أثارت الهجمات الصاروخية المتكررة ضد معسكر "
زليكان"
التركي في ناحية بعشيقة التابعة لقضاء الموصل بمحافظة نينوى
العراقية، تساؤلات عدة
بخصوص مستقبل هذه القوات في الداخل العراقي، وما إذا كان القصف سيعزز من وجودها أم
يدفعها للانسحاب.
وخلال شهر واحد تعرض المعسكر التركي في العراق إلى هجومين
صاروخيين، كان آخرهما الأحد، بخمسة صواريخ نوع غراد، لكنهما لم يسفرا عن أية إصابات في
صفوف القوات التركية، بحسب ما ذكرت مواقع عراقية.
تواجد استراتيجي
من جهته، قال الخبير العسكري والمستشار السابق في وزارة الدفاع
العراقية، معن الجبوري، في حديث لـ"عربي21" إن "الوجود التركي في شمال
العراق وجود استراتيجي، وتركيا تعلم أنها تتعرض لانتقادات واحتجاجات حتى على
المستوى الدبلوماسي".
وأضاف الجبوري أن "
تركيا تعلم جيدا أن هناك أحزابا وفصائل
مسلحة في العراق تعارض هذا الوجود، وقد تستعمل السلاح ضدها، وهو أمر متوقع ولا يشكل
مفاجأة بالنسبة للقوات التركية، لذلك فإن عملية الانسحاب مستبعدة في الوقت الحاضر على أقل
تقدير".
وعزا احتمالية عدم الانسحاب التركي إلى "سخونة المنطقة،
إضافة إلى أن حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) فاعل ويعمل بشكل نشط جدا ضد القوات
التركية، كما أن هناك فصائل مسلحة في الداخل العراقي معارضة وتعمل على إخراجهم بالسلاح،
فالوضع الإقليمي والدولي مهم بالنسبة لتركيا، فكما أن لها وجودا في سوريا لها كذلك وجود في العراق".
وتابع الجبوري: "كل هذه الظروف تصب في صالح أن الوجود
العسكري التركي في العراق ليس تكتيكيا، وإنما هو ذو بعد استراتيجي، وإن تركيا تحاول من
خلال ذلك أن تفرض وجودها الإقليمي كلاعب أساسي في المنطقة".
ورجح الخبير العسكري العراقي تصاعد الهجمات، وقال:
"محتمل جدا أن تتصاعد هذه الهجمات ضد القوات التركية في العراق، لأن حزب العمال
الكردستاني فاعل، وكذلك أحزاب وقوى معارضة للوجود التركي من دون وجود اتفاق بينهما،
لكن هناك فائدة للطرفين في أن تستمر هذه الهجمات والاعتراضات على الوجود التركي".
ونوه الجبوري إلى أن "وجود تركيا العسكري حاليا في مناطق
حدودية ساخنة بين العراق وسوريا وتمثل مسرح عمليات ضد الأمن القومي التركي، لذلك فإن هذه القوات لن
تنسحب في الوقت الحاضر فهي تمثل وجودا استراتيجيا بالنسبة للجانب التركي".
"ساحة تنافس"
وفي السياق ذاته، رأى الخبير بالشأن التركي، محمود علوش،
أن "التواجد العسكري التركي في العراق مهم لأنقرة في إطار حربها على حزب العمال
الكردستاني (بي كا كا)".
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن "مثل هذه الهجمات
تدفع تركيا إلى تحصين هذا التواجد"، مشيرا إلى أن "إخلاء هذه القواعد في
العراق ليس مطروحا ضمن الحسابات التركية في المستقبل المنظور".
وتابع: "كما تعلمون، فإن شمال العراق يشكل ساحة تنافس رئيسية
بين تركيا وإيران في الإقليم. وهذا التنافس يبرز بين الفينة والأخرى بشكل مُعلن من
خلال التوترات بين سفراء البلدين في بغداد".
ولفت علوش إلى أن "الإيرانيين يسعون لتعزيز حضورهم في
شمال العراق، وفي سنجار على وجه التحديد بالنّظر إلى أهميتها في إطار مشروعهم لإنشاء
ممر بري نحو المتوسط.. تواجد تركيا في هذه المنطقة يُشكل عقبة رئيسية في وجه المشروع
الإيراني".
وأكد الخبير في الشأن التركي أن "هناك تعاونا واضحا بين
مليشيات الحشد الشعبي وبين حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. والإيرانيون يستخدمون
ورقة حزب العمال لإضعاف الدور التركي في هذه المنطقة وهذا الأمر يُثير غضب تركيا على
نحو متزايد".
"تنفيس اعتباري"
وعلى الصعيد ذاته، رأى الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي،
مهند الجنابي، في تغريدة على "تويتر"، الاثنين، أن "هذه العملية (قصف
المعسكر التركي) هي تنفيس اعتباري في ذكرى حادثة المطار باتجاه هدف لا يتوقع منه رد
فعل قاس كما لو كان على الأهداف الأمريكية".
وجاء الهجوم الصاروخي على قاعدة "زليكان" التركية
بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني،
ونائب رئيس الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، اللذين قتلا بطائرة أمريكية مسيرة قرب مطار
بغداد الدولي في 2 كانون الثاني/ يناير 2020.
وتداول ناشطون أتراك وعراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي،
الاثنين، مقطعا مصورا يظهر لحظة إطلاق الصواريخ على معسكر "زليكان" من مكان
على مشارف منطقة بعشيقة في الموصل.
وفي الوقت الذي لم يصدر أي تصريح من الجانب التركي عن الهجوم،
فإن مصدرا أمنيا عراقيا أعلن الاثنين، العثور في منطقة بعشيقة على عجلة محترقة بالكامل
مثبت عليها منصة الصواريخ التي استهدفت معسكر "زليكان".
وسبق أن طلبت مليشيات عراقية موالية لإيران بضرورة خروج القوات
التركية من بعشيقة، وهددت بقصفها إذا لم تفعل، إضافة إلى أن لحزب العمال الكردستاني
موطئ قدم في مدينة الموصل، من خلال سيطرته على منطقة سنجار الاستراتيجية.
يشار إلى أن معسكر "زليكان" تأسس عام 2014 عقب
اجتياح تنظيم الدولة للأراضي العراقية وسيطرته على محافظة نينوى (مركزها الموصل)، حيث
طلب الجانب العراقي من أنقرة إرسال قوات تركية مهمتها تدريب متطوعين من أبناء الموصل
لاستعادة المدينة من التنظيم.