مع تصاعد الأزمة الأوكرانية الروسية، تتابع
الأوساط الإسرائيلية تبعاتها المتوقعة على علاقاتها مع الجانبين، في ظل رغبة كل منهما بأن تأخذ تل أبيب موقفا لصالحها أمام حالة الاستقطاب الدولي حول هذه الأزمة
المتفاقمة، يوما بعد يوم، وإمكانية أن تدخل نفقا جديدا في حال قررت
روسيا غزو
أوكرانيا.
وفي الوقت الذي تخشى فيه إسرائيل من التورط في
التوترات بين البلدين، ظهرت رواية جديدة عن
صفقة أسلحة إسرائيلية نوعية إلى
أوكرانيا، عقب وصول وفد منها رفيع المستوى إلى إسرائيل، وعقد أعضاؤها اجتماعات
عديدة مع كبار المسؤولين في وزارة الحرب والصناعات العسكرية، وتصدر جدول الأعمال
سباق التسلح شبه الهستيري للجيش الأوكراني، مع العلم أن الجيش الأوكراني بدأ في
التحول من الأسلحة السوفيتية، ومعظمها قديمة، إلى الأسلحة الغربية.
نير دفوري الخبير العسكري كتب في مقاله على
موقع القناة 12، ترجمته "عربي21" أن "الأوكرانيين ينظرون لإسرائيل
على أنها وجهة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وقد طلبوا منها تزويدهم بصواريخ
وطائرات بدون طيار وأنظمة دفاع جوي وأسلحة صغيرة وأنظمة اتصالات وحرب إلكترونية،
وأبدوا الاستعداد للالتزام بصفقات ضخمة تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات،
لكن هناك أحد ما في وزارة الخارجية الإسرائيلية من أوقف إبرام الصفقة في لحظاتها
الأخيرة".
وأضاف أن "الأوساط الدبلوماسية
الإسرائيلية تدرك مدى خطورة السير جنبًا إلى جنب مع أحد أكبر أعداء روسيا، ولذلك
جاء قرار وقف هذه الخطوة، رغم أن إسرائيل باعت لأوكرانيا بنادق تافور وحقوق إنتاج
بندقية IWI الجديدة وصواريخ سبايك من صنع شركة رافائيل، ليس أكثر من ذلك، أما الأسلحة النوعية
الأخرى فقد تم إحباط بيعها بقرار من أعلى المستويات السياسية والعسكرية
الإسرائيلية خشية من إغضاب الدب الروسي في موسكو".
ومع تفاقم الأزمة بين موسكو وكييف، يزداد حرص
إسرائيل وحذرها، على أمل أن تؤتي هذه السياسة ثمارها في المقابل من جهة روسيا،
التي التزمت بتعهدات قدمتها لإسرائيل، وبموجبها لم تبع أسلحة متطورة لدول معادية
مثل إيران، مقابل طلبها عدم بيع أسلحة إسرائيلية لأوكرانيا، وبهذه الكيفية يمكن
فهم كيف تسير إسرائيل بين فترات الانهيار في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، المستمر
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وبذلت جهودًا للابتعاد عن النار المتراشقة بين حين
وآخر.
تتحدث المحافل العسكرية الإسرائيلية أن
امتناعها عن بيع أوكرانيا أسلحة متطورة جدا، أدى إلى وقف قرار خطير أوشكت أن تتخذه
روسيا ببيع البطاريات المضادة للطائرات من طراز S-300 للإيرانيين، ولعل هذا السلوك الإسرائيلي يجد له ما يعززه حول العالم، فسلوك
الحكومة الألمانية شبيه بذلك، فهي لا تعترف حاليًا بتهديد عسكري من روسيا، ورغم ذلك
فقد رفضت نقل الأسلحة لأوكرانيا في الأيام الأخيرة، مفضلة ممارسة ضغوط اقتصادية
على روسيا.
تراقب الأوساط العسكرية الإسرائيلية تحركات
عشرات الألوية والدبابات والمدافع المضادة للطائرات الروسية باتجاه أوكرانيا، مع
عدد قليل جدًا من المشاة، وقد امتلأت مواقف السيارات بالمركبات المدرعة، لكن
معظمها خالية من المقاتلين، ولعل روسيا تتجنب، حتى الآن على الأقل، وفق المصادر
الإسرائيلية، إعلان التعبئة الكاملة لقواتها الاحتياطية، لأنها تدرك أن تكديس
قواتها على الحدود الأوكرانية يهدف لزعزعة أعصاب جمهور هذه الدولة، وفي الوقت ذاته
فإن تعبئة الاحتياطيات ستضر بالاقتصاد الروسي، الذي لا يحتمل مزيدا من الهزات.
في الوقت ذاته، تتابع دوائر صنع القرار
الإسرائيلي ما الذي أحدثه قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه تصعيد الأزمة مع
أوكرانيا، لكنه في حال أخطأ في فهم الموقف، وقام بغزو أوكرانيا، فربما ستؤدي
الخطوة برمتها لإلحاق ضرر كبير به أكثر مما تنفعه، لأنه أعاد بالفعل من حيث لا
يقصد إحياء حلف الناتو الذي كان يمر في حالة احتضار، وفق التعريف الإسرائيلي، بعد
أن كاد ترامب أن يقضي عليه.
وبدا لافتا أن توفد وسائل الإعلام الإسرائيلية العديد من الموفدين
الصحفيين إلى العاصمة الأوكرانية كييف، للتعرف عن قرب على قدراتها العسكرية، وخرجت
هذه التقارير بتقديرات مفادها أن أوكرانيا لديها ثالث أكبر جيش في أوروبا، سواء من
حيث العدد، أو الخبرة القتالية، ومن الناحية العملية لديها العديد من المنصات
العسكرية القديمة، وقد بدأت للتو في عملية التحديث، ولا يعرفون في إسرائيل بعد ما
الذي سيقدم عليه الأوكرانيون، هل يحاولون تقويض الجيش الروسي، وإبطاء تقدمه، وحشد
التعاطف الدولي على أمل أن يساعدها الغرب.
الخلاصة الإسرائيلية أن هذه المنطقة المتوترة
من العالم تمر في مرحلة حساسة، ولا أحد يعرف في إسرائيل حتى الآن ما الذي سيختاره
بوتين، وهل نحن في ذروة خطوة أخرى في سلسلة التحركات التي حدثت في المنطقة خلال
السنوات الثماني الماضية، في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لروسيا
المترنحة، وهل ستؤدي تنازلات بوتين على الحدود الأوكرانية إلى تنازلات بايدن في
الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، هذه التطورات كفيلة بأن تحظى بمتابعة إسرائيلية
لا تتوقف.