هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا لكل من الباحثين ميتشل إبيدور وميغول لاغو، قالا فيه؛ إن فرنسا هي أرض "الحرية والمساواة والأخوة" ومكان ولادة "حقوق الإنسان". لكن التعامل مع تقاليد البلد السياسية في وقت واحد يقود إلى تيار قاتم ومعاداة للسامية. ويبدو اليوم أن هناك فصلا جديدا من التعصب الفرنسي
يفتح.
أعلن إريك زمور، الحامل للأفكار اليمينية
المتطرفة عن ترشحه لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقرر عقدها في نيسان/إبريل المقبل،
وهو أعلى صوت والأكثر تطرفا للعنصرية الفرنسية اليوم. ورغم تراجع شعبيته في
استطلاعات الرأي منذ بداية الخريف، إلا أن حملته المثيرة للانقسام وجدت صدى بين
قطاعات معينة من الناخبين ولا يزال من بين المرشحين المتقدمين.
وأصبح زمور موضوعا لعناوين الأخبار، وأطلق العنان للتعصب الشرير الذي دخل التيار الرئيس في الإعلام بطريقة لم تر مثلها
منذ سنوات. والمفارقة العظيمة هي أن زمور المدان مرتين بالتحريض على الكراهية
والتمييز هو يهودي، وعضو نفس المجتمع الذي استهدف بالعنصرية التي ورثها ويستحضرها، وقام بإعادة تحديث الكراهية الفرنسية الأقدم لكي تتناسب مع العصر الحديث.
ويرى الكاتبان أن جذور اليمين المتطرف
الحالي تفهم من خلال سياق تاريخها الماضي؛ فالعداء للسامية كان دائما عنصرا أساسيا
في التفكير الرجعي الفرنسي. وفي القرن التاسع عشر، تحولت معاداة السامية إلى
سياسية واقتصادية، وتشكلت في صورتها الواضحة في ذلك الوقت عبر قضية دريفوس،
الفضيحة التي طالت ضابط جيش يهودي، ألفريد دريفوس، الذي اتهم زورا وأدين بنقل
أسرار إلى ألمانيا. وكانت المعركة بين أنصار دريفوس ومن اتهموه ملمحا مهما شكل
السياسية الفرنسية. وأدت تلك الفترة لولادة صحف معادية للسامية مثل "لي ليبري
بارول" (حرية التعبير)، التي كانت ترويستها تحمل شعار "فرنسا
للفرنسيين"، وهو الشعار المحبذ لليمين المتطرف اليوم.
واستمرت هذه الحركة حية وبصحة جيدة في
القرن العشرين، وكان فصلها الأخير هي حكومة فيشي النازية ومشاركة فرنسا في ملاحقة
وتجميع اليهود وترحيلهم للقتل. ولم تعد هذه حركة سياسية قابلة للحياة بعد الإبادة
النازية، مع أن المجتمع لم يتخلص منها بالكامل.
لكنها عادت في شكل آخر، فمع الهجرات الجماعية من
المستعمرات الفرنسية السابقة، حل العداء للعرب والسود والعنصرية ضدهم محل معاداة
السامية. وكان الصوت لهذه العنصرية منذ السبعينيات من القرن الماضي هو حزب الجبهة الوطنية
اليمني المتطرف، الذي أعاد تسمية نفسه باسم التجمع الوطني، كمحاولة للدخول في
التيار الرئيس للسياسة. ووصل هذا الحزب مرتين إلى الجولة الثانية للانتخابات، 2002
و2017، واليوم يقوم زمور بالالتفاف عليه من اليمين. ويرى الكاتبان أنه من السهل
التعرف على جذور أيديولوجية زمور، فتأكيدها أن فرنسا تخوض حربا دينية مع
الإسلام وحربا عرقية مع السكان السود والعرب، وأن أحياء كاملة
"استعمرها" المسلمون، وأن الإسلام هو دين إرهاب، وأن على مسلمي فرنسا الاختيار
بين الإسلام أو فرنسا (حيث يعتبرهما متعارضين)، كله هو إعادة تحديث للكراهية ضد
اليهود قبل قرن وربع قرن.
اقرأ أيضا: تقرير حقوقي ينتقد سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه اللاجئين
وبنفس الطريقة التي اتهم فيها أركان
العداء للسامية اليهود الحاضرين في كل مكان والشريرين بكل أنواع الجرائم، بما فيها
التسبب بفيضان نهر السين، فزمور يرى أنه لا توجد جريمة لم يرتكبها المسلمون أو هم
براء منها، فمن سبب هجرة سكان المناطق الحضرية إلى الريف، بشكل أجبر الطبقة
العاملة للسياقة من أماكنهم البعيدة إلى أعمالهم؟ هو "احتلال" المهاجرين
للمدن وضواحيها؟ ومن هو المسؤول عن انتشار المخدرات؟ كل القاصرين المهاجرين بدون
أهلهم هم تجار مخدرات. ومن الذي تسبب بنقص المصادر؟ هو انتهاك المهاجرين للنظام
الذي لا يساهمون به. وكل الحلول التي يقترحها زمور للمشكلة وكل مشكلة أخرى بسيطة.
ويريد زمور تخفيض وجود المهاجرين
واقتلاعهم من حياة البلد. فالبيوت التي توفرها الدولة والمجالس المحلية يجب أن
تخصص للفرنسيين فقط، وهو يعني بهم البيض الفرنسيين. وهو لا يقدم تفسيرا لاستبعاده
الفرنسيين المسلمين المولودين في البلد، وهذا لا يهم؛ فالعنصرية هي كل ما يهمه.
ويعلق الكاتبان أن زمور ليس جاهلا
للتراث التاريخي هذا، وهو ليس ديماغوجيا، بل هو كاتب ومؤرخ شعبي. ويستشهد بشكل
متكرر بكلام الساسة الرجعيين في التاريخ الفرنسي، وفي أثناء فضيحة دريفوس تحديدا. ومن
بين كلامه التصحيحي للتاريخ الذي كرره منذ أن تحدث به أول مرة في عام 2014، هو أن حكومة فيليب بيتان العميلة، قامت بحماية يهود فرنسا في أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم ترحّل سوى اليهود الأجانب.
كما أعاد قراءة تاريخ فضيحة دريفوس. وقال إن
هيئة الأركان العامة الفرنسية حيث عين دريفوس وسرق منها الأسرار كما يفترض، كانت
محقة بعزله؛ لأنه كان يحمل الجنسية الألمانية. وهذا كلام غير صحيح. والأكثر إثارة
للحنق هو زعمه أن طرفي المعركة حول دريفوس كانت لديهم أهداف "نبيلة"،
رغم تبرئته. ويقول زمور إن من اتهموه كانوا خائفين على مصير "البلد"،
وكان الرأي هذا الذي تعامل مع دوافع من اتهموه بأنها نبيلة هامشيا، لكنه لم يعد
كذلك.
ويرى الكاتبان أن زمور وهو يهودي
جزائري، يقدم من خلال تبنيه هذه المواقف رؤية منحرفة عن الاندماج اليهودي. فقد
ماتت معاداة السامية التي كانت تستهدف اليهود. أما الهجمات الأخيرة ضد اليهود فهي
من عمل أفراد أو مخربين أو إرهابيين. وعندما كان اليهود في خطر حقيقي، فهذا بسبب
الحكومة التي تقف وراء التهديد. ولم يعد هذا هو الوضع اليوم، ففي نظر زمور أصبح
اليهود، الغرباء الآن أصلاء وهو كيهودي فرنسي أصلي يدافع عن فرنسا، رغم الأذى الذي
تسببت به لليهود.
ويقول الكاتبان؛ إن يهود فرنسا منقسمون بشأن
زمور، وهناك يهود في كل جوانب الحملة، من زمور ومساعدته الأساسية سارة نافو إلى
العدو الفكري لزمور، برنارد هنري ليفي. وفي ضوء هذا الانقسام، فمن الأشياء التي
تمثلها حملة زمور هي اندماج يهود فرنسا. ويقدم زمور نفسه على أنه صوت فرنسا و"مخلصها"، وتخدمه يهوديته ومواقفه المتطرفة جيدا. وبدفاعه عن فيشي،
ودفاعه عن بيتان ودفاعه عن الاستعمار الفرنسي وحتى مذبحتها "للعرب وبعض
اليهود" كما فعل قبل فترة، فإنه يقوم كيهودي بتبرئة اليمين الفرنسي من أسوأ
اللطخات ويعطيه حياة جديدة وهو يشن حربا جديدة ضد المسلمين. ويختم الكاتبان بالقول؛ "أن يكون يهوديا، هو حصان الطراد ضد العنصرية للمهاجرين وصوتا لتطبيعها في
الخطاب العام، تطور جديد مخيف ونتائجه معروفة ولا يبشر بخير".