آراء ثقافية

فيلم أوسلو.. ما أجمل الصهاينة!

يقول الكاتب إنه "من المفارقات المضحكة في الفيلم أنه لا يرى شيئا من الواقع"- جيتي
يقول الكاتب إنه "من المفارقات المضحكة في الفيلم أنه لا يرى شيئا من الواقع"- جيتي

ثمة كثير من الملل والانزعاج تكبدته وأنا أشاهد فيلم "أوسلو"، الصادر في أيار/مايو 2021. على أن هذا الانزعاج لم يكن، في تقديري، راجعا لجرعة العنصرية الكامنة ضد الفلسطينيين، والمحاولات المستميتة لإظهار الفيلم؛ باعتباره عملا فنيا محايدا، بينما هو في الحقيقة يكاد يحتوي مقولات الصهيونية كلها.. لم يكن انزعاجي لهذه الأسباب فحسب، بل ثمة أسباب أخرى فنية بحتة، تجعل الفيلم شديد الركاكة.


أتصور أن من التبعات الفنية للعنصرية أن صانع العمل يجد نفسه منذ البداية مضطرا لافتعال واقع زائف ومنحاز لما تمليه عليه عنصريته، بغض النظر عن العلاقات الحقيقية بين البشر. هذا بالطبع يضرب العمل الفني في مقتل؛ لأنه يجبر صانع العمل على اختراع علاقات غير صادقة بدافع من الانحيازات الشخصية. لتوضيح ذلك، يمكنني تصور مخرج عنصري يصنع فيلما يصوّر البيض على أنهم الأخيار والسود على أنهم الأشرار. لن تكون المشكلة هنا أخلاقية فقط، بل ستكون في مدى افتعال تلك العلاقة بين البشر؛ لأننا جميعا نعلم أن بين هؤلاء وأولئك أخيار وأشرار. لذلك حين تطغى السياسة على الفن يصبح العمل الفني مملا، ركيكا، حتى لو وافق هوانا السياسي؛ لأن الغاية الطيبة لا تبرر رداءة العمل فنيا. لذلك أيضا خلدت الأعمال التي تسخر من الديكتاتورية وفي الوقت ذاته تستوفي معايير الجمال الفني.


هذا المدخل ضروري برأيي حتى أوضح موقفي من فيلم أوسلو.


منذ بدايته، وقع فيلم أوسلو في هذا النوع من الفخاخ؛ فخاخ التنميط العنصري الذي يعجز تماما عن رؤية الحقيقة الواقعية. منذ البداية بتصوير الاضطرابات السياسية والانتفاضة الفلسطينية على أنها أعمال عنف متبادل بين "نديْن" أو شعبين متكافئين في القوة والعنف. منذ اللحظة الأولى تسود لغة الخطاب الكاذب، الذي يروج لفكرة أننا شعبان متحاربان، غارقان في صراع ينتمي إلى الماضي، فلماذا لا ننظر إلى المستقبل بعين الأمل والتعاون والمحبة؟ وهو السؤال الذي يعجبني لو لم يسأله ذلك الصهيوني الذي وقف يقول لجارته الفلسطينية: إذا لم أسرق بيتك، سيأتي غيري ويسرقه.


سيكون هذا السؤال البريء مفعما بالأمل حقا لو أن الذين يطرحونه لا يبنون رؤيتهم للتعايش على كون البشر مختلفين باختلاف أديانهم، بحيث يكون للصهيوني حق في انتزاع بيت من بيوت الشيخ جراح، لمجرد أن مالكه عربي مسلم أو مسيحي حتى، ولمجرد أن سارقه يهودي صهيوني. لقد طرح مثقفون فلسطينيون مخلصون (محمود درويش مثلا) طروحات كثيرة تبحث عن نوع من التعايش الذي لا بد منه لإيقاف نزيف الدم، شريطة أن يبدأ من نقطة راسخة: بشر متساوون في الحقوق والواجبات، لا يمكن انتهاك حقوقهم الأساسية، فهل قبلت إسرائيل بأي طرح من هذا القبيل؟

 

هل قبلت إسرائيل بأي طرح من هذا القبيل؟


من المفارقات المضحكة في الفيلم، أنه لا يرى شيئا من الواقع، بل يتصور واقعا مفتعلا حد الإضحاك، مثلما يروج العنصريون البيض مثلا عن السود بأنهم مجرد وحوش مجرمة.. رغم أنهم يعيشون معهم على الأرض ذاتها. هكذا تختلق العنصرية علاقات وهمية وتصدقها. مثلا: حين يعرف وزير مالية منظمة التحرير الفلسطينية "أحمد قريع" بأنه سيلتقي بأستاذ اقتصاد إسرائيلي، يضطرب، يقول بأنه لم يلتق بإسرائيلي من قبل.


وحين يلتقي به، ويحرك الإسرائيلي يده في أثناء الكلام، يتراجع قريع مضطربا كأن محدثه سيقتله مثلا! لماذا لا يعلم صناع الفيلم أن الفلسطيني العادي يلتقي بإسرائيليين كثيرين لأنهم محتلو أرضه؛ يلتقيهم عند المعابر وفي نقاط التفتيش، والمباني الحكومية، والمطارات وغيرها، دون أن يرتعب الفلسطيني ويتراجع "مخضوضا" لأن يد رجل إسرائيلي تحركت أمامه! هذا بالتحديد ما أزعجني منذ البداية: كيف يصنع أحد فيلما عن فلسطين دون أن يعرف المعلومات البديهية والمعطيات اليومية في حياتهم؟


بالطبع، يتذاكى صناع الفيلم، يتصورون أنه من الممكن إقناع العالم أن الفلسطينيين مجرد همج منحطين، كلما اختلف مفاوض فلسطيني مع نظيره الإسرائيلي زعق فيه. وحين تناول مفاوض إسرائيلي عرفات بمزاح خفيف، هاج المفاوض الفلسطيني وأصر على ضربه! أما آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا، ويُقتلون، على الهوية، فلا نكاد نرى منهم أحدا في الفيلم. حتى لحظة مقتل فتى فلسطيني (لأنه يعتدي على جنود الاحتلال) حتى تلك اللحظة، لا يعرضها المخرج إلا بعيني جندي صهيوني رقيق القلب، ينظر بذهول نحو مكان سقوط الشهيد الفلسطيني، الذي لا تظهر جثته حتى، وبلا قطرة دم واحدة على شاشة المشهد!

 

يقسم الفيلم البشر إلى الأنواع التي يحبها ويكرهها


كما أن "حسن" مساعد المفاوض الفلسطيني، الشيوعي، رجل متجهم ذو شارب ثقيل وبنيان ضخم، حاد الملامح، سليط اللسان، عدواني، يقابله مساعد المفاوض الإسرائيلي، المبتسم دوما، طيب الملامح، سريع البديهة، والأهم: دائم التحمل لاعتداءات نظرائه الفلسطينيين الأوغاد. هكذا إذن!
في الفيلم اعتمد الكاتب والمخرج حيلا ضعيفة فنيا لإثارة مشاعر المشاهد. منها مثلا كثرة الزعيق وشدته، بلا مبرر، بالإضافة إلى قدر غريب من النظرات المصطنعة، التي تبدو نوعا من "الميكب" أكثر من كونها نظرات طبيعية للبشر. ثمة دراما أخرى تحاول خلق توتر بشكل غير مقنع. مثلا: يعرقل المفاوض الفلسطيني المفاوضات، فيخرج المفاوض الإسرائيلي غاضبا، ليجد حلا سحريا: يصطحب صاحب البيت وزوجته للرقص في مرآب البيت لتهدئة أعصابه، ثم يعود للمفاوضات متحملا سخافة هذين الفلسطينيين. أرأيت إذن كم هم إنسانيون ومحبون للفن هؤلاء الصهاينة؟!


من مظاهر ابتعاد الفيلم عن وقائع الحياة، واعتماده نهجا تنميطيا يقسم البشر إلى الأنواع التي يحبها ويكرهها، بناء مشهد كامل على حوار بين مفاوض فلسطيني وصهيوني، بحيث ينتهي الحوار إلى مصادفة مدهشة: كلاهما لديه طفلة اسمها مايا؛ هكذا يكتشفان في ذروة درامية مضحكة كيف أنهما شعب واحد ينبغي أن يعيش في سلام، أليس لابنتيْهما الاسم ذاته؟ أما الفارق الهائل في توزيع حقوق المواطنة بينهما، وأما حرمان أحدهما من كل شيء تقريبا ومنح الآخر كل شيء.. فهذا يبدو لصناع الفيلم أمرا هامشيا، لا نحتاجه في وقت تصفية الأجواء وفتح صفحة السلام الجديدة.


هذا الفيلم، بتقديري، نوع من البروباجندا الصهيونية، كما أنه ضعيف فني، مليء بالزعيق والنظرات المتشنجة، والمضحكة في آن معا!

التعليقات (3)
نسيت إسمي
السبت، 01-01-2022 09:00 م
1 ‏اجمل حكمتين لاتشتكي من الايام فليس لها بديل ولاتبكي على الدنيا مادام آخرها الرحيل ‏2 ـ 1907 ميلادي ‏اجتمعت سبع الدول الأوروبية ‏القوية في وقتها بدعوة من بريطانيا وكان الاجتماع المشؤوم وزع وزير خارجية بريطانيا خوارط للدول العربية وقال لهم سقوط ‏إمبراطورية اتكم ‏وبقى ها في هذه الدول وكان من ضمن الشروط في الخرائط زرع كيان غريب يفصل شرق العرب عن مغربها وجعلها دايماً دول ‏مضطربة ومتخلفة . 3 ـ حين كان نيلسون مانديلا يدرس الحقوق في الجامعه كان احد الاساتذه اسمه بيتر وهو اسود البشره يكرهه بشده في يوم من الايام كان الاستاذ بيتر يتناول الغداء في مقصف الجامعه فاقترب منه نيلسون مانديلا حاملا طعامه وجلس بقربه فقال له الاستاذ بيتر يبدو انك لاتفهم ياسيد مانديلا ان الخنزير والطير لايجلسان معا لياكلا الطعام نظر اليه مانديلا واجابه بهدوء ،، { لاتقلق يآستاذ فساطير بعيدا عنك } ثم ذهب وجلس على طاوله اخرى لم يتحمل الاستاذ جواب مانديلا فقرر الانتقام منه ،، في اليوم التالي طرح الاستاذ بيتر في الصف سوالا على مانديلا سيد مانديلا اذا كنت تمشي في الطريق ووجدت صندوقآ وداخل هذا الصندوق كيسين الكيس الاول فيه المال والكيس الثاني فيه الحكمه اي كيس تختار : من دون تردد اجابه مانديلا طبعآ ساخذ كيس المال ابتسم الاستاذ وقال ساخرا منه لو كنت مكانك لاخذت كيس الحكمه بكل برود جاوبه مانديلا : كل واحد ياخذ مايحتاجه ،، في هذه الاثناء كان الاستاذ بيتر يستشيطُ غضبآ وحقدا لدرجهً انه كتب على ورقهً الامتحان الخاصه بمانديلا " غبي " واعطاهآ له اخذ مانديلا ورقهً الامتحان وكان يحاول ان يبقى هادءآ جالسا على طارلته بعد بضع دقائق ،، وقف مانديلا واتجه نحو الاستاذ قال له : بنبره مهذبه استاذ بيتر لقد وقعت على الورقه لكنك لم تضع لي اي علامه ؟! .
نسيت إسمي
الأربعاء، 29-12-2021 08:18 م
'' من تأملات الفائز بجائزة السلام '' الأبرثايد : التمييز العنصري ، هو شر و شراسة و ستفشل الحكومات تماما لأنها تقف إلى جانب الشر و الظلم و القمع . " من كتاب الأمل و المعانات " و يعرف عن " توتو " تأييده للقضية الفلسطنية ، و رفضه الحرب على العراق ، و شيطنة الدين الإسلامي . أول عميد أنجليكاني بجنوب إفريقيا .
نسيت إسمي
الأربعاء، 29-12-2021 07:42 م
تخطر ببال المرء ثلاث أفكار أثناء مشاهدة فيلم The Ambassador: ما الذي يمكن أن يجبر أساطير مثل ميتشوم وهدسون وبيرستين على الظهور في مثل هذه الخبث المفلسة أخلاقياً وفنياً؟ ما الذي يمكن أن يجبر المرء على مشاهدة مثل هذه الخبث المفلسة أخلاقياً وفنياً؟ هل يمكن أن يكون J. Lee Thompson هو المدير المسؤول عن فيلم Cape Fear الأصلي؟ تهم فقط المعجبين المتشددين للممثلين المذكورين أعلاه ، وأولئك المهتمين باستكشاف تاريخ السينما الأمريكية المخزي في شيطنة و رسم صور نمطية عن العرب بالجنس و العنف . السفير يحاول سفير أمريكي في إسرائيل إحلال السلام في نزاع الشرق الأوسط بأساليب غير تقليدية ، لكن جهوده تعرقل في كل منعطف وتهدد حياته الشخصية.خلال الثمانينيات ، صنعت شركة كاننون فيلمس العديد من الأفلام ... أحيانًا مع ممثلين مشهورين فيها. لكنهم جميعًا كان لديهم شيء واحد مشترك ... لم يكونوا دقيقين تمامًا! لذا ، إذا كنتم تريدون الانفجارات ، والقليل من الجنس والعنف ، فقد كانت هذه هي الاستوديوهات المفضلة في تلك الحقبة. نتيجة لذلك ، عندما رأيت أنهم صنعوا فيلم إمباسسادور ، لم أكن سعيدًا بفكرة مشاهدة الفيلم. لقد شاهدته فقط لأن روبرت ميتشوم وروك هدسون (في إصداره المسرحي الأخير) كانا مقتنعين بطريقة ما بالتمثيل في الفيلم.تبدأ القصة بلقاء السفير (ميتشوم) ومجموعة من الفلسطينيين في الصحراء. يريد التحدث عن السلام ... لكن قبل بدء الاجتماع ، هاجمت مروحية ... الجميع ما عدا السفير وحارسه الشخصي (هدسون). من يقف وراء الهجوم غير واضح.قريباً ، يتلقى السفير مكالمة هاتفية. يشير بعض الأشخاص المجهولين إلى أن لديهم لقطات فيلم لزوجة السفير (إلين بورستين) تربطها علاقات حميمة للغاية مع رجل آخر ... فلسطيني له صلات بمنظمة التحرير الفلسطينية. وما لم يتقاضوا مليون دولار ، فإنهم يقولون إنهم سينشرون الفيلم. يأمرهم السفير بالمضي قدمًا ونشره ... لن يدفع. لكن حارسه الشخصي يريد التحقيق في الأمر بنفسه. ما يلي هو محاولة لاغتيال السفير والعديد من الأشياء الأخرى ... مثل المجزرة والكثير من العنف.على الجانب الإيجابي ، تم تصوير الفيلم بالفعل في إسرائيل ... وهذا ليس مفاجئًا تمامًا بالنظر إلى أن المنتجين (مناحم جولان ويورام جلوبس) كانوا إسرائيليين. أيضًا ، بالنسبة لامرأة في الخمسينيات من عمرها ، تتمتع السيدة بورستين بشخصية مذهلة ولا بد أن مشاهدها العارية قد أسعدتها! بالإضافة إلى ذلك ، كانت شخصية روچك حودسون رائعة جدًا ... نوعًا ما مثل طيرميناتور! من الناحية السلبية ، يبدو حل الفيلم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وردود فعل الطلاب مبسّطًا إلى حد ما. أيضًا ، بينما تحتوي القصة على بعض عناصر القصة المثيرة للاهتمام ، مثل منتج جولان جلوبوس ، هناك أيضًا حمامات دم ضخمة تأتي على أنها غير مبررة ومدمرة. بشكل عام ، السيئة تفوق قليلاً على الخير والفيلم ، الذي كان يحتوي على بعض الأفكار الرائعة ، يحصل على علاج كاننون فيلمس الكامل.يلعب روبرت ميتشوم دور السفير وفي هذه الحالة هو السفير الأمريكي في إسرائيل. لديه فكرة في رأسه مفادها أنه إذا تمكن من إجراء حوار بين الطلاب العرب والإسرائيليين ، فقد يؤدي ذلك إلى السلام في نهاية المطاف. بالطبع هناك قوى خبيثة من كل الأطراف لا تريد أن يحدث ذلك.لكن هذه ليست مشكلة ميتشوم الوحيدة. دخلت زوجته إلين بورستين في علاقة حب مع عربي ، يلعبها فابيو تيستي ، الذي تبين أنه أحد كبار الشخصيات في منظمة التحرير . وسرعان ما تم الكشف عن أن حبيب الزوجة قد تكون له روابط إرهابية بنفسه.