هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحبس الأسواق العالمية أنفاسها ترقبا لنتائج اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) المقرر انعقاده يومي 26 و27 كانون الثاني/يناير 2022، وسط مخاوف كبيرة من اتخاذ قرارات قد تفجر الأوضاع الاقتصادية في عدد كبير من البلدان حول العالم، وخاصة البلدان المثقلة بالديون.
وأطلقت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، السبت، تحذيرا للدول ذات المستوى المرتفع من الديون المقومة بالدولار من المخاطر التي تهدد اقتصادياتها حال قرر البنك المركزي الأمريكي رفع سعر الفائدة، مطالبة هذه الدول بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل التداعيات السلبية للقرار الأمريكي المرتقب.
ودعت، خلال كلمة لها بمنتدى "دافوس" الاقتصادي، الدول المثقلة بالديون إلى البحث عن محاولات لتمديد آجال الديون المستحقة لمواجهة الاضطرابات المترتبة على رفع سعر الفائدة الأمريكية، مشيرة إلى أن 60 بالمئة من البلدان المنخفضة تعاني من ضائقة ديون أو في خطر أزمة ديون، وهذا ضعف الرقم المسجل في عام 2015.
"مفاجآت"
وطالبت غورغيفا، البنك المركزي الأمريكي بضرورة الإبلاغ عن خطط سياسته بوضوح لمنع أي مفاجآت قد تترتب على قراراته المنتظرة، متوقعة أن يكون عام 2022 أكثر صعوبة بالنسبة لصانعي السياسات بناء على الاختلافات بين البلدان وفوارق الحلول المطلوبة.
وأصدر البنك المركزي الأمريكي بيانا عقب آخر اجتماع له في 14 و15 كانون الأول/ديسمبر 2021، كشف فيه أنه قد يرفع أسعار الفائدة الرئيسية في موعد أقرب أو بوتيرة أسرع مما كان متوقعا سابقا لاحتواء معدلات التضخم المرتفعة.
وكان المركزي الأمريكي قرر في اجتماعه الأخير الإبقاء على أسعار الفائدة الرئيسية ضمن نطاق صفر – 0.25 بالمئة المعتمد منذ آذار/مارس 2020، مؤكدا أن لجنة السياسة النقدية ناقشت أدوات لكبح التضخم، كخفض حيازته من السندات والأوراق المالية.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الأمريكي، أن التضخم السنوي ارتفع إلى 7 بالمئة في كانون الأول/ديسمبر 2021، وهو أعلى مستوى منذ 40 عاما، وهو ما قد يعزز التوقعات بأن يبدأ المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة في وقت مبكر ربما في آذار/مارس المقبل، وفقا لتقديرات بعض المحللين.
والثلاثاء، خفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين وحذر من أن مستويات الدين المرتفعة وتزايد التفاوت في الدخل والمتحورات الجديدة لكوفيد-19 هي عوامل تهدد التعافي في الدول النامية، وفقا لرويترز.
وقال، إن النمو العالمي من المتوقع أن يتباطأ "بشكل ملحوظ" إلى 4.1 بالمئة في 2022 من 5.5 بالمئة العام الماضي وأن يواصل الهبوط إلى 3.2 بالمئة في 2023 مع تبدد زيادة مكبوتة في الطلب وإنهاء الحكومات الدعم المالي والنقدي الضخم الذي قدمته في بدايات الجائحة.
وتوقع البنك الدولي أن يهبط النمو في الاقتصادات الناشئة والنامية إلى 4.6 بالمئة في 2022 من 6.3 بالمئة في 2021 وأن يواصل التراجع إلى 4.4 بالمئة في 2023، وهو ما يعني أن الإنتاج في تلك الاقتصادات سيبقى أقل بنسبة أربعة في المئة عن مستويات ما قبل الجائحة.
وأشار البنك إلى أن تزايد التضخم، الذي يؤثر بشدة بشكل خاص على العمال ذوي الدخل المنخفض، عند أعلى مستوى منذ عام 2008 في الاقتصادات المتقدمة، والأعلى منذ 2011 في الاقتصادات الناشئة والنامية.
"فوائد مركبة"
وأكد أستاذ المحاسبة والتمويل المشارك بجامعة السودان للعلوم التكنولوجيا، محمد الناير، أن الدول العربية والأفريقية بصفة عامة تعاني من تفاقم مشكلة ارتفاع مستويات مديونياتها الخارجية المقومة بالدولار، مؤكدا أن الإشكالية الأكبر لهذه الدول هي الفوائد المركبة على أصل الدين.
وقال في حديثه مع "عربي21": إن المديونية الخارجية للسودان - على سبيل المثال- تبلغ حاليا 60 مليار دولار، منها 18 مليار دولار هي أصل الدين الخارجي والباقي (أي نحو 42 مليار دولار) فوائد وجزاءات تأخير سداد الدين.
وأوضح الناير أن أي تشديد في السياسة النقدية الأمريكية سيؤثر سلبا على الدول ذات المستويات المرتفعة من الديون بالدولار، خاصة بالنسبة للدول التي تجاوزت فيها المديونية الخارجية حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وتابع: حجم الدين الخارجي للسودان بعد انهيار قيمة الجنيه السوداني ارتفع بما يعادل 400 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 14 مليار دولار، لافتا إلى أن الدين الخارجي للسودان ارتفع في شباط/فبراير 2021 من 3.5 تريليونات جنيه إلى 24 تريليون جنيه بعد قرار تخفيض العملة المحلية وتراجعها من مستوى 55 جنيها إلى 450 جنيها للدولار الواحد.
وحول مدى تأثير قرار رفع سعر الفائدة الأمريكية على الدول ذات المديونية المرتفعة بالدولار، قال الناير إن حجم التأثير يتوقف على حجم احتياطي النقد الأجنبي لكل دولة، والقيمة التي يشكلها الدولار لهذا الاحتياطي.
وأضاف: "الدول التي تعتمد على التمويلات الخارجية، وخاصة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي أو ما يسمى بالأموال الساخنة، قد تتعرض لضغوط مالية كبيرة حال خروج هذه الأموال من هذه الدول بحثا عن أسعار فائدة أعلى".
ودعا الناير الدول ذات المستويات المرتفعة من الديون إلى ضرورة التنسيق بين سياساتها النقدية والمالية لإيجاد حلول عاجلة والخروج بأقل الخسائر الممكنة.
"تدهور مالي"
ومن جانبه، توقع المحلل الروسي، ألكسندر نازاروف، أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى أزمة ديون في البلدان التي ترزح تحت وطأة الديون المرتفعة.
وقال في مقال له بموقع "روسيا اليوم": "إذا كان لدى تلك البلدان، في الوقت نفسه، ميزان تجاري ومدفوعات سلبي، فإن انخفاض تدفق العملة الصعبة إلى الدولة، إلى جانب زيادة تدفق العملة الصعبة منها، يمكن أن يتسبب في أزمة عملة، وانخفاض قيمة العملة المحلية".
وأكد المحلل الروسي، أن الدول العربية، باستثناء دول الخليج الغنية، على حافة تدهور كبير في وضعها المالي، بالتالي مستوى معيشتها. ومن المرجح أن يؤدي ذلك أيضا إلى اضطرابات سياسية هذا العام.
وعادة ما ينعكس ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على مؤشرات الاقتصاد العالمي، ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر الدولار أمام العملات الرئيسية وكذلك عوائد السندات الأمريكية، كما تتأثر البورصات العالمية سلبا وقد تتعرض لخسائر كبيرة.