شهدت
تركيا ليلة تاريخية بعد التصريحات التي أعلن فيها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان، مساء الاثنين، أن الحكومة ستتخذ تدابير جديدة للحيلولة دون تراجع
الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، حيث هبط سعر الدولار بشكل حاد خلال دقائق بعد أن تجاوزت قيمة الدولار الواحد 18 ليرة تركية.
أردوغان في خطابه الذي ألقاه عقب اجتماع الحكومة، أعلن عن تدابير
اقتصادية وبدائل مالية تبدد مخاوف المواطنين الناجمة عن ارتفاع أسعار الصرف. وأظهر تحسن الليرة التركية بعد هذه التصريحات أن ارتفاع الدولار الأمريكي أمام الليرة التركية في الأسابيع الأخيرة لم يكن بسبب انهيار الاقتصاد التركي، ولا يعكس قيمة الليرة التركية الحقيقية، بل إنه كان نتيجة تلاعب المضاربين، كما أنه أثبت أن التدابير التي تطمئن المواطنين أقوى تأثيرا لحماية قيمة العملة الوطنية من تدخلات البنك المركزي.
التدابير الاقتصادية والبدائل المالية التي أعلن عنها أردوغان باختصار، وشرح تفاصيلها وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي، يوم الثلاثاء، تتيح للمودعين تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة. ووفقا للآلية الجديدة، فإن كانت أرباح المودعين في البنوك بالليرة التركية أكبر من زيادة سعر صرف الدولار فإنهم سيحافظون على أرباحهم، ولكن في حال كانت زيادة سعر الصرف أكبر من أرباحهم فسيدفع الفرق إليهم مع إعفائهم من الضرائب. وبعبارة أخرى، تقول الحكومة للمواطن: "دع أموالك بالليرة التركية ولا تحوِّلها إلى الدولار، وإن ربحت فهو لك، وإن خسرت شيئا بسبب ارتفاع سعر الدولار فالحكومة ستعوِّض خسارتك". وبهذه الطريقة، تهدف الحكومة التركية إلى جعل المواطنين لا يرون تحويل أموالهم إلى الدولار نوعا من طرق الاستثمار وجني الأرباح.
القرارات الجديدة تهدف أيضا إلى طمأنة رجال الأعمال بشأن سعر الدولار الأمريكي من خلال تحديد سعر صرف طويل الأجل عبر البنك المركزي، كيلا يجدوا مشاكل في تحديد الأسعار، أو يذهبوا إلى سحب الدولار من الأسواق وجمع كمية كبيرة منه من أجل الاستخدام في تسديد ديونهم المستقبلية للخارج
القرارات الجديدة تهدف أيضا إلى طمأنة رجال الأعمال بشأن سعر الدولار الأمريكي من خلال تحديد سعر صرف طويل الأجل عبر البنك المركزي، كيلا يجدوا مشاكل في تحديد الأسعار، أو يذهبوا إلى سحب الدولار من الأسواق وجمع كمية كبيرة منه من أجل الاستخدام في تسديد ديونهم المستقبلية للخارج. وبعد هذا القرار، لن يجد رجال الأعمال صعوبة في تحديد التكاليف والأرباح، ولن يشعروا بالخوف من احتمال ارتفاع سعر الدولار بشكل غير متوقع في موعد تسديد ديونهم للخارج.
كثير من المواطنين الذين يتجنبون إيداع أموالهم في البنوك لأسباب مختلفة، يشترون الذهب للحفاظ على قيمة تلك الأموال، ويحتفظون بالذهب غالبا في منازلهم. وتقدر تلك
المدخرات المحتفظة في المنازل والتي يسميها الأتراك "أموال تحت الوسائد"، حوالي خمسة آلاف طن من الذهب، وتصل قيمتها إلى 280 مليار دولار. وتسعى الحكومة التركية إلى تطوير أدوات جديدة لتشجيع المواطنين على إدخال مدخراتهم من الذهب في النظام المالي، بدلا من الاحتفاظ بها معطلة في المنازل.
الأتراك المؤيدون للحكومة عاشوا ليلة هبوط سعر الدولار الأمريكي أمام الليرة التركية مشاعر انتصار
وفرحة كبيرة؛ تشبه تلك التي عاشوها بعد التأكد من فشل محاولة الانقلاب ليلة 15 تموز/ يوليو 2016، لأنهم يعتبرون رفع سعر الدولار من خلال المضاربات محاولة جديدة لإسقاط الحكومة، كما أنهم يرون أن إفشالها انتصارا للبلاد على الوصاية الاقتصادية.
مفاجأة أردوغان كشفت أنه لا يخوض هذه المعركة بلا أوراق، ورفعت معنويات المؤيدين للحكومة، وثقة المواطنين بنجاح النموذج الاقتصادي الجديد الذي تسعى الحكومة إلى تطبيقه. ومن المتوقع أن ينعكس تحسن الليرة التركية على الأسعار والتضخم بشكل إيجابي، وبدأت بعض الشركات تعلن تخفيضات في منتجاتها بعد أن رفعت أسعارها قبل أيام، نظرا لارتفاع الدولار.
فضحت المفاجأة الأخيرة الجبهة المعارضة التي كانت تراهن على مواصلة الدولار صعوده أمام الليرة حتى تتمكن من تحريض الشارع التركي ضد الحكومة
وفي ذات الوقت، فضحت المفاجأة الأخيرة الجبهة المعارضة التي كانت تراهن على مواصلة الدولار صعوده أمام الليرة حتى تتمكن من تحريض الشارع التركي ضد الحكومة، لإجبارها على إجراء
انتخابات مبكرة. وكان الحزن العميق الذي شعر به كثير من المعارضين في تلك الليلة ظاهرا على وجوههم، ليفضح أنهم يتمنون انهيار العملة الوطنية واقتصاد البلاد من أجل مصالحهم السياسية.
الحكومة التركية كسبت جولة هامة بعد تحسن الليرة التركية، إلا أن المعركة الاقتصادية طويلة. ومع ذلك، يمنح هذا الانتصار الأخير فرصة كبيرة لإنجاح النموذج الاقتصادي الجديد المبني على الإنتاج والتصدير، في ظل الأرقام والمؤشرات التي تشير إلى صلابة الاقتصاد التركي ونموه. وهو نموذج تركي فريد يستحق الدراسة، حتى وإن كان يشبه في بعض جوانبه نماذج اقتصادية أخرى، كالنموذج الصيني، لأن القيادة التركية تشدد على أن قراراتها ستبقى ضمن دائرة الديمقراطية وقواعد السوق الحر.
twitter.com/ismail_yasa