هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان عبد الصمد فتحي، أن الصندوق الوحيد المفتوح في المغرب للدعم المادي المباشر للقضية الفلسطينية، هو صندوق بيت مال القدس، معربا عن أسفه لأن "هذا الصندوق لا يثق فيه المغاربة، لأنه لا يصل منه للفلسطينيين إلا الفتات، وجزء كبير منه يصرف في ما لا فائدة ولا طائل يرجى من ورائه".
جاء ذلك خلال مشاركة عبد الصمد فتحي، في ندوة حول "المغاربة وبيت المقدس"، نظمتها جماعة "العدل والإحسان" في مدينة الجديدة بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيل مؤسسها الإمام عبد السلام ياسين.
وشارك في الندوة إلى جانب عبد الصمد فتحي الدكتور أحمد ويحان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، والمرابطة المقدسية المغربية الحاجة عائشة المصلوحي.
وأكد فتحي في بداية مداخلته، التي نشرهال موقع "العدل والإحسان" على "فيسبوك"، أن "دور العلماء في خدمة القضية الفلسطينية في الماضي وفي الحاضر مهم جدا"، وتطرق لثلاثة محاور؛ "المغاربة والارتباط التاريخي ببيت المقدس"، و"المغاربة والاضطهاد الصهيوني"، وفي المحور الثالث، وقف مع "المغاربة ومقاومة الاحتلال الصهيوني".
المغاربة كانوا يجمعون بين "الحج وبين التقديس والتخليل"
واعتبر فتحي أن الحديث عن المغاربة وبيت المقدس، هو تذكير بما كان بينهما من ارتباط تاريخي، موضحا أن هذا الارتباط كان أساسه عقائديا، نظرا لما يعنيه بيت المقدس للمسلمين، إذ هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذه المعاني تجعل المغاربة كغيرهم من المسلمين مرتبطين وجدانيا بهذه الأرض المباركة المقدسة.
وأضاف فتحي أن الارتباط، ارتباط عبودية أيضا لأن المغاربة كانوا يجمعون "بين الحج وبين التقديس والتخليل"، وكانوا مشهورين بهذه العبارة، لأن المسجد الأقصى من المساجد التي تشد إليها الرحال.
وفي حديثه عن ما يربط المغاربة ببيت المقدس، ذكر فتحي الارتباط العلمي أيضا، لأن بيت المقدس أو الأقصى المبارك كان فضاء للعلم والتناظر وأكثر العلماء الذين كانوا مرتبطين ببيت المقدس هم العلماء المغاربة، بمفهوم المغرب الكبير بما في ذلك علماء الأندلس.
ولما كانت الحملة الصليبية على بيت المقدس، وكانت موغلة في العنف والدماء حتى إنهم قتلوا الآلاف من المقدسيين، وغاصت الأقدام في الدماء، وقتلوا المسيحيين أيضا، لم يستثنوا في ذلك العلماء، وكان من العلماء الذين قتلوا؛ المغاربة. لأنهم كانوا في بيت المقدس قبل صلاح الدين الأيوبي.
ومن العلماء الذين لا يمكن الإغفال عنهم عندما يذكر صلاح الدين والمسجد الأقصى، الغوث أبو مدين الذي ولد في الأندلس وعاش في فاس في المغرب وكان يدرس في القرويين، وتوفي في تلمسان لما كان عابرا لملاقاة السلطان رغم أنه كان يرفض ملاقاته، وهو نموذج للعالم الذي تربى على يد الإمام عبد القادر الجيلاني وأخذ عنه العلوم والتربية وأخذ عنه الوفاء لبيت المقدس، وعلّم المغاربة هذا الوفاء، ولما لبى النداء كان هو من ترأس الذين لبوا نداء صلاح الدين من المغاربة المشاركين في التحرير، وقطعت يده في المعركة ودفنت هناك، فكان جزء من جسمه في بيت المقدس، وجزء آخر في تلمسان.
وعلق فتحي على هذا العالم فقال: "هذا دور العلماء في ارتباطهم ببيت المقدس وفي تحفيز الأمة وتعليمها واستنهاضها من أجل الدفاع عنها".
كان للمغاربة حضور قوي وباع وجولات في هذه المعركة، يقول فتحي مضيفا، حتى قال فيهم صلاح الدين لما أسكنهم في حارة المغاربة: "أسكنت فيها قوما يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، وخير من أستأمنهم على بيت المقدس"، وأردف معقبا: "هذا ليس كلام مجاملات، هذا كلام إدراك، والمغاربة هنا هم المغاربة بعمومهم، بأمازيغهم وعربهم".
ومن مظاهر ارتباط المغاربة ببيت المقدس، يقول فتحي، باب المغاربة وحارة المغاربة، حيث إن هناك بابين؛ باب المغاربة في القدس في الحائط الغربي، وباب المغاربة للمسجد الأقصى، وهناك تلة المغاربة، وأوقاف المغاربة… وكل هذا يدل على الحضور القوي للمغاربة في هذه القضية بكل تجلياتها.
لا يمكن الحديث عن المغاربة المقدسيين دون تذكير بـ"الخيانة العظمى"
ووقف فتحي على مظاهر الاضطهاد الصهيوني للمغاربة المقدسيين باعتبارهم جزءا من النسيج الفلسطيني، وبالتالي فهم غير مستثنين من التشريد والتهجير والتقتيل، موضحا أنه "إذا كان وقع سنة 1967 كبيرا على الفلسطينيين فإن وقعها أشد على المغاربة المقدسيين بعد هدم حارة المغاربة"، ولإدراك الصهاينة لأهمية واستراتيجية هذه الحارة، يقول فتحي، فقد تم اتخاذ قرار هدمها بعد أربعة أيام من احتلال القدس الشرقية. وقتل من قتل في عملية الهدم، ومنهم من التحق بمخيمات اللاجئين، ومنهم من رجع إلى المغرب، فحصل بذلك هدم النسيج المجتمعي المغربي هناك وهو أشد ما في الأمر. لكن هناك من صمد وبقي هناك وهذه العائلات معروفة إلى اليوم.
وشدد فتحي على أن الباب الوحيد الذي صادر الصهاينة مفتاحه هو باب المغاربة، "فأي حقد هذا على المغاربة المقدسيين؛ تهدم حارتهم وتصادر أوقافهم، ويصادر مفتاح بابهم، وهذا الباب اليوم يخصص لمن هم غير مسلمين، فنحن اليوم نسائل المطبعين عن كل ما جرت مصادرته من عقارات وأراض…".
ولا يمكن الحديث عن المغاربة المقدسيين بدون حديث عما وصفه فتحي بـ "الخيانة العظمى"، وهذه الخيانة يلخصها في "هجرة اليهود المغاربة إلى أرض فلسطين"، لأنهم كانوا يعيشون في أمن وسلام مكرمين معززين في المغرب بعدما طردهم الصليبيون من أوروبا ومن الأندلس، "لكنهم تبنوا النظرية الصهيونية وتحولوا من مغاربة يهود إلى مغاربة صهاينة وذهبوا إلى فلسطين غزاة".
واستهجن فتحي من ينظر إلى هذه الهجرة وكأنها "هجرة سياحية" قائلا: "هؤلاء لم يأتوا للسياحة، بل تكالبوا على أهل فلسطين، وأتوها غزاة محاربين، أتوها فقتلوا أهلها وشردوا سكانها واغتصبوا أرضها".
ولكل هذا، يضيف فتحي: "هؤلاء لم يعودوا مغاربة، هؤلاء صهاينة أصحاب عقيدة استعمارية توسعية عنصرية يحتلون بها الأرض"، وإن كانت هذه خيانة اليهود المغاربة فهي أيضا خيانة كل من ساهم معهم كيفما كان دينه ومنصبه حاكما ومحكوما.
المغاربة أصبحت لهم مظاهر تميزهم في نصرتهم للقضية الفلسطينية
وأكد فتحي أن المغاربة المقدسيين الذين كان لهم تاريخ في الدفاع عن الأقصى، هم المغاربة أنفسهم اليوم الذين يدافعون ويناصرون، يجاهدون بثباتهم واستشهادهم، لا زالوا متضامنين هنا ومقاومين هناك من أجل التحرير.
وأشار إلى أن مظاهر هذا التضامن تتمثل في الإطارات التضامنية، وأولى هذه الإطارات هو مكتب تحرير المكتب العربي بقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي كان له دور وحضور قويان في نصرة القضية ومواجهة الاحتلال الصهيوني، وهذا المكتب كان جامعا لأطر وفعاليات من أجل نصرة القضية الفلسطينية.
ومن هذه الإطارات، وفق ما قاله المتحدث، "الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني" التي تأسست عام 1968، وضمت كبار رموز المغرب، أمثال إدريس الكتاني، وعمر الخطابي الذي كان رئيسا لها، وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهم من الذين شكلوا حلفا، وتكرر ذلك مع "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" التي ضمت جميع الأطياف، وآخر هذه الإطارات هي الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، وكلها إطارات جامعة من أجل العمل للقضية الفلسطينية، التي كانت دائما "قضية جامعة لا تعترف بالألوان ولا بالانتماءات السياسية".
ومما يتمثل به التضامن والمناصرة، يقول المتحدث؛ "العمل الميداني من خلال الحركات الاحتجاجية. فلا يعرف المشارقة المغرب إلا بالمسيرات المليونية، التي أصبحت إلى جانب الوقفات المسجدية والأيام الوطنية ضد التطبيع عناوين بارزة يدعم من خلالها الشعب المغربي القضية الفلسطينية".
وذكر فتحي عددا من الرموز المغاربة الذين كان لهم دور كبير في نصرة القضية ماديا ومعنويا وعلميا، والتعريف بها، فاحتفى بهم الفلسطينيون من أجل ذلك وأسسوا مدارس بأسمائهم، ومن ذلك "مدرسة الأستاذ عبد السلام ياسين بغزة"، و"مدرسة الأستاذة خناثة بنونة"، المرأة التي باعت كل ممتلكاتها من أجل القدس…
ومن المحطات البارزة والقوافل التي شارك فيها المغاربة من أجل تكسير الحصار؛ ذكَر المشاركة في "أسطول الحرية"، و"أميال من الابتسامات".
وختم فتحي مداخلته بـ "شهادة في حق الأستاذ عبد السلام ياسين" من خلال أبنائه ومن في كنفهم وفي دائرتهم، لأنه ربى وكتب للقضية الفلسطينية صفحات تخطيطية تنظيرية، وأهم ما كتب للقضية كتاب "سنة الله" الذي يليق أن يتسمى باسم آخر وهو "تحرير بيت المقدس" أو "وعد الآخرة". لأنه كتاب يبشر بالنصر لكنه يسلط الضوء على طبيعة العدو الصهيوني؛ ارتباطاته شرقيا وغربيا وتغلغله في العالم بأسره، وينَظّر لعملية التحرير وكيفيتها، وكل ذلك انطلاقا من المنظار القرآني.
وقال فتحي إن الإمام كتب كتابا آخر باللغة الفرنسية ببعد حقوقي، وهو موجه إلى النخبة المغرّبة، وجزء منه سماه الحرج الفلسطيني، ويطرح فيه طبيعة الصراع مع الغرب التي تشكل القضية الفلسطينية جزءا منه، لأنها تبقى شائكة بين المسلمين وبين الغرب. وهي بالنسبة إليه "القضية المصيرية بالنسبة للأمة كلها"، ولم يكتف بالكتابة وإنما ربى أجيالا على القضية وحبها.
هذا وأعلنت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع" أنها ستنظم بهذه المناسبة اليوم الوطني التضامني الرابع تحت شعار: "معركتنا مستمرة حتى إسقاط اتفاقيتي التطبيع والتعاون العسكري الخيانيتين" بمختلف مدن المغرب موحدة في الزمان.