مدينة حرض
اليمنية الحدودية المدمرة تحولت فجأة إلى أحد أهم عناوين الحرب التي تدور رحاها على الساحة اليمنية وفق مشيئة المتدخلين الإقليميين لا سواهم، وسط مؤشرات على توجه مبكر من جانب المملكة لاختبار ما إذا كان هدف فرض منطقة عازلة على الحدود مع اليمن قابل للتحقيق عملياً.
فمنذ عدة أيام تخوض وحدات من الجيش الوطني التابع للمنطقة العسكرية الخامسة المرابطة في الجزء الشمالي الساحلي الغربي من اليمن والمتاخمة للحدود مع
السعودية معركة ضروساً مع المقاتلين التابعين لجماعة الحوثي المسلحة، أو بتعريف آخر مع جزء مهم ومؤثر من تركة السلاح التابع للدولة اليمنية الذي كان في عهدة قوات حرس الحدود؛ قبل أن تصطف تلك القوات مع
الحوثيين بإيعاز من التحالف الجهوي الطائفي الذي لاذ به صالح لينجو من ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير2011.
تتخذ المنطقة العسكرية الخامسة في الجيش الوطني من مدينة ميدي الساحلية مقرا لها، ومدينة ميدي وميناؤها قريبان من ساحة المواجهات
في حرض، وقد مرت على تلك المنطقة سنوات من القتال المتقطع والعنيف وعديم الأفق ضد الحوثيين في منطقة ميدي، وشهد انتشارها المستحق في تلك المنطقة مداً وجزراً، عكس في جوهره اضطراب القرار العسكري للتحالف، ولا يتناسب مع الاستعداد القتالي العالي للقوات الحكومية.
من الواضح أن السعودية ماضية في إعادة تكييف هذه المنطقة مع التوجهات الجديدة، والرغبة السعودية في التعامل مع قوات لا ترتبط هيكلياً بوزارة الدفاع اليمنية، وهذا هو السبب وراء تركيز الإعلام السعودي على ما بات يسميه ألوية اليمن السعيد
بقيت هذه المنطقة تحت الاشراف المباشر لقيادة العمليات المشتركة للتحالف من حيث التحكم بقرار العمليات والتموين العسكري والمادي، ومن الواضح أن السعودية ماضية في إعادة تكييف هذه المنطقة مع التوجهات الجديدة، والرغبة السعودية في التعامل مع قوات لا ترتبط هيكلياً بوزارة الدفاع اليمنية، وهذا هو السبب وراء تركيز الإعلام السعودي على ما بات يسميه ألوية اليمن السعيد.
وفي مديرية ميدي يتواجد ميناء قديم جرى تحديثه لاستقبال السفن المتوسطة في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وربما بدعم إيراني، يفسره النشاط اللافت من جانب الخبراء الإيرانيين الذين تواجدوا في تلك المنطقة بالتزامن مع عملية شراء واسعة للأراضي من جانب شخصيات محسوبة على الحوثيين في محيط الميناء، خصوصاً منذ انتهاء حرب صعدة السادسة في 2009.
الارتباط بين معقل الحوثيين القديم في محافظة صعدة الواقعة في الشمال الغربي من اليمن وبين ميدي بدا عضوياً واستراتيجياً إلى حد كبير، كما أن وقوع محافظة حجة المجاورة لصعدة والتي يتواجد في ساحلها التهامي ميناء ميدي ومدينة حرض الحدوديتين مع المملكة؛ قد عزز من الأهمية الاستثنائية لمحافظة حجة بالنسبة للحوثيين وداعميهم الإيرانيين، بالنظر إلى مستوى التأثير الذي يحدثه تواجد الحوثيين وقبضتهم الحاكمة في هذه المحافظة الحدودية، كما هي بالنسبة لقبضتهم الحالية التي يفرضونها على محافظة صعدة.
لم يكن هناك من معنى للاهتمام الذي أظهره الرئيس السابق بميناء ميدي إلا من حيث صلته الوثيقة بالتمكين الجيوسياسي للحوثيين، ومشروعهم السياسي الهادف إلى تمكين النواة الشيعية التي يمثلها الحوثيون، حيث أريد لهذه الجماعة أن تتحول من جماعة بنفس طائفي في دولة وطنية، إلى جماعة مهيمنة تستأثر بالدولة ومقدراتها، وهو ساهمت فيه أطراف إقليمية ودولية تدفع إلى تحقيقه منذ 21 أيلول/ سبتمبر 2014، فيما كان صالح لا يرى في الحوثيين سوى ورقة يتعين استخدامها للتقليل من التأثير السياسي للحركة الإسلامية التي ترتكز على دور التجمع اليمني للإصلاح، والجماعات السلفية، وهو توجه تبناه نظام صالح وأجهزته الأمنية منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، وتعزز أكثر بعد الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو أس أس كول" في تشرين الأول/ أكتوبر 2000 بميناء عدن جنوب اليمن.
هذا يدعو إلى التساؤل عن مصداقية الأنباء التي تحدثت عن دخول لواءين عسكريين سعوديين إلى ساحة المعارك في حرض وعبر الحدود اليمنية السعودية، وسط توقعات مرتفعة بنتائج مبهرة ستتحقق، فيما كان البعض قد أبقى توقعاته عند حدود الطموحات السعودية الملحة بشأن تأمين حدودها الجنوبية مع اليمن عبر فرض منطقة عازلة ومعزولة من السلاح
كالعادة بدأت معركة استعادة مدينة حرض بالتوازي مع تصريحات مكثفة حول مفصلية هذه المعركة، وبالفعل هي كذلك، وجرى الحديث عن دخول لواءين عسكريين سعوديين في هذه المعركة التي تمكن خلالها الجيش الوطني من فرض حصار مشدد على مقاتلين حوثيين متحصنين في الأبنية الكثيرة والمرتفعة في المدينة. وكان الخطأ الفادح الذي ارتُكب منذ بدء الحصار على المدينة هو الرهان على استسلام الحوثيين، لكن الذي حدث هو أن الحوثيين حشدوا مئات المقاتلين وهاجموا القوات الحكومية، وتمكنوا من فك الحصار وإطلاق قيادات كبيرة على ما يبدو كانت متواجدة في المدينة.
وعلى الرغم من أن الهجوم لم يؤثر بشكل جوهري على خطط استعادة المدينة، في ظل تصريحات للقوات الحكومية بأنها تسيطر على 80 في المائة من المدينة وتحتفظ بتواجدها في مواقع استراتيجية شرقها، إلا أنه يخشى أن تتجه المعارك في مدينة حرض ومحيطها إلى حالة من المراوحة التي تشهدها جبهة جنوب مأرب، وهي مراوحة قاتلة ولا تعني سوى المزيد من الاستنزاف للمتقاتلين دون نتائج جوهرية، مع ملاحظة أن الحوثيين بالنسبة لمأرب قد عادوا إلى ممارسة الضغط العسكري على مواقع الجيش الوطني شمال غرب مدينة مأرب، وهو موقف يستوجب التوقف والتأمل معاً، أخذاً بعين الاعتبار أن الجيش الوطني يقاتل بإمكانيات ذاتية في هذه الجبهة.
وهذا يدعو إلى التساؤل عن مصداقية الأنباء التي تحدثت عن دخول لواءين عسكريين سعوديين إلى ساحة المعارك في حرض وعبر الحدود اليمنية السعودية، وسط توقعات مرتفعة بنتائج مبهرة ستتحقق، فيما كان البعض قد أبقى توقعاته عند حدود الطموحات السعودية الملحة بشأن تأمين حدودها الجنوبية مع اليمن عبر فرض منطقة عازلة ومعزولة من السلاح، وهو التفسير الوحيد لانخراط قوات سعودية في معارك أهداف الشرعية تبدو أبعد ما تكون عن التحقيق من خلالها.
خيار خوض معركة شاملة ضد الحوثيين عبر الجيش الوطني، أو عبر الأدوات العسكرية الموالية للتحالف قد لا يكون ذا أولوية، وإلا لما رأينا الإمارات تقدم دلائل ميدانية على وقف عملياتها العسكرية في جنوب مأرب، بعد تلقيها ضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة
من المؤسف أن تركيز
التحالف رغم كل الأخطار المحيطة بمعركته في اليمن لا يزال منصبّا على تحقيق أهدافه الخاصة والأنانية، ولا يزال ماضياً في تخليق الأدوات الخشنة وفرضها كلاعب أساسي وصاحب إنجازات في مسرح الحرب؛ يكفلها الإمدادُ السخي من التحالف تسليحيا وماليا وإسنادا جوياً، كما رأينا بالنسبة لألوية العمالقة، وما نشاهده اليوم بالنسبة لما تسمى "ألوية اليمن السعيد".
وهذا يعني أن خيار خوض معركة شاملة ضد الحوثيين عبر الجيش الوطني، أو عبر الأدوات العسكرية الموالية للتحالف قد لا يكون ذا أولوية، وإلا لما رأينا
الإمارات تقدم دلائل ميدانية على وقف عملياتها العسكرية في جنوب مأرب، بعد تلقيها
ضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن بعضها، فيما تبرعت تشكيلات مسلحة عراقية بتبني بعضها الآخر، وهي اليوم أبعد ما تكون عن دعم هذه المعارك بعد أن تكشفت استراتيجيا، وبعد أن تلقت رسائل سلبية من جانب قائد أمريكي رفيع هو الجنرال ماكينزي الذي يتولى قيادة القيادة المركزية الأمريكية، عندما كشف عن وجود خلل في منظومات الدفاع الجوي الأمريكية المتقدمة من نوع ثاد وباتريوت؛ التي تمتلكها أبو ظبي.
twitter.com/yaseentamimi68