اقتصاد عربي

محللون: أسعار المحروقات ترهق المواطن والاقتصاد الأردني

 ارتفعت الفاتورة النفطية للمملكة منذ مطلع العام الحالي ولنهاية شهر أغسطس الماضي بنسبة 16 بالمئة- الأناضول
ارتفعت الفاتورة النفطية للمملكة منذ مطلع العام الحالي ولنهاية شهر أغسطس الماضي بنسبة 16 بالمئة- الأناضول

يعمل سائق سيارة الأجرة الأردني محمد ذياب ما يقارب الثماني عشرة ساعة يوميا كي يحصل على مبلغ 25 دينارا (36 دولارا) نظير ضمان المركبة، إلا أن مهمته زادت صعوبة بعد ارتفاع أسعار المحروقات المتكرر دون تعديل تعرفة الأجرة. كما يقول لـ"عربي21".

السائق ساء حاله أكثر بعد أن ضربت جائحة كورونا مصدر رزقه واضطر للتوقف عن العمل بسبب القيود التي فرضتها السلطات خلال الأشهر الماضية لمواجهة الجائحة مما تسبب بتراكم الديون عليه.

ذياب كما هو حال الأردنيين يترقب فصلا جديدا من ارتفاع أسعار المحروقات يصل إلى نسبة تتراوح ما بين 5-12% حسب ما أكد خبراء في مجال الطاقة والنفط.

يشير عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، إلى أن فاتورة الطاقة تستهلك أكثر من 40% من دخل المواطن الأردني (بين بنزين، وكهرباء، وتدفئة) بمتوسط دخل شهري 350 دينارا (493) دولارا.

يقول لـ"عربي21" إن "أسعار النفط ترتفع لأعلى مستوى في سبع سنوات، بسبب ضيق العرض العالمي والطلب القوي".

ولمواجهة هذا الارتفاع المرتقب يدعو الشوبكي الفريق الاقتصادي الحكومي ووزارة الطاقة للعمل على وضع حلول سريعة في سقوف سعرية لارتفاع فاتورة المشتقات النفطية على المستهلك كما تفعل العديد من الحكومات.

وقال: "يجب عدم الاكتفاء بتثبيت سعر الكاز فقط، والتحوط قبل إجراء هذه القفزة في الأسعار وإعادة دراسة الضرائب المفروضة على البنزين والسولار، وكإجراء مؤقت تقسيم الارتفاع الحاصل وتحميل الحكومة جزءا منه، حتى التمكن من إيجاد بدائل وإيرادات بعيداً عن جيب المستهلك".

موقف نيابي

نيابيا، شدد عضو لجنة الطاقة النيابية ضرار الحراسيس، في حديث لـ"عربي21"، على أن "عددا من النواب وقعوا عصر الاثنين على مذكرة نيابية تدعو الحكومة لوقف رفع أسعار المحروقات، ورفع الضرائب المفروضة عليها خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن والقطاعات بسبب جائحة كورونا".

وانتقد النائب فرض الحكومة ضرائب مختلفة على المحروقات، قائلا: "في عام 2008 كان سعر برميل النفط 150 دولارا لكن لتر البنزين لم يكن يتجاوز الدولار اليوم نجد أن سعر لتر البنزين يتجاوز الدولار رغم أن سعر برميل برنت يبلغ 85 دولارا، وهذا مرده بسبب الضرائب التي تفرضها الحكومة".

بدوره، تعهد وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة، خلال اجتماع مع لجنة الطاقة النيابية، الاثنين، بأن تدرس الحكومة طلب النواب "بعناية"، مبينا أن الوزارة "مستعدة لتقديم تفصيلات في جلسة خاصة حول الضريبة المفروضة على المشتقات النفطية".

"ابحث عن صندوق النقد الدولي"

وبدأت أولى شرارات رفع أسعار المشتقات النفطية عندما حررت الحكومة الأردنية الأسعار بشكل متدرج منذ 2017، لتوفير حوالي 600 مليون دولار حينها، شملت رفع الدعم عن المحروقات التي لحقتها سلسلة طويلة خلال الأعوام الماضية من فرض للضرائب والرسوم، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي بما يسمى "رفع الدعم".

التحرير أو ما تسميه الحكومة "رفع الدعم وإزالة التشوهات في الموازنة" يأتي استجابة لبرامج "التصحيح الاقتصادي" التي وضعها صندوق النقد الدولي والذي بدأ علاقته مع الأردن منذ 1989 رسم خلالها جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية المتعاقبة التي طبقت هذه الوصفات، وقامت برفع أسعار ورسوم سلع أساسية.

اقرأ أيضا: مزيد من الأردنيين يسقطون في الفقر.. وغياب للحلول

 
وينتقد أردنيون آلية تسعير المشتقات النفطية الشهرية، معتبرين أنها لغز محير، ففي الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط عالميا؛ فإنها تكون مرتفعة في البلاد مقارنة مع الدول المحيطة.

وأطلق ناشطون أردنيون على مدار السنوات الماضية حملات ضد رفع أسعار المحروقات تحت شعار "معناش" (لا نملك شيئا) و"مش ساكتين" (لن نسكت)، مطالبين بـ"تخفيض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية إلى النصف، وإعادة الدعم إلى الخبز، وعدم التلاعب بأسعار الوقود من خلال اعتماد الأسعار العالمية لتسعير المشتقات النفطية، وتخفيض تعريفة الكهرباء".


إلا أن وزارة الطاقة الأردنية تقول عبر موقعها الإلكتروني إن الآلية واضحة وتشمل حساب معدل الأسعار العالمية للمشتقات النفطية في الأسواق المرجعية (مثل أسواق سنغافورة، وأسواق البحر الأبيض المتوسط) مضافاً إليه جميع التكاليف التي تترتب على إيصال المشتقات النفطية من الأسواق العالمية إلى المستهلك.

ويتم احتساب سعر المشتقات النفطية وفق البيان من خلال احتساب معدل السعر لهذه المشتقات لفترة 30 يوما تسبق تاريخ الإعلان عن السعر الذي يسبق شهر البيع وعلى أساس سعر كل منتج وليس على أساس سعر النفط الخام.

كما تضاف ضريبة خاصة على البنزين الخالي من الرصاص أوكتان (95) بمقدار 24 بالمئة وعلى البنزين الخالي من الرصاص أوكتان (90) بمقدار 18 بالمئة وعلى باقي المشتقات النفطية بمقدار 6 بالمئة باستثناء مادة زيت الوقود الثقيل ووقود الطائرات.

"إضرار بالاقتصاد الوطني"

ويرى اقتصاديون أن رفع أسعار المحروقات كان بمثابة فتح "صندوق باندورا" الذي أطلق الشرور على الاقتصاد الأردني، كما يرى المحلل السياسي والاقتصادي، فهمي الكتوت مؤلف كتاب "الأزمة المالية والاقتصادية في الأردن (أسباب ونتائج)".

يؤكد الكتوت لـ"عربي21" أن الحكومة تفرض ضرائب مضاعفة على المشتقات النفطية تصل إلى ١٢١٪ على بنزين أوكتان 90 الذي يبلغ سعر اللتر الواحد منه قبل الضريبة ٣٠ قرشا (42 سنتا) وبعد الضرائب يصبح ٦٧ قرشا (94 سنتا)، فيما البنزين ٩٥ فتفرض عليه الحكومة ضريبة بنسبة ١٨٢٪، حيث يبلغ سعر اللتر الواحد منه قبل الضريبة ٣١ قرشا (42 سنتا)، وبعد الضريبة يصبح سعره ٨٩ قرشا (97 سنتا)، كما تفرض على الكاز ضريبة بنسبة ٥٢٪، حيث سعر اللتر الواحد منه قبل الضريبة ٣١ قرشا (42 سنتا)، فيما يصل السعر بعد الضرائب إلى ٤٨ قرشا (68 سنتا).

ويعتبر الكتوت أن ذلك يأتي ضمن "السياسات النيوليبرالية، والتبعية السياسية، ووصفات صندوق النقد الدولي، التي أزمت الاقتصاد الوطني، وأنهكت حياة المواطنين، وتسببت في تعميق الخراب، وجعلت الدولة خادمًا أبديًا للديون، ومنفذًا نجيبًا للإملاءات، وسوقًا للبضائع المستوردة ما نستطيع إنتاجه منها وما لا نستطيع".

ويشير الكتوت في كتابه -الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه- إلى أن الضرائب المحلية تشكل 65% من الإيرادات المحلية في موازنة الأردن، ومع إضافة الرسوم وبدل الرخص ترتفع هذه النسبة إلى 79% معظمها ممولة من الفقراء والطبقات الوسطى وتحديدا ضريبة المبيعات التي تبلغ 16% على كل السلع.

ويرى الكتوت أن "تحرير أسعار المشتقات النفطية وفرض ضرائب عليها عاد بنتائج وخيمة على الاقتصاد الأردني، بعدما بات المنتج المحلي الأردني غير منافس بسبب رفع كلف الإنتاج، وتسبب فرض ضريبة خاصة على المحروقات برفع أسعار سلع عديدة في السوق، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع العبء الضريبي".

أما الوزير الأسبق الدكتور جعفر حسان فبين في كتابه "الاقتصاد السياسي الأردني: بناء في رحم الأزمات"، أن "القطاع الخاص يعاني من تشوه النظام الضريبي، إذ تعتمد الموازنة في 47% من إيراداتها على ضريبة المبيعات، وهي ضريبة لا تحقق العدالة، لأنها غير تصاعدية كما هو الحال في ضريبة الدخل، وتُضعف القوة الشرائية محلياً (باستثناء المواد الأساسية)، وتزيد كلف الإنتاج".

فاتورة طاقة مرتفعة

هذا وارتفعت الفاتورة النفطية للمملكة منذ مطلع العام الحالي ولنهاية شهر آب/ أغسطس الماضي بنسبة 16 بالمئة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

ووفقا لبيانات التجارة الخارجية، الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، بلغت قيمة الفاتورة النفطية نحو 1.065 مليار دينار لنهاية شهر آب/ أغسطس من هذا العام، مقارنة بذات الفترة من العام الماضي والبالغة نحو 918 مليون دينار.

التعليقات (0)