هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة
"نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين جين عراف وسنجر خليل من أربيل قالا فيه
إن الجو كان باردا بردا قارسا في بيلاروسيا، لكنه على الأقل أعطى الأمل، مهما كان
وهميا.
وكان نزار شمس
الدين واحدا من آلاف العراقيين الذين شقوا طريقهم إلى الدولة الواقعة في أوروبا
الشرقية في الأشهر الأخيرة، على أمل أن تكون نقطة انطلاق لحياة جديدة في الغرب،
ليجدوا أنهم أصبحوا بيادق في لعبة جيوسياسية.
لكن في نهاية
هذا الأسبوع كان قد عاد إلى العراق، ويجلس على الأرض الباردة في منزل خرساني صغير
غير مكتمل، بعد أن تم ترحيله حديثا من بيلاروسيا. بالقرب منه طفل صغير، واحد من
بين عشرات الأطفال المحتشدين في المنزل، كان يحاول تدفئة يديه فوق مدفأة كيروسين
واحدة متصدعة.
شمس الدين،
وهو عامل، و35 من أقاربه خاطروا بكل شيء للسفر غربا. مثل العديد من مئات العراقيين
الآخرين الذين تم ترحيلهم الأسبوع الماضي، هم الآن غارقون في الديون واليأس.
كان العراقيون
في قلب الأزمة التي اندلعت بعد أن خففت بيلاروسيا قواعد التأشيرات الخاصة بها هذا
الصيف، وجذبت المهاجرين ثم دفعتهم عبر الحدود لمعاقبة الاتحاد الأوروبي لفرضه
عقوبات على رئيس بيلاروسيا الاستبدادي.
وبمجرد وصولهم
إلى بيلاروسيا، تم ترك العديد من العائلات المهاجرة في غابات عميقة بدون مأوى أو
طعام أو ماء، وفي بعض الأحيان يتم دفعهم إلى مواجهات خطيرة أثناء محاولتهم الوصول
إلى بولندا وليتوانيا ولاتفيا، وجميعهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وقال شمس
الدين، 24 عاما، الذي كان معه ثلاثة أطفال صغار: "صوب أحد ضباط الشرطة
البيلاروسية مسدسا إلى رأسي، فاضطررت للعودة إلى ليتوانيا.. في ليتوانيا، صوب
الكوماندوز بنادقهم نحوي وقالوا لي "إذا لم تعد، فسوف نقتلك'". استوعب
شمس الدين الرسالة وعاد يوم الخميس، مع عائلته على متن طائرة الخطوط الجوية
العراقية لإجلاء 431 مهاجرا من مينسك، عاصمة بيلاروسيا.
لا يزال عدة
آلاف من المهاجرين الآخرين في بيلاروسيا بالقرب من الحدود. معظمهم من الأكراد
العراقيين، مثل شمس الدين، بالإضافة إلى عرب عراقيين وسوريين ويمنيين وحتى بعض
الكوبيين. ولكن مع تضاؤل فائدتهم لبيلاروسيا، يتم الآن ترحيل المهاجرين العراقيين
المفلسين. ومعظمهم مصدومون. ويعاني البعض من إصابات طويلة الأمد.
قال ذياب
زيدان، ابن عم شمس الدين: "ضربنا البيلاروسيون بالعصي، لكن الليتوانيين
هاجمونا بالعصي والصواعق الكهربائية". زيدان، 30 عاما، كان لديه ضمادة كبيرة
حول ساقه، حيث قال، إنه تعرض للضرب بالهروات. وأظهرت الصور أن جانبه بالكامل كان
أرجوانيا داكنا، وعزا ذلك إلى الصدمات الكهربائية.
اقرأ أيضا: WP: رئيس بيلاروسيا حاول استخدام المهاجرين كسلاح فانقلب ضده
قال صفين
دزايي، رئيس قسم العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان شبه المستقلة:
"لقد تعرض الناس للضرب وهم في كرب.. لقد أخبرنا تلك السلطات أنه ينبغي
معاملتهم معاملة إنسانية، وعلى الأقل حتى يتم حل هذه المشكلة، يجب معاملتهم كأي
بشر عاديين مع توفير المأوى أو بعض الطعام".
بالنسبة
للعديد من المهاجرين، لم تكن هذه محاولتهم الأولى للمغادرة. كان شمس الدين يحاول
الوصول إلى ألمانيا، حيث أمضى ستة أشهر في عام 2015 قبل أن يعود إلى العراق لرعاية
والده المريض.
قال:
"ألمانيا هي البلد الوحيد الذي شعرنا فيه باحترام حقوق الإنسان".
وقال شمس
الدين إنه بعد السير لمدة يومين، ألقت الشرطة البيلاروسية القبض عليه وأقاربه،
وحُملوا في شاحنة عسكرية واقتيدوا إلى الحدود الليتوانية. وهناك أمروا بعبور
السياج.
وبمجرد وصولهم
إلى ليتوانيا، أعطتهم منظمة إغاثة الخبز والماء، وقام الطاقم الطبي بتقييم أي
إصابات بينما قام مصور بتصوير العملية، على حد قولهم. وتم نقل ابن شمس الدين
البالغ من العمر شهرين إلى المستشفى لتلقي العلاج بسبب تعرضه للبرد القارس.
ولكن بمجرد
مغادرة منظمة الإغاثة والكاميرات، بدأ الجنود الليتوانيون في استخدام العصي
ومسدسات الصعق، كما قال الأكراد، في محاولة لدفعهم إلى الخلف عبر الحدود.
قال شمس الدين
إنه وبخ ضابطا ليتوانيا، قائلا له: "لقد دمرتم بلدنا، والآن نحن قادمون
إليكم.. ليس لديكم أي إنسانية".
كانت الإشارة
إلى الغزو الذي قادته أمريكا للعراق عام 2003، لكن الضابط الليتواني سارع للتصحيح
قائلا: "تلك كانت بولندا".
فبينما قدمت
ليتوانيا الدعم خلال احتلال أمريكا، كانت بولندا جزءا من القوة الغازية.
قال شمس الدين
إنه باع سيارته لدفع 11000 دولار لتذكرة السفر والتأشيرات لزوجته وأطفاله الثلاثة،
والتي قال إنها صادرة عن وكالة سفريات في بيلاروسيا. وقال إنه بعد أن تقطعت بهم
السبل في الغابة في بيلاروسيا، طالب جندي بيلاروسي يرتدي ملابس مدنية بآخر 3000
دولار لإعادتهم بالسيارة إلى مينسك.
اقترض أبناء
عمومته، الذين يكسب معظمهم 10 دولارات في اليوم من العمل في البناء، عشرات الآلاف
من الدولارات ولا يمكنهم الآن دفع الإيجار. تم حشر أكثر من عشرة أطفال في غرفة المعيشة
الوحيدة في المنزل المكون من غرفتين. لا يذهب أي منهم إلى المدرسة، وعائلاتهم غير
قادرة على تحمل رسوم النقل البالغة حوالي 20 دولارا شهريا لكل طفل.
يوم الخميس،
جلست عائلة أخرى تم ترحيلها من بيلاروسيا على الرصيف خارج المطار في أربيل، عاصمة
كردستان العراق، في حالة من الذهول والصمت وغير قادرة حتى على العثور على أجرة
التاكسي للعودة إلى مخيم النازحين العراقيين حيث كانوا يعيشون. كانوا من
الأيزيديين، ينتمون إلى أقلية دينية، ولا يزال الكثير منهم يقبع في المعسكرات بعد
سبع سنوات من بدء تنظيم الدولة حملة إبادة ضدهم.
قالت نعام
خالو، إحدى الأيزيديين، البالغة من العمر 56 عاما، إنها قضت مع ابنها وزوجة ابنها
24 ليلة في الغابة العميقة، ولكن تمت إعادتهم إلى بيلاروسيا في كل مرة عبروا فيها
الحدود.
وقالت خالو
إنها اقترضت النقود وباعت ذهبها لجمع مبلغ 20 ألف دولار اللازم للرحلة.
وقالت:
"الآن ليس لدينا أي شيء".
في أحد أحياء
أربيل التي تقطنها الطبقة المتوسطة، وصفت يادغار حسين رحلتها الشاقة التي أدت إلى
ترحيلها من بولندا قبل ثلاثة أسابيع مع أطفالها. قالت إنهم، خاضوا في مجرى مياه
الصرف الصحي، في تشرين الأول/ أكتوبر وساروا عبر الغابة لعدة أيام في درجات حرارة
شديدة البرودة بعد أن قطعت الشرطة البيلاروسية السياج الحدودي. ولكن بمجرد وصولهم
إلى بولندا، قادهم سائق إلى نقطة تفتيش للشرطة، حيث تم القبض عليهم، مع ابنها
البالغ من العمر 19 عاما ومهاجر آخر مختبئين في صندوق السيارة.
قالت حسين،
التي تزوجت في الرابعة عشرة من عمرها وترملت بعد أربع سنوات عندما داس زوجها على
لغم أرضي: "الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أن حياتي دمرت". مطلقة من والد
أولادها الثلاثة الصغار.
تقول حسين
إنها لم تستسلم بشأن مغادرة أربيل مرة أخرى، ربما في المرة القادمة عن طريق العبور
البحري المحفوف بالمخاطر من تركيا إلى اليونان.
قالت:
"لو كان لدي نقود، كنت سأذهب عن طريق البحر غدا من أجل أطفالي.. إما أن تموت
أو تصل هناك. لكن لا أحد يعتقل".