هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مسار التفاعل الشعبي
تناولنا في هذه السلسلة تفاعل الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية مع المسجد الأقصى في عام 2021، ويظل التفاعل الشعبي جزءاً أساسياً من عملية قياس حجم المسجد الأقصى في وجدان الشعوب العربية والإسلامية، ودوره في تحريكهم نصرة لقضاياه ودفاعاً عنه.
وعلى الرغم مما تعانيه الشعوب العربية والإسلامية، بقي تفاعلها مع مجريات الأحداث في القدس والأقصى أكثر قرباً من الواجبات المفروضة على كاهلهم، وهو تفاعل يتمايز عن التفاعل الرسمي بأنه ينطلق من وجدان الشعوب العربية والإسلامية، ولا تكمن خلفه أي مصالح سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية، بل يشكل المسجد الأقصى أبرز ميادين تفاعل الشعوب العربية والإسلامية مع قضايا فلسطين، وواحداً من القضايا التي تنعكس على نمط تفاعل الشارع العربي والإسلامي، بل وتستطيع تحريكه جماهيرياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
بالتزامن مع انطلاق الهبة الفلسطينية الشاملة ومعركة "سيف القدس"، خرجت في العديد من المدن العربية والإسلامية مظاهرات احتجاجية منددة بالاعتداءات على المسجد الأقصى والقدس وأهلها، ورافضة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان التفاعل الشعبي الأردني مع تطورات الأحداث، نتيجة معركة "سيف القدس" بارزاً، فقد استمرت التظاهرات والاعتصامات ووقفات التضامن خلال العدوان الصهيوني، نصرة للشعب الفلسطيني، ودعماً لصموده في وجه الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والانتهاكات المستمرة بحقّ الفلسطينيين في القدس، ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى المبارك. وأبرز تلك التحركات كانت التي أقيمت يومي الجمعة 14 أيار/ مايو 2021، والجمعة 21 أيار/ مايو 2021، إذ شارك عشرات آلاف الأردنيين في التظاهرات التي كان بعضها على الحدود الأردنية الفلسطينية.
أما الساحة اللبنانية، التي يعيش فيها عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، فقد تفاعل الشارعان اللبناني والفلسطيني مع تطورات معركة "سيف القدس"، وانطلقت تظاهرات في مختلف الأراضي اللبنانية، ونُظِّمت وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وللتنديد بالانتهاكات الصهيونية بحقّ المسجد الأقصى والقدس وقطاع غزة؛ غير أن الحدثين البارزين كانا التظاهرات التي انطلقت نحو الحدود مع فلسطين والتي أسفرت عن استشهاد مواطن لبناني، وإطلاق الصواريخ من داخل الأراضي اللبنانية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وخرجت في عدة مدن عربية مظاهرات احتجاجية ضدّ العدوان، وطالب المحتجون بوقف إطلاق النار. فقد شهدت نحو 50 مدينة مغربية تظاهرات دعماً للفلسطينيين، واستنكاراً لاعتداءات الاحتلال، وتميزت بمشاركة كثيفة لمختلف الأطياف السياسية والحقوقية والنقابية، والعديد من المواطنين من مختلف الأعمار، رجالاً ونساء وأطفالاً.
وفي تونس، تظاهر الآلاف تعبيراً عن الدعم للفلسطينيين، مطالبين بالمصادقة على قانون "يجرّم" التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتظاهر الآلاف من الموريتانيين في شوارع العاصمة نواكشوط، والآلاف من اليمنيين في العاصمة صنعاء و13 ساحة أخرى في مدن يمنية مختلفة، لمساندة المقاومة الفلسطينية ومؤازرة صمودها، وتنديداً بالجرائم المرتكبة بحقّ الشعب الفلسطيني. وتظاهر الآلاف في مدن وعواصم عربية تضامناً مع الفلسطينيين وأهل غزة، بعد ساعات قليلة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال حيز التنفيذ.
وتحت شعار "فلسطين تنتفض"، شارك نحو 10 آلاف شخص من القطريين والجاليات العربية والإسلامية في العاصمة الدوحة في مهرجان تضامني حاشد، نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 15 أيار/ مايو 2021، للتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل، وللتنديد باستمرار العدوان الإسرائيلي الدامي على القدس وقطاع غزة، بمشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وفي الكويت، تصاعدت موجة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وأطلقت الجمعيات الخيرية الكويتية حملات للتبرع لمصلحة قطاع غزة، فضلاً عن إضاءة أبراج الكويت بأعلام فلسطين، وقيام تظاهرات حاشدة، دعماً لفلسطين، وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وفي 21 أيار/ مايو 2021، أعلنت الكويت بدء انطلاق حملة إغاثة شعبية عاجلة لمصلحة الشعب الفلسطيني، تستمر شهراً، وتسعى إلى جمع 100 مليون دولار، وسط دعوات للمشاركة فيها. ونظمت قوى سياسية كويتية اعتصاماً تضامنياً مع فلسطين في ساحة الإرادة الواقعة قبالة مجلس الأمة الكويتي.
وكانت تركيا من أكثر الدول التي شهدت كثير من مدنها تنظيم فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وتنديداً بالعدوان الصهيوني.
وشهدت العاصمة الإيرانية طهران تجمعاً يندد بالاعتداءات والجرائم الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني، وشاركت مجموعات طلابية في المظاهرة. ورفع المتظاهرون شعارات تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة والاعتداءات الإسرائيلية في القدس والأقصى.
وفي إندونيسيا، نظّم التحالف الإندونيسي لنصرة بيت المقدس برنامجاً شارك فيه نحو ألف مسجد وعشرات المنظمات والجمعيات، نصرة للمسجد الأقصى وقطاع غزة. وقد أصدر المشاركون "إعلان إندونيسيا لإنقاذ المسجد الأقصى وتحرير فلسطين"؛ حذروا فيه الاحتلال من المساس بالمسجد الأقصى، وطالبوا بوقف التوسع الاستيطاني، وإطلاق الأسرى الفلسطينيين وخصوصاً الأطفال، ودعا المشاركون إلى مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، واصفين التطبيع بأنه يستغل لمصلحة الاحتلال.
وفي الأشهر الماضية عاد التفاعل الشعبي من بوابتي التفاعل مع ما يجري في المسجد الأقصى، ومواجهة اتفاقيات التماهي الاقتصادي مع الاحتلال. ففي 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 جرت في العاصمة الأردنية عمّان فعاليات الملتقى الوطني لنصرة القدس والمقدسات "القدس.. عنوان التحرير"، بدعوةٍ من الهيئة الشعبية الأردنية للدفاع عن الأقصى والمقدسات، وبيّن القائمون على الملتقى أنه محاولة لتوحيد طاقات الشعب الأردني، ومختلف الفعاليات الوطنية والشعبية والحزبية في الأردن، تحت عنوان الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.
وفي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 تظاهر آلاف الأردنيين رفضاً لاتفاق إعلان النوايا الذي وقعته الحكومة الأردنية مع الإمارات ودولة الاحتلال، والذي يقضي بتقديم الكهرباء لدولة الاحتلال في مقابل الحصول منها على المياه المحلاة.
وفي سياق تسليط الضوء على التفاعل الشعبي الجامع لأطياف الأمة المختلفة، انعقدت في مدينة إسطنبول التركية في أوائل شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021؛ فعاليات المؤتمر الدولي "ملتقى رواد بيت المقدس الثاني عشر"، تحت عنوان "رواد القدس يحملون سيفها"، ونظمه الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، وشارك فيه مئات الشخصيات والهيئات والمؤسسات العاملة لقضية القدس وفلسطين في الدول العربية والإسلامية، وتضمن العديد من الفعاليات والندوات التي تسلط الضوء على ما يجري في فلسطين عامة وفي القدس والأقصى بشكلٍ خاص.
أخيراً، وعلى الرغم من المروحة الواسعة من التفاعل التي غطاها المقال، إلا أن طابع "الفعل ورد الفعل" كان الحاكم الرئيس على هذا التفاعل، أي أن تفاعل الشعوب العربية والإسلامية مرتبط بالأحداث الجارية في القدس والأقصى، يتصاعد عندما تتصاعد المخاطر والاعتداءات، ويتراجع على إثر تراجعها، أو خفتت التغطية الإعلامية لها، ما يجعل هذا التفاعل وعلى الرغم من حجمه ودوره واتساعه، محكوماً بظروف ميدانية قائمة في البلدان العربية والإسلامية من جهة، وبحجم المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك من جهةٍ أخرى.
وعلى الرغم من وجود حالةٍ من التفاعل، تحاول أن تكون بعيدة عن حالة التذبذب هذه، فإنها حالة "نخبوية" بعيدةٌ إلى حد ما من الجماهير العربية والإسلامية، فهي تستطيع جمع نخب مختلفة من الأمة، علماء وقادة أحزاب ومفكرين، ولكنها قاصرة - بسبب ظروف موضوعية كثيرة وقصورٍ ذاتي - عن الوصول إلى الطيف العريض من الأمة، لتُسهم في تحريكه وبناء حالة تفاعل دائمة لا ترتبط بالأحداث، بل تستفيد منها لرفع حجم التفاعل المباشر على أرض الواقع، وعدم حصره في وسائل التواصل الاجتماعي فقط، وهي قضية أظن أنها تحتاج إلى المزيد من البحث والتمحيص.