممثل لقطاع واسع
من السنة، أيضا يطرح تساؤلات عن أمكانية نجاح بهاء الحريري في وراثة
"الحريرية السياسية"؟
تشتت الساحة السنية
اعتبر
الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، جو معكرون، أن " تيار المستقبل
لا يزال تيار سعد الحريري حتى الآن، وبنفس الوقت بهاء الحريري لديه حركة (سوا
للبنان)".
وتابع
معكرون: "لذلك يعتمد مصير تيار المستقبل إلى حد كبير على قدرة سعد الحريري على
ضبط إيقاع هذا التيار، رغم تعليق عمله السياسي، وبالتالي الانتخابات النيابية
المقبلة ستكون أول اختبار لهذا الأمر".
وأكد
معكرون في حديثه لـ"عربي21"، أن "تعليق سعد الحريري لعمله السياسي
سيؤدي إلى تشتت في الساحة السنية"، مضيفا: "لكن الموالين لسعد الحريري
سيترشحون في الانتخابات المقبلة، وبالتالي ليس واضحا بعد ماذا سيكون تأثير بهاء
الحريري، ولكن يبدو أنه محدود حتى الآن".
تيار مأزوم
بالمقابل،
أكد المحلل السياسي والأستاذ بكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية ببيروت، إبراهيم
حيدر، أن "الخلاف بين الشقيقين سعد وبهاء الحريري ليس جديدا، فهو بدأ منذ تسلم
الأول المسؤولية بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 2005".
وعبر
عن اعتقاده بأن "النقطة الجوهرية في الخلاف هي أن بهاء الحريري كان يفكر بأنه
سيكون الوريث الشرعي (للحريرية)، إلا أن الأمور بدت مختلفة بتسلم شقيقه سعد
المسؤولية، وسيرهما في اتجاهات عدة مختلفة، ما ساهم بتكريس الخلاف بين
الشقيقين".
وتابع
حيدر في حديث لـ"عربي21": "لكن التطور الجديد أن بهاء الحريري بدأ
يهتم بالشأن السياسي منذ 3- 4 سنوات، على الرغم من أنه في البداية كان يسير تجاه
الاهتمامات المالية فقط، وهذا ما زاد الخلاف بينهما".
وحول
مصير تيار المستقبل على أثر الخلاف السياسي بين الشقيقين، قال حيدر: "تيار
المستقبل مأزوم، ليس فقط بقرار الرئيس سعد الحريري بالخروج من العمل السياسي أو
الوقوف جانبا، بل أيضا هو مأزوم من خلال الخيارات السياسية والتوجهات وفي
الضغوط".
وأوضح
أن "تيار المستقبل تعرض لضغوط محلية وخارجية، وبنفس الوقت حينما كان سعد
الحريري برئاسة الحكومة حاول أن يكون متوازنا في الخيارات السياسية، في الوقت الذي
كان مطلوبا منه أن يكون أكثر حدة في استعادة هذا الموقع، وفي تحديد الخيارات
السياسية، كذلك تعرض لضغوط داخلية عبر محاولات من فرقاء سياسيين من خلال المطالبة
بنزع صلاحيات الحكومة، وبالتالي أثر هذا الوضع على موقعه في البيئة السياسية
السنية".
وعبر
عن اعتقاده بأن "تيار المستقبل اليوم في حالة شبه انحلال، بمعنى أن قرار سعد
الحريري ليس قرارا بسيطا، فهو حل بشكل أو بآخر هذا التيار، ولم يعد اليوم قادرا على
الاستقطاب، حيث إن هناك قرارا بعدم المشاركة في الاستشارات النيابية، وهذا استقطاب
مفصلي ورئيسي سيؤثر على تيار المستقبل كبنية سياسية وحزبية أو كتيار ربما كان
يعتبره سعد الحريري عابر للطوائف، لكنه كان يمثل المرجعية السنية في هذا
الإطار".
اقرأ أيضا: بهاء الحريري يعرض مشروعه السياسي للبنان.. خلافات مع سعد
وعن
مقدرة بهاء الحريري على أخذ مكان شقيقه سعد، قال حيدر: "لا اعتقد أن بهاء
الحريري يستطيع أن يرث جمهور المستقبل، فهناك اختلاف كبير، فخياراته مختلفة، وجزء من
هذا الجمهور يعتبره دخيلا على هذا الخط، رغم أن له حضورا في البيئة السنية، والتي كان
المستقبل يمثل جزءا منها، لذلك أعتقد أن التيار اليوم كبنية سياسية مأزوم جدا، وهو
آخذ في التلاشي، خاصة إذا لم يقرر سعد الحريري العودة وممارسة العمل السياسي بطريقة
مختلفة".
ولكن
مع وجود الخلاف بين الشقيقين الحريري، وفي ظل تأزم وضع تيار المستقبل سياسيا، يبقى
السؤال: من هو التيار أو الحزب الذي يمكن أن يحل مكانه كممثل سياسي للسنة في لبنان؟
ورد
حيدر بالقول: "اليوم هناك غموض وتعدد في الساحة السنية، ولا يبدو أنه يوجد
مرجعية أو تيار قادر على استقطاب جمهور الساحة السنية، بمعنى إعادة شد العصب لهذه
البيئة، حيث لا مرجعية قادرة حاليا على ذلك، وبالتالي هناك نوع من الفوضى والتعدد،
كذلك هناك قوى من خارج البيئة السنية تحاول أن تستفيد من خروج تيار المستقبل لدعم
ممثلين لها في هذه الساحة لاستهدافات سياسية معينة".
وعبر
عن اعتقاده بأن "حزب الله أيضا يدعم حلفائه في الساحة السنية، وهم ما كانوا
يسمون سابقا اللقاء التشاوري، كذلك رئيسو الحكومة السابقين، مثل فؤاد السنيورة، وحتى رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، لا يستطيعون اليوم تشكيل مرجعية كاملة أو
كبيرة لهذه البيئة، لكنهما يستطيعان أن يؤثران في المشهد السياسي".
وأضاف:
"كذلك كان جمهور المستقبل هو التيار الأوسع في البيئة السنية، حيث كان برئاسة
سعد الحريري يمثل على الأقل 40- 60 في المئة من الجمهور السني، بالتالي لا يوجد
الآن تيار في الساحة السنية قادر على الحلول مكان تيار المستقبل".
من
جهته، اتفق الصحفي والباحث السياسي توفيق شومان، مع حيدر، بأن تيار المستقبل يمر
الآن بأزمة سياسية قوية، وأنه أصبح تيارا مأزوما".
وحول
قدرة بهاء الحريري على أخذ زمام الأمور في التيار أو الحياة السياسية بشكل عام،
وحديثه لقناة الحرة عن حزب الله، أكد شومان خلال حديثه لـ"عربي21"، أنها
"ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها بهاء الحريري على رغبته بلعب دور سياسي،
حيث كان قد أطلق قبل فترة ما يعرف بحركة سوا، ولكن بعد تعليق رئيس الحكومة السابق
سعد الحريري لعمله السياسي على ما يبدو بأنه قرر أن يرث ما يعرف بالحريرية
السياسية".
وتابع:
"لكن الجديد أنه أطلق مجموعة من العناوين الداخلية والخارجية، وبالتالي هذه
لأول مرة يعلن فيها عن مشروعه، سواء كان بالنسبة لتطبيق اتفاقية الطائف أو بالنسبة
لعلاقاته مع القوى السياسية اللبنانية الأخرى، وأيضا حيال العلاقات اللبنانية
العربية".
واعتبر
شومان أن إجابات بهاء عن أسئلة قناة الحرة "هي إعلان برنامج سياسي
واضح"، مضيفا: "لكني أعتقد أن هذا البرنامج هو برنامج مواجهة مع إحدى
القوى السياسية اللبنانية، وأعني بها حزب الله، الذي اعتبره بهاء حزبا إرهابيا،
بالتالي هو لأول مرة يعلن هذه العناوين التي بعضها صدامية وبعضها تأكيدية على
دخوله الحياة السياسية اللبنانية".
وأضاف:
"بطبيعة الحال، السيد بهاء الحريري يراهن على وراثة شقيقه رئيس الحكومة السابق
سعد الحريري ضمن العناوين التي ذكرها، ولكن أعتقد أن أكثرية البيئة السنية، وتحديدا أكثرية تيار المستقبل، تعتبره منشقا عن أخيه، وبالتالي لا أظن أنه يستطيع
أن يرث تيار المستقبل، لأسباب متعددة".
وأوضح
هذه الأسباب، قائلا: "أولا بسبب الخطاب العالي المستوى والحاد، والذي أعتقد
أنه مخالف لتراث تيار المستقبل، الذي انتهج إلى حدا ما نوعا من الخطاب المعتدل، خصوصا في الفترة الأخيرة التي كان فيها سعد الحريري على قمة الواجهة".
وأكمل:
"ثانيا اعتقد أنه لغاية الآن جميع استطلاعات الرأي في لبنان لا تعطي السيد
بهاء الحريري أكثر من خمسة مقاعد نيابية، كذلك إذا توقعنا أن الرئيس فؤاد
السنيورة يمكن أن يترشح للانتخابات النيابية المقبلة، أو أن يرعى هذه الانتخابات، أعتقد عندها أن تيار المستقبل سينحو نحو السنيورة، وليس نحو السيد بهاء
الحريري".
وأضاف:
"بالتالي أيضا إذا لقي السنيورة دعما ورعاية من السيدة بهية الحريري، وكذاك
إذا ما دعم ما يعرف بنادي رؤساء الحكومة السابقين، وتحديدا الرئيس نجيب
ميقاتي والرئيس الأسبق تمام سلام، السنيورة، ستكون حظوظ السيد بهاء الحريري بتمثيل
البيئة السنية أو على الأقل وراثة تيار المستقبل منخفضة".
ما دور السعودية في الخلاف
لكن
في ظل ضبابية الموقف السعودي من تعليق حليفها سعد الحريري لعمله السياسي، وكذلك ما
قيل عن أنها نأت بنفسها عن تشكيل حكومة ميقاتي، واتهامها بأنها ضغطت سابقا على
رئيس الحكومة سعد الحريري لتقديم استقالته من الرياض، يبقى السؤال: هل هناك دور
للسعودية في الخلاف بين الشقيقين؟ وهل تسعى لتقديم بهاء الحريري بديلا عن شقيقه؟
وأكد
الباحث في الشؤون الشرق أوسطية، جو معكرون، أن "دور السعودية كان في تحجيم
دور سعد الحريري السياسي، ووقف التمويل عنه".
واستدرك
بالقول: "لكن ليس هناك مؤشر واضح اذا ما كانت القيادة السعودية ترمي بثقلها
وراء بهاء الحريري كما تراهن على حلفائها الآخرين في لبنان".
من
جهته، أشار حيدر إلى أن "هناك أحاديث وكلاما عن أن هناك ضغوطا مارستها السعودية
على سعد الحريري، لكن كل هذه الأحاديث تدخل ضمن كلام صحفي غير مؤكد".
وخلص
بالقول: "لكن لا أعتقد أن السعودية اليوم تتبنى بهاء الحريري بالكامل، وأعتقد
أن وجهتها السياسية المقبلة هي ليست في سياق خوض معركة الانتخابات النيابية كما
كانت تسعى من قبل".
بدوره،
أكد شومان على أنه "من المعلوم أن السعودية لن تتبنى السيد بهاء الحريري،
وأعتقد أن إجاباته عن أسئلة قناة الحرة حول علاقات لبنان بالدول العربية وحول
الموقف من حزب الله واعتباره إرهابيا، هي رسالة واضحة منه للرياض، مفادها أنه مستعد
للتماهي مع سياستها الخارجية على مستوى الإقليم".
وأضاف:
"لكن لغاية الآن لا يوجد أي مؤشر بأن الرياض يمكن أن تتبنى ترشح بهاء
الحريري، وبالتالي تحويله إلى أحد رموز القوى السياسية اللبنانية، وبالتالي وراثة
تيار المستقبل، لذلك لا بد من انتظار وضوح ومعرفة الموقف السعودي".