قضايا وآراء

هل العملاء العرب.. هم.. أصحاب ولا أعز أم أسوأ؟

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600
منذ عدة أيام اهتم الإعلام المصري والعربي بفيلم تم عرضه على شبكة نتفلكس بعنوان "أصحاب ولا أعز" وهو مأخوذ عن فيلم إيطالي تم عرضه منذ أكثر من عامين بعنوان "غرباء بالكامل". والفيلم العربي هو إنتاج مشترك بين مصر ولبنان والإمارات!!

والفيلم باختصار وكما علقت الكثير من الصحف وعرضت قصته؛ يتناول مجموعة من الأصدقاء تتم دعوتهم على العشاء عند أحدهم، ويتفقون على أن يلعبوا لعبة كشف الحقيقة من خلال أن تكون مكالمات ورسائل كل فرد فيهم، زوجات وأزواجا، مكشوفة للجميع.

وفي الفيلم الإيطالي فإن الأصحاب كلهم إيطاليون، أما الفيلم العربي فكان معظم الأصحاب لبنانيين عدا زوج وزوجة مصريين.. لماذا؟ يبدو أن المنتج الإماراتي كان له رأي بهذا الشأن.

وفي الفيلم الأصلي الإيطالي يتم اكتشاف أن الجميع لا يعلمون عن بعضهم أي شيء، وأنهم ليسوا أصدقاء ولا أصحاب ولهذا سمي بالغرباء. ولكن اختيار الاسم وعنوان الفيلم مختلف، إنهم أعز الأصحاب ولكنهم أيضا لا يعرفون عن بعضهم أي شيء.

أما قصة الفيلم فهي ليست جديدة بشكل عام ويمكن أن تكون موجودة في الحياة في أي بلد أو مجتمع، حيث أنك تعرف شخصا لعدة سنوات أو أكثر ثم تكتشف في لحظة ما بعض الحقائق عنه كأنك لم تعرفه من قبل. وهذا وارد كما ذكرت في أي مجتمع عربي أو غربي أو شرقي أو أي مجتمع في العالم.

وأعتقد أن ما أثير حول الفيلم سواء عن قصته أو محتواها والاهتمام من الإعلام في مصر؛ هو محاولة لشد انتباه الشعب وإشغالهم (وخصوصا ونحن في شهر كانون الثاني/ يناير) عما يجب أن يتذكروه من أحداث حدثت في هذا الشهر؛ كانت من الممكن أن تنقل مصر وشعبها بل والعالم العربي والإسلامي لمصاف الدول التي تعيش في حرية وعدل واستقرار. ولكن هيهات هيهات ونفس المنهجية في إشغال المجتمع ما حدث قبل أسبوعين مع وفاة وائل الإبراشي، وما أثير عن أن هناك من يشمت في وفاته وأن هذا يجوز أو لا يجوز شرعا وعرفا وغير ذلك من المجالات، ثم انتهت قصة وائل الإبراشي وجاء فيلم أصحاب ولا أعز.

وهنا أتوقف قليلا مع ما أثير من أن الفيلم يدعو لإشاعة الفساد في المجتمع وكأنه الفيلم الوحيد الذي يدعو لذلك أو دعا إلى ذلك، بل هناك الكثير من الأفلام العربية والمصرية - إن لم تكن كلها أو أغلبها - التي تدعو لذلك ومع ذلك مرت مر السحاب ولم يتناولها أحد. فبالنسبة لقضية الخيانة الزوجية نجد أنه منذ أوائل الستينات وهناك العديد من الأفلام التي أثارت هذا الموضوع، وعلى سبيل المثال فيلم نهر الحب، وهو أيضا كان منقولا عن قصة آنا كارنينا للكاتب الروسي ليو تولستوي. أما بالنسبة للجانب الآخر من إشاعة الفاحشة وموضوع المثلية، فهي أيضا قد تم تناولها بشكل أكثر فجاجة في أفلام سابقة، ومنها فيلم عمارة يعقوبيان الذي شارك فيه عدد من الممثلين، منهم نور الشريف وعادل إمام وغيرهم، ولم تكن ردة الفعل كما كانت مع أصحاب ولا أعز. وهذا يؤكد أن الضابط الذي يدير الإعلام في مصر الآن كان هدفه فقط هو إشغال الناس كما ذكرت.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل العملاء العرب - وهم من يلقبون أنفسهم بالرؤساء والزعماء والقادة - الآن هم أيضا أصحاب ولا أعز؟؟ ونظرة سريعة على واقعنا العربي فإن الإجابة نعم، بل هم أسوأ من أصحاب ولا أعز. بداية لا يجب أن نطلق عليهم مصطلح قادة لأن القائد من الضروري أن تكون لديه مؤهلات القيادة، ولكن من نراهم الآن يتحكمون في عالمنا العربي، سواء الرئيس أو الملك أو الأمير أو الزعيم غربا وشرقا، هم مجرد عملاء لخدمة أسيادهم من الغربيين ومن وضعهم في هذه المناصب والأماكن التي هم فيها، فهم بالبديهة يخونون شعوبهم.

فعلى سبيل المثال نجد السيسي في مصر تحمل المسؤولية من خلال خيانة من ائتمنه، ولم يتوقف عند ذلك بل خان الشعب كله من خلال انتخابات مزورة. ونفس القصة نجدها في السودان مع انقلاب البرهان وزمرته، وفي سوريا مع بشار والشعب السوري، وما نراه الآن مع موجة الصقيع التي يعيشها أهل المخيمات في شمال سوريا أو في مخيمات اللاجئين السوريين سواء في لبنان أو في تركيا أو الأردن.

وفي المغرب العربي نجد أقزامهم أيضا يخونون شعوبهم، سواء في تونس وما قام به قيس سعيد من إلغاء البرلمان ومحاولة السيطرة على مقاليد السلطات الثلاث من تشريع وتنفيذ وقضاء، والغريب أنه رجل قانون وأستاذ جامعي في القانون الدستوري ومع ذلك يخون الأمانة التي حملها له الشعب التونسي ويتخذ قرارات مخالفة للدستور والقانون.

ونفس الحال في باقي البلاد المغاربية، أيضا في بلاد الخليج وما يقوم به الحكام ومن يطلق عليهم بالأمراء هناك ويتظاهرون بأنهم مع شعوبهم، وهم في الحقيقة يخونون هذه الشعوب ويتعاملون معها كأنها عبيد لديهم ويلقون إليهم بالفتات مما أنعم الله على هذه البلاد من رزق استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ومثال ذلك ما قام به محمد بن سلمان من شراء إحدى اللوحات العالمية بملايين الدولارات وهناك من يعيش من السعوديين في السعودية بمستوى خط الفقر. وهناك نفس الأمثلة في الكويت والإمارات والبحرين وقطر ولكن بتفاوتات مختلفة.

إن هؤلاء الأقزام هم نموذج دقيق لأصحاب ولا أعز، وهذا النموذج لا ينطبق فقط على من يحكم الآن بل كل من مر على المنطقة وحكمها منذ أكثر من مائة عام أو أكثر. ولا ننسى مراسلات مكمهون- الشريف حسين أو التعهدات بين عبد العزيز آل سعود والإنجليز، أو حتى من نادوا بالقومية العربية سواء عبد الناصر في مصر أو البعث في العراق وفي سوريا كانوا يخونون شعوبهم ومن وثق فيهم.

وكانت اجتماعات الجامعة العربية كأنها الفيلم نفسه، فالجميع يجلسون ويتم تبادل القبلات والأحضان وكل واحد فيهم يخون صاحبه. وللأسف كانوا أسوأ من ذلك، فكانوا يتآمرون على بعضهم البعض وما زالوا، فنجد محمد بن زايد يستعين بالصهاينة لمحاربة اليمن، ونفس الحال نجد البرهان وحميدتي في السودان يستعينان بالصهاينة لمحاربة الشعب السوداني، وهلم جرا. وبالطبع لا ننسى كيف يتآمر محمود عباس والسلطة الفلسطينية على الفلسطينيين، ويتبادل المعلومات مع الصهاينة من أجل تحجيم المقاومة الفلسطينية.

إن عالمنا العربي يعيش قصة أصحاب ولا أعز بشكل عملي كل يوم، ويبدو أنهم وصلوا لمرحلة عدم القدرة على مواجهة بعضهم البعض في ظل الخيانات والمؤامرات المكشوفة التي يقومون بها تجاه بعضهم البعض، وبالتالي تم تأجيل موعد انعقاد القمة من تشرين الأول/ أكتوبر 2020 حتى الآن (بحجة وباء كورونا) والمفترض أن تعقد في آذار/ مارس القادم في الجزائر ولم يحسم الأمر حتى الآن، ويقوم الرئيس الجزائري بجولات للتشجيع على الاجتماع. ويبدو أنهم ملوا من الخيانات المستترة وهم في طريقهم للخيانات الصريحة والمعلنة، ولا نستبعد أن يتم اقتراح أن يكون الكيان الصهيوني عضوا مراقبا في الجامعة العربية، وبالتالي يكون من حقه حضور اجتماعات الجامعة العربية كما تم نفس الاقتراح في منظمة المؤتمر الأفريقي.

كلمة أخيرة.. الفيلم الإيطالي انتهى بأن كل ما كان في الفيلم من أحداث كانت تهيؤات من إحدى الممثلات نتيجة خسوف القمر ليلتها، في حين أن الفيلم العربي لم يأخذ بهذه النهاية وانتهى بأن الشخصيات في الفيلم استكملوا حياتهم واستمروا في خيانات بعضهم البعض بشكل طبيعي، وكأن الإيطاليين لم يقبلوا أن يقال إن مجتمعهم يستمرئ الخيانة، في حين أن المنتجين العرب يتقبلونها ويتعايشون معها كأقزامهم، ولعل مشاركة الإمارات في الإنتاج أدى لهذه النهاية والله أعلم.

وختاما أدعو الله سبحانه وتعالى أن ينير بصيرة الشعوب العربية، وأن يعينها الله عز وجل على تخطي ما هي فيه من بلاء، ويوفقها لما فيه الخير والصلاح.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
التعليقات (0)