هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع تجدد الذكرى الأليمة لوعد بلفور المشؤوم، الذي منح من لا يملك لمن لا يستحق، تسلط "عربي21" الضوء على نظرة الاحتلال الإسرائيلي لهذا الوعد وكيف سخره واستفاد منه لدعم جرائمه وإحكام سيطرته العسكرية على أرض فلسطين المحتلة.
ويوافق اليوم الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر من كل عام، الذكرى الـ104 لوعد بلفور الذي صدر عام 1917، حين بعث وزير خارجية بريطانيا جيمس بلفور آنذاك، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية، يمنح بموجبه الحق لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين المحتلة، علما بأنه في قت صدور الوعد نسبة اليهود في فلسطين لم تتجاوز الـ6 في المئة.
ثلاثة أبعاد مركزية
وعن نظرة الاحتلال لوعد بلفور، قال الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي إبراهيم خطيب: "النظرة الإسرائيلية لوعد بلفور مرتبطة بثلاثة أبعاد مركزية، الأول؛ أن قوة عظمى في ذلك التاريخ اعترفت بأن لليهود حقا في فلسطين".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ندرك أنه في اللعبة السياسية العالمية، أن القوى العظمى هي التي تقرر خيوط اللعبة وتعطي ما تريد لمن يستحق ولمن لا يستحق، وهذا ما أرادته إسرائيل من خلال اعتراف القوى العظمى وخصوصا بريطانيا في هذا السياق، ومنح اليهود دولة في أرض فلسطين".
وأما البعد الثاني المرتبط بهذا الوعد بحسب المختص خطيب، أن "وعد بلفور أصل لحالة إحلالية أخرى بفلسطين غير التي كانت في عهد الاحتلال البريطاني، وكان الانتداب البريطاني حالة استعمارية، وقام بتحويل هذه الحالة إلى حالة استعمار استيطاني من خلال هجرة اليهود إلى فلسطين، وربطها ببعد ديني ليكون صراعا ذا بعد ديني لدى اليهود، من خلال حث اليهود على الهجرة إلى فلسطين على أنها أرض الميعاد، وهذا بعد إضافي أصله وعد بلفور".
وذكر أن البعد الثالث، هو أن "الوعد أشار إلى اليهود كمجموعة قومية بعد أن ربطها كمجموعة واحدة، تتجاوز يهودا يعيشون في مناطق مختلفة، وربط هذا البعد – فكرة تأسيس مجموعة قومية – ليكون لهذه المجموعة القومية مطلب قومي مرتبط بأرض فلسطين، وبالتالي فإن هذا الوعد ساهم في تعزيز قوة الحركة الصهيونية لتصبح حركة قومية فيما هي كانت تمثل يهودا يعيشون في مناطق مختلفة، لتكون حركة قومية ذات أبعاد دينية لتأصيل مطالبها في أرض فلسطين، من خلال هجرة واستيطان في فلسطين".
اقرأ أيضا: عباس يصدر قرارا بتنكيس الأعلام في ذكرى "وعد بلفور"
وعن الكيفية التي سخر بها الاحتلال هذا الوعد المشؤوم لإحكام سيطرته على أرض فلسطين المحتلة؛ قديما وحديثا، قال المختص: "في حينه، استفاد من أذرع الانتداب البريطاني والحاكم في فلسطين، في تعزيز الاستيطاني اليهودي في فلسطين، كما أنه ساهم في هجرة اليهود لفلسطين التاريخية من خلال هذا الوعد".
ووفق المعطيات السابقة، رأى أن "وعد بلفور، هو بمثابة قرار بريطاني؛ بأن فلسطين ستصبح دولة لليهود، وهذا ترافق مع سياسيات على الأرض استفادت منها المؤسسة الإسرائيلية والحركة الصهيونية بشكل فاعل، لتكون هجرتها وسيطرتها على أرض فلسطين واضحة وقوية، وذلك ضمن ما أصل له هذا الوعد".
أما اليوم، فقد "سخرته السلطات الإسرائيلية فيما بعد الانتداب لتأصيل فكرة أن "إسرائيل" هي "دولة شرعية"، وأن الانتداب البريطاني في حينه رأى أن تواجد اليهود في فلسطيني هو "شرعي"، ويحق لهم إقامة دولة".
وتابع الباحث السياسي: "وبناء على هذا الوعد الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، تنافح إسرائيل عن وجودها وهويتها كدولة قومية، ضمن تأسيس الدول القومية التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولى، لتزعم أنها مثل باقي الدول، رغم أنها كيان استيطاني استعمر أرض فلسطين واحتله وفق أجندة قومية ودينية".
حفاوة إسرائيلية بالوعد
من جانبه، رأى المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن "وعد بلفور من الوجهة الإسرائيلية، هو أول ترجمة عملية لمقررات المؤتمرات الصهيونية، وعلى رأسها المؤتمر الأول في بازل بسويسرا، وبالتالي فإنه فتح الطريق أمام الحركة الصهيونية لتنفذ مخطط السيطرة على فلسطين والخروج من حالة التردد والشك في صفوفها، باعتبار الوعد ضمانة منح للحركة الصهيونية من دولة عظمى في ذلك الوقت".
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، أن "الاحتلال من الناحية العملية، لم يتعاط إعلاميا مع هذه المناسبة بالقدر الذي يتعاطى به الجانب الفلسطيني، باعتباره محطة هامة من محطات التأسيس للكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني، لذلك فلا نجد هذه المناسبة ملفتة لدى النخب السياسية الإسرائيلية، ولا يتم التعبير عن الاهتمام بهذه المناسبة إلا عبر النخب الفكرية التي تتعامل مع المسألة من وجهة نظر العلاقة مع العالم الغربي ومدى التصاق الغرب بالمشروع الصهيوني في مواجهة المعيق الأساسي في ذلك الوقت، وهي الدولة العثمانية".
اقرأ أيضا: اجتماع كبير للفلسطينيين في بريطانيا تنديداً بوعد بلفور
ورأى أبو عامر، أن "أكثر النقاط إثارة في هذه المسألة هي الاهتمام الإسرائيلي بمواقف رؤساء الحكومات البريطانية من هذا الوعد، بالرغم من عدم وجود قيمة قانونية لسحب أو دعم الوعد بعدما تمت إقامة "دولة إسرائيل"، إلا أن تمسك الرؤساء أو الأحزاب البريطانية بهذا الوعد، يعد معيارا لقوة الصداقة والالتزام بدعم إسرائيل من قبل الحكومات البريطانية".
وأضاف: "كان هذا جليا من الحفاوة التي يبديها الإعلام الإسرائيلي في هذا الجانب، خاصة مقالة في 2017، منحت لصحيفة "يديعوت أحرنوت" كتبها رئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس جونسون، أثناء توليه منصب وزير الخارجية، حيث دافع بقوة عن وعد بلفور ونفى مسؤولية بريطانيا عن الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني بسبب هذا الوعد المشؤوم".
ونوه إلى أن "جونسون ليس الوحيد الذي دافع عن هذا الوعد من قادة بريطانيا، فهناك العديد، منهم رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي، التي افتخرت بهذا الوعد وبالدور الذي لعبته بريطانيا في تأسيس إسرائيل، ورفضت الاعتذار عنه واستقبل موقفها بحفاوة بالغة في إسرائيل".
ونبه المختص، إلى أن زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس وزراء الاحتلال السابق، بنيامين نتنياهو، هو "أكثر شخصية إسرائيلية اهتمت بالاحتفال بهذه المناسبة، واستذكر الوعد خلال اجتماع حكومته قبل سفره إلى لندن عام 2017، وأكد أن إسرائيل لم تكن لتقوم دون الاستيطان، وأن الزخم الدولي تمثل في إعلان بلفور".