كتاب عربي 21

عشية بدء عام ميلادي جديد: "السلم الأهلي" الكنز الذي نبحث عنه جميعا

قاسم قصير
1300x600
1300x600
أيام قليلة ويبدأ عام ميلادي جديد بعد انتهاء العام 2021، والذي حمل للشعوب العربية الكثير من الخيبات والمآسي وأعادنا إلى الوراء سنوات كثيرة، بعد أن حلمنا بالديمقراطية والحرية والتنمية والأمان والاستقرار.

فأينما تطلع المراقب إلى العالم العربي لا يلحظ سوى المزيد من التقهقر على صعيد الاستقرار والسلم الأهلي والحريات وقيام الدولة العادلة.

فالتجربة الديمقراطية في تونس تواجه اليوم تحديات كبيرة بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، وقد أطاح بإنجازات هذه التجربة بحجة التعثر في العملية السياسية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، لكنه في المقابل لم يقدم الحلول المناسبة للأزمة، بل يأخذ البلاد إلى حكم فردي، وهناك مخاوف كثيرة من العودة إلى ما قبل الثورة الشعبية في العام 2010، وإن كان الرهان على دور القوى الديمقراطية والنقابية في حماية هذه التجربة وحماية الاستقرار والسلم الأهلي.
التجربة الديمقراطية في تونس تواجه اليوم تحديات كبيرة بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، وقد أطاح بإنجازات هذه التجربة بحجة التعثر في العملية السياسية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، لكنه في المقابل لم يقدم الحلول المناسبة للأزمة، بل يأخذ البلاد إلى حكم فردي

وفي ليبيا تم تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى موعد لم يحدد، والتي كان يؤمل أن تدخل البلاد إلى مرحلة استقرار نسبية بعد التوافقات التي جرت في الأشهر الماضية. ومن غير الواضح أي مسار ستسلكه الأوضاع هناك في ظل التوترات السياسية والأمنية والخلاف حول عودة سيف الإسلام القذافي، والذي يعيدنا إلى مرحلة ما قبل سقوط القذافي الأب.

وفي السودان الصراع محتدم بسبب الانقلاب الأخير، وعدم قدرة رئيس الحكومة الحالي على ضبط الأوضاع وحماية المكتسبات الشعبية بعد تغيير النظام السابق، والضحايا يتساقطون برصاص الجيش والقوى الأمنية، ومصير البلاد نحو المجهول.

وأما لبنان فهو لا يزال يمر بأزمة سياسية واقتصادية ومعيشية ومالية صعبة، وقد أصبح عدد الفقراء حوالي 80 في المائة من سكانه، وهناك مخاوف كثيرة على مستقبل البلاد رغم استمرار الاستقرار الأمني نسبيا، لكن التحديات كثيرة والمخاوف عديدة، والجميع يبحثون عن حلول وتقديم الأفكار لمستقبل البلاد دون الاتفاق على رؤية موحدة.

وفي العراق لا تزال نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة تترك آثارها السلبية على الواقع السياسي والأمني بسبب الخلاف حولها، رغم رفض المحكمة العليا للطعن بها والجهود المبذولة للتوصل إلى تفاهمات سياسية للتعاطي مع المرحلة المقبلة، والخوف الأكبر من عودة تنظيم داعش إلى التحرك عبر التفجيرات والهجمات في مختلف المناطق.

وأما سوريا فرغم الاستقرار الأمني النسبي فهي تواجه الضربات الاسرائيلية بشكل مستمر، ولم يتم التوصل إلى حلول شاملة للأزمة السياسية والأمنية، والبلاد تواجه أزمات اقتصادية ومعيشية صعبة.

والصراع في اليمن مستمر دون التوصل إلى حلول سياسية مما ينعكس سلبا على كل دول المنطقة، فيما تواجه بقية دول العالم العربي أزمات مختلفة، وبعضها يتجه نحو التطبيع مع العدو الصهيوني للتغطية على أزماته الداخلية.

والسجون العربية مليئة بالمعتقلين السياسيين والشعب العربي مخيّر دوما: إما القبول بالنظام الديكتاتوري والقمع، أو الذهاب إلى الفوضى والحروب الأهلية والصراعات الإقليمية والدولية.
يشكل البحث عن السلم الأهلي والاستقرار السياسي وقيام دولة المواطنة وتحقيق التنمية أبرز الاهداف التي يسعى إليها الإنسان العربي اليوم، وهذا ما يدفعه أحيانا إلى ترك هذه البلاد والهجرة إلى عالم آخر؛ ولو ادت الهجرة أحيانا إلى السقوط في براثن الموت والغرق في البحار

لا يعني ذلك عدم وجود نقاط ضوء، ومنها مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني وسعي بعض الدول العربية لتحقيق بعض التقدم والإنجازات الاقتصادية والتنموية، لكن الصورة العامة في الواقع العربي لا تبشر بالخير.

على ضوء كل ذلك يشكل البحث عن السلم الأهلي والاستقرار السياسي وقيام دولة المواطنة وتحقيق التنمية أبرز الاهداف التي يسعى إليها الإنسان العربي اليوم، وهذا ما يدفعه أحيانا إلى ترك هذه البلاد والهجرة إلى عالم آخر؛ ولو ادت الهجرة أحيانا إلى السقوط في براثن الموت والغرق في البحار الممتدة حول عالمنا العربي.

والبحث عن السلم الأهلي والاستقرار كان محور ورشة حوارية نظمها مؤخرا في بيروت منتدى التنمية والثقافة والحوار، بالتعاون مع جمعية الأمل العراقية ومؤسسة دان ميشين الدانماركية وبدعم من الاتحاد الاوروبي. وهذه الورشة كانت الحلقة الأخيرة في سلسلة ورشات ونشاطات نظمها المنتدى طيلة سنوات سابقة، وكانت تهدف لدراسة الأوضاع العربية وكيفية مواجهة الصراعات والعنف، وتعزيز السلم الأهلي بعد الحروب المتنوعة.

في هذه الورشة المهمة، والتي تضمنت محاضرات متنوعة حول السلم الأهلي ودور الشباب والإعلام وأهمية الوسطية والاعتدال وكيفية مواجهة الإرهاب والعنف والتطرف، قدّم الوزير اللبناني السابق ديميانوس قطّار محاضرة مهمة حول مفهوم السلم الأهلي الذي نصبو إليه جميعا. وقد ربط بين مفهوم السلم الأهلي وعلاقته بالدولة ومكونات المجتمع والنزاعات التي نشهدها بسبب التنوع والصراع على المصالح، وعلاقة كل ذلك بالدين والآليات التي يمكن أن تعتمد من أجل تحقيق السلم الأهلي والاستقرار عبر قيام معادلة ذهبية قائمة على إدارة التنوع وتأمين حاجات الإنسان الأساسية وحماية الديمقراطية. وتلك هي مهمة الدولة القادرة على أن تكون حديقة متنوعة ومحفّزة للمجتمع كي يقدّم أفضل ما عنده من إبداعات وعطاءات، وكل ذلك يحقق الاستقرار المطلوب في المجتمع.

ويعتبر قطّار أن السلم الأهلي لا يتحقق فقط بالأمن أو بالقوة، بل هو حركة ديناميكية مستمرة وعمل متطور تشارك فيه كل مكونات المجتمع، وبإشراف الدولة ورعايتها المستمرة من خلال تأمين الآليات المطلوبة للحكم والادارة والنظام.
يبدو أن مسيرة السلم الأهلي في بلادنا العربية ستكون طويلة، وسنحتاج إلى أعوام أخرى للوصول إلى هذا الكنز الجميل الذي نبحث عنه جميعا سواء في العام القادم أو الأعوام المقبلة، وعلى أمل أن نحقق بعضا مما نسعى إليه

وقد عرض قطّار للاسباب التي تمنع تحقيق السلم الأهلي في عالمنا العربي ومنها: ضعف الوعي حول القضايا الوطنية، وغياب دور الإعلام الفاعل، والدور السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، وطغيان الانتماءات الطائفية والمذهبية داخل كل قطر، وانتشار خطاب الكراهية، وغياب المحاسبة والمساءلة، وانتشار العنف المجتمعي والسياسي، وعدم قيام الأحزاب الوطنية بدورها الفاعل في حماية السلم الأهلي.

هذه بعض الأفكار والطروحات التي نوقشت خلال هذه الورشة المهمة، وقد جرى في ختامها وضع توصيات وأفكار عملية من أجل العمل على تحقيقها للمساهمة في نشر الوعي حول السلم الأهلي والحفاظ عليه.

ويبدو أن مسيرة السلم الأهلي في بلادنا العربية ستكون طويلة، وسنحتاج إلى أعوام أخرى للوصول إلى هذا الكنز الجميل الذي نبحث عنه جميعا سواء في العام القادم أو الأعوام المقبلة، وعلى أمل أن نحقق بعضا مما نسعى إليه.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (0)