قضايا وآراء

وللأسف فشل المصريون مرة أخرى.. هل نقول كالعادة؟؟

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600
منذ عدة أيام قليلة انتهى مؤتمر الديمقراطية الذي تم الإعلان عنه خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن العام الماضي، وتمت دعوة مائة دولة ومنظمة دولية. وكان المجلس الثوري المصري قد أعلن عن مبادرة من خلال إصدار نداء الحرية والديمقراطية يطالب بإجراء انتخابات حرة في مصر وتحت إشراف دولي.

وفي العريضة التي طرحها المجلس لذلك النداء، دعا المصريين وغير المصريين، من عرب أو غير عرب ومن شتى بقاع الأرض ومسلمين وغير مسلمين وكل من يرى أن الحرية هي الهدف الأساسي الذي يجب أن يحيا له الإنسان، للتوقيع على هذا النداء وذلك منذ عدة شهور.

وفي تقديري كانت هذه المبادرة هي المبادرة العملية الوحيدة التي قام بها المصريون منذ أحداث 2013 وسيطرة العسكر على مقاليد الحكم في مصر، وكان العمل المطلوب هو التوقيع على هذه العريضة من خلال الاسم والبريد الإلكتروني، ولكن للأسف لم يوقع على هذا النداء بعد أكثر من خمس شهور من إعلانه إلا عدد قليل لم يتجاوز الألفين، مع أنه كان من الممكن أن تكون تلك التوقيعات بالملايين، ولكن لم ينشغل المصريون بعمل قد يكون مفيدا وانشغلوا للأسف الشديد بأنفسهم.

منذ الحادي عشر من شباط/ فبراير عام 2011 وتنحي حسني مبارك عن الرئاسة، والمصريون بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم يمرون بفشل بعد فشل، بداية بموافقتهم على تولي المجلس العسكري إدارة البلاد ولم يتفقوا فيما بينهم على تشكيل مجلس رئاسي يدير البلاد حتى تتم الانتخابات. الفشل الثاني الانقسامات التي ظهرت بين طوائف الشعب؛ هذا قومي وهذا ليبرالي وهذا إسلامي وهذا قبطي وهذا.. وهذا.. واختفت روح الوحدة في الميدان والكل - أعني الكل - بدأ اللهث خلف الفتات والأماني التي يلقيها المجلس العسكري، وبدأ الجميع يلهث خلف الدعوات التي كان يوجهها المجلس ممثلا في الفريق سامي عنان، رئيس الأركان وقتها، للقوى السياسية المختلفة وللطوائف المتعددة، وحتى اللعب بالأعمار؛ فهذه اجتماعات للشباب وأخرى للكبار وهكذا، بهدف تفتيت الصف الواحد الذي كان موجودا وفوجئ به حسني مبارك وزمرته خلال أحداث 25 يناير، والذي لم يستمر لأكثر من أسبوعين. وبالتالي بدأت مراحل التراجع خطوة وراء أخرى وكل خطوة تنتهي بفشل لبدء خطوة أخرى تنتهي بفشل آخر وهكذا، والمجلس العسكري يستدرج كل قوة سياسية على حدة.

وكانت الطامة الكبرى والفشل الأكبر هو تغيير قرار الإخوان، وهم القوة الأكبر والأكثر خبرة سياسيا، بشأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية. وفي تقديري أن استدراج الإخوان لهذه الخطوة لم يقم به المجلس العسكري بمفرده، ولكن شاركت فيه قوى دولية سواء أمريكيه أو غيرها.

وقد كان القرار هو المشاركة في السلطة التشريعية والمحليات فقط، وعدم المشاركة في التنافس على رئاسة الدولة، وهذا كان سيجعل من الإخوان القوة الكبرى وعدم التنافس مع القوى الأخرى وبالتالي سيعمل الجميع على كسب ودهم. وحدث هذا عندما حاول عدد كبير من المتنافسين على الرئاسة كسب ودهم والحصول على تأييدهم. وهذا الموقف لم يوافق المخطط الداخلي أو الخارجي، فبدأت الرسائل بالترهيب والترغيب لدفعهم لتغيير القرار، سواء من خلال أن قرار حل مجلس الشعب موجود بالدرج أو الزيارات المتتالية من مسؤولين أجانب للتشجيع على المشاركة. وبالفعل تم تغيير القرار، وكان قرار المشاركة يعتبر فشلا كبيرا وقع فيه المصريون، لأنه دفع الأمة المصرية إلى السير في طريق لا رجعه فيه أو منه.

الفشل التالي كان في خلال العام الذي حكم فيه الدكتور محمد مرسي رحمه الله، بعد انتخابات حرة. وقد حاول رحمه الله أن يحقق للمصريين ولمصر نجاحات في المجالات المختلفة، من تعليم واقتصاد وصحة وغيرها من مجالات الدولة، وكان من المفترض أن يقف الشعب والمصريون جميعا لتحقيق مرحلة نجاح، ولكن يبدو أنه هيهات أن ينجح المصريون، ومن المستبعد أن يحققوا الهدف الذي كانوا يحلمون به خلال أحداث 25 يناير. وبدأت الصراعات، وبلا شك كان للعسكر دور في هذا التقسيم والصراعات التي تولدت عنه.

وبعد صدور الإعلان الدستوري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وهذا كان نوعا من الفشل، تم تأسيس جبهة الإنقاذ من تحالف ما يزيد عن 30 حزبا سياسيا لمواجهة حكم حزب الحرية والعدالة. واستمر الصراع حتى سقوط الحكومة المنتخبة في 30 حزيران/ يونيو 2013، وتم القبض على الرئيس وعلى عدد كبير من المصريين، تجاوز مائة ألف، بتهمة الانتماء لجماعة محظورة. وبالتالي انتهى الحلم الذي كان، واستفاق المصريون في مصر على فشل جديد ما يزالون يعيشون فيه حتى الآن.

ونتيجة هذا الفشل الداخلي سعى الكثيرون ومن توجهات مختلفة، سواء إسلامية أو غير إسلامية، للخروج من مصر، سواء إلى السودان أو إلى تركيا، على أمل أن يعودوا إلى مصر بعد وقت قصير. وتم الترويج وقتها لمقولة الانقلاب يترنح، وهذا كان بداية مراحل فشل جديدة بدأت بمحاولة تشكيل كيان يجمع المصريين لدعم الشرعية التي كانت سائدة. وكان تحالف دعم الشرعية قد تم تأسيسه في مصر ثم انتقل للخارج، وفي نفس الوقت تم تأسيس ما أطلق عليه ائتلاف المصريين في الخارج، ثم تم تأسيس المجلس الثوري المصري وتأسس بالعديد من الكيانات، وحتى مجموعة العمل الوطني، والتي تم تأسيسها في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وإعلان بروكسل، ومبادرة السفير معصوم مرزوق، ومبادرة بيان القاهرة، وبيان بروكسل، وما سميت بمبادرة أمريكا في نهاية 2016، ومبادرة يناير يجمعنا، ومبادرة ميثاق المقاول محمد علي، وغيرها الكثير والكثير، بل إن بعضها انتهى ونسيها الناس قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به. وأخيرا ظهر ما أطلق عليه اتحاد القوى الوطنية المصرية يوم 11 شباط/ فبراير لهذا العام، وهو ذكرى مرور عشر سنوات على إعلان تنحي مبارك.

وللأسف لم تقدم أي من هذه المبادرات أو الكيانات المختلفة أي مبادرة أو مشروع عملي يجمع المصريين أو يوحدهم.

ثم تم إعلان مبادرة المجلس الثوري في نيسان/ أبريل من هذا العام، وهي نداء الحرية والديمقراطية، وهي كانت لا تتطلب من المصريين أو العرب أو أي من أنصار الحرية في العالم، مسلمين أو غير مسلمين، إلا التوقيع عليها. ونداء الحرية والديمقراطية المشار إليه لم يطالب إلا بحرية المصريين، وأن تكون هناك انتخابات حرة، ولضمان نزاهتها يكون هناك إشراف دولي، ولم يتناول قضية الشرعية أو غير الشرعية التي قسمت وفرقت المصريين.

وكان هذا النداء موجها إلى عدد من الشخصيات العالمية، منهم الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الكندي وعدد آخر من المسؤولين في العالم الحر. وكان من المفترض أن يحصل على توقيعات كثيرة (بالملايين)، وأن يكون هناك عمل آخر لتقديم هذا النداء لمؤتمر الديمقراطية الذي عقد في الولايات المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية. ولكن للأسف لم يحصل البيان أو النداء إلا على ما يقترب من 1500 توقيع. وهذا يعتبر مثالا آخر على فشل المصريين في تحقيق هدفهم.

وهنا يجب أن أتوقف قليلا أمام هذا الفشل الأخير، لأنه كان من المتوقع وحتى يتم تجميع الأعداد المطلوبة من التوقيعات؛ أن يكون هناك دور فاعل لحركة الإخوان المسلمين ببعدها العالمي، لأنها كانت تستطيع تجميع هذه الأعداد المطلوبة من التوقيعات لتواصلها مع كافة الأقطار، سواء المسلمة وغير المسلمة، ولكن للأسف لم تستطع أن تقوم بهذا الدور، مع أن الكثير من أعدائها يتحدون ويحتشدون لمحاربتها ومحاولة القضاء عليها، ودليل ذلك ما تم تناوله في الوثيقة المسربة من مكتب رئيس المخابرات المصرية عن اجتماع حول أحداث تونس؛ حضره عدد من المسؤولين المصريين والتونسيين والإماراتيين، وكيف أن الجميع يحارب الإخوان ويسعون للقضاء عليهم, ولكن للأسف انشغل الإخوان المصريون - وخصوصا من هم في الخارج - كباقي المصريين بأنفسهم، وبالتالي لم يلتفتوا لما هو قد يفيدهم وبالتالي وصلوا لما هم فيه.

وفي النهاية فشل جديد وقع فيه المصريون، وهذا يجعلنا نميل - والله أعلم - إلى أن ما قاله سعد باشا زغلول بعد أحداث عام 1919 وقبل وفاته، وكلمته الشهيرة "مفيش فايدة"، كان يقصد الشعب المصري وليس الدواء كما ردد البعض.

وختاما، أدعو الله سبحانه وتعالى أن يكون العام الجديد المقبلين عليه أفضل من سابقه. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل..
التعليقات (1)
الواثق بالله
الخميس، 23-12-2021 05:04 م
قول الله تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) جدير بأن لا نمرَ عليه مرور الكرام و إنما نتدبره لنعرف كيف يحصل الفشل و كيف يمكن معالجته . الاختلاف بين الناس أمر طبيعي و هو نوعان : اختلاف التضاد و هو مذموم ، و اختلاف التنوع و هو محمود . النوع الأول السلبي وهو مثلاً أن ينقسم الناس ما بين من يريد الالتزام بطاعة الله و رسوله و من يريد أن لا يطيعهما فيكون هذا افتراق على أساس المبدأ ، فالجماعة الخارجة عن طاعة الله و رسوله لا بدَ من اتخاذ موقف ضدها و الذمَ و السلبية هما فيها لأنها ستكون في صفوف أعداء الأمة و لو زعمت عكس ذلك . بالمقابل ، النوع الثاني الأصل فيه أن يكون إيجابياً و شبيهاً باختلاف أئمة المذاهب (أبو حنيفة ، الشافعي ، ابن حنبل ، مالك ، و جعفر رحمهم الله) و لا يجوز لهذا الجمع المؤمن أن يدخل في دائرة التخاصم و التناول "أي أن يقوم طرف بالتهجم و الطعن بطرف آخر " و اللائق أن تكون ألفة و مودة و أدب في التعامل فيما بينهم يصل إلى درجات من التعاون كما كان بين الأئمة . إن كان "كل حزب بما لديهم فرحون" و إن كان هنالك "إعجاب كل ذي رأي برأيه" و إن كان يوجد "ضيق في التفكير و انسداد في الأفق" فهذا هو الشقاق و تفرق الصفوف و عدم الاجتماع على كلمة سواء و ستكون لهذا التنازع نتيجته الحتمية الموصوفة في الآية الكريمة أي الفشل السريع و ذهاب القوة . علاج هذا المشكل هو بالصبر و بالرفق و بالتواصي بالحق و بعدم التجاوب مع المفسدين الساعين لضرب الناس بعضهم ببعض ، و على أية حال فالكلمة الطيبة صدقة و تبسمك في وجه أخيك صدقة أيضاً. المطلوب ، بكل بساطة ، "تكبير العقل" و استيعاب الآخر و لمَ الشمل .