نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا لسايمون تيسدال قال فيه إن
إسرائيل صعدت من خطط
العمل العسكري ضد
إيران. وفي مقاله المعنون "الصقور على الجانبين مستعدون للانقضاض
لو ظلت إيران تجرجر أقدامها في المحادثات النووية" قال: إن تحذيرات منسقة
جاءت من الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي بأن الوقت "قصير" لإحياء
الاتفاق النووي الذي يحد من نشاطات إيران النووية، وهي تحذيرات تثير القلق: ماذا ستفعل
الحكومات المعارضة، لو ظلت حكومة إيران المتشددة، كما هو واضح الآن تجرجر أقدامها وتواصل
في الوقت نفسه زيادة الجهود لبناء السلاح النووي؟
ولم
يخف قادة إسرائيل قلقهم. فقد قال وزير الخارجية يائير لابيد: "كل يوم يمضي، وكل
تأخير في المفاوضات يقرب إيران للقنبلة النووية، ولو استمر النظام الإرهابي بالحصول
على السلاح النووي فنحن مستعدون للتحرك. وعلينا التأكد من عدم سماح العالم المتحضر بحدوث هذا".
وكان
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حذرا في تصريحاته: "علينا أن نكون جاهزين
والتحول إلى الخيارات الأخرى لو لم تغير إيران من مسارها. ولكننا لا نزال نؤمن أن الدبلوماسية
هي الخيار الأفضل". وتوقعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن تصل المحادثات
المتوقفة إلى "اللحظة الحاسمة".
وآخر
ما يريده جو بايدن الذي يحاول الخروج من الشرق الأوسط والتركيز على الصين هو عمل عسكري
إسرائيلي ضد إيران بشكل يشعل كل المنطقة. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت
لا يستبعد هذا: "العالم ينتظر وإيران تعرقل وأجهزة الطرد المركزي تدور".
والمخاوف
هنا حقيقية؛ ففي دراسة مسحية أجراها معهد الديمقراطية الإسرئيلية وجدت أن معظم اليهود
الإسرائيليين، 51% يعتقدون أنه كان على إسرائيل الهجوم على إيران منذ عدة سنوات بدلا
من الانتظار والتفاوض على تسوية. وقال أكبر جنرال عسكري إسرائيلي أفيف كوخافي، الشهر
الماضي إنه تم تصعيد الخطط العسكرية ضد إيران.
ويرى
تيسدال أن المخاطر واضحة، وما هو غير واضح كيفية رد الرئيس الإيراني المتشدد على الضغوط
الدولية. ومنذ انتخابه في حزيران/ يونيو، رفض رئيسي العودة إلى محادثات فيينا الهادفة
لإحياء الاتفاقية النووية أو "خطة العمل المشتركة الشاملة" الموقعة عام
2015 والتي دمرها دونالد ترامب وحدت من نشاطات إيران النووية. ويقول حلفاؤه المتشددون
والذين يسيطرون على كل مراكز القوة في إيران إن المحادثات ستبدأ "قريبا"
بدون تحديد موعد.
وللأسف
فقد تم استبدال المفاوض عباس عراقجي بمفاوض متشكك وهو علي باقري كاني. ويقول صاحب صادقي،
المحلل الإيراني: "كان باقري عنصرا بارزا في فريق المفاوضات في ظل رئاسة محمود
أحمدي نجاد. وهو معارض قوي لاتفاقية العمل الشاملة المشتركة، ويعتقد أنها تنتهك الحقوق
الوطنية الإيرانية وتقوض استقلالها".
وتواجه
الدول الغربية التي تحاول العودة للمفاوضات في فيينا معوقات أساسية. ويعتقد رئيسي ووزير
خارجيته حسين عبد اللهيان، أن رفع العقوبات عن إيران مقابل إحياء الاتفاقية النووية
ليس أولويتهم، ولو اقتضت الضرورة فستنجو إيران بدون هذا.
وإيران
بحاجة ماسة لشركاء تجاريين، لكنها تنتفع من زيادة أسعار النفط المتزايدة. وكتب صادقي:
"تركز إدارة رئيسي على استراتيجية الأولويات "تحييد أثر العقوبات" من
خلال تقوية العلاقات الاقتصادية مع الجيران ودول مثل الصين وروسيا".
وتؤمن حكومة رئيسي أن الولايات المتحدة الراغبة باحتواء
إيران ستجد دائما طرقا وأسبابا لفرض العقوبات عليها. ويتوقع المراقبون أن يدفع رئيسي
بتمتين العلاقات مع الصين التي تحتاج للنفط والغاز الإيراني. وتشمل السياسة التي أطلق
عليها "تطلع إلى الشرق" علاقات موسعة مع دول مثل باكستان التي نبذتها الولايات
المتحدة ودول في وسط وشرق آسيا. ولتحقيق هذا تم تعيين مهدي سفاري، السفير الإيراني
في الصين وروسيا نائبا لوزير الخارجية لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية.
وتحتاج
إيران لشركاء تجاريين جدد، ولكنها تنتفع من زيادة أسعار النفط، ورغم عزلتها واقتصادها
الذي ضربه الوباء إلا أنه يظهر علامات تعاف. وأصبحت الدول الإقليمية التي تعاني من
احتياجات للطاقة مثل لبنان أكثر تبعية. وهذا يؤشر إلى ملمح ثان من استراتيجية رئيسي،
محاولة حثيثة لإصلاح أو تعزيز العلاقات مع العالم العربي، فقد زار عبد اللهيان مصر
وسويا ولبنان والتقى مع قادة الإمارات العربية المتحدة. وبعد أشهر من المحادثات السرية
مع السعودية والتي استضافها العراق، سيتم فتح علاقات محدودة مع الرياض. ولو حدث هذا
فستكون خطوة كبيرة نحو إعادة تأهيل إيران. وسيتداعى الائتلاف الأمريكي- الإسرائيلي
المضاد ضد إيران، حيث ستحذو دول في المنطقة حذو بقية الدول.
وفي
ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط وحتى مع وجود اتفاقيات "أبراهام"
فستجد إسرائيل نفسها عرضة للخطر وميالة أكثر نحو الضغط على الزناد. وكبديل عن هذا يقترح
مركز السياسة الإماراتي في أبو ظبي أن التحول الإيراني ليس عميقا، ففي الوقت الذي تشترك
فيه إيران والسعودية بأمن المياه وخطوط الملاحة وتخفيض التصعيد في اليمن إلا أن إصرار
رئيسي على دعم حركات المقاومة (الجماعات الشيعية المسلحة والقوى الوكيلة في العراق
وغيره) يظل عقبة كأداء أمام أي تقارب.
وفي
الخيار الثالث، فرئيسي على أكثر احتمال لن يتخلى عن محادثات فيينا والتي سيلعب فيها
أعداؤه. وعندما يعود المفاوضون الإيرانيون في النهاية فسيحملون معهم شروطا متشددة مثل
منافع اقتصادية على المدى القريب مقابل العودة للاتفاقية النووية. وسيحاولون التفريق
بين الملفات النووية والموضوعات الأخرى مثل الصواريخ الباليستية والأمن الإقليمي.
ومع
جرجرة إيران قدميها نحو المفاوضات فستتوسع القدرات النووية وبدون توقف، وفي مرحلة ما
سيوقف القادة الغربيون المحبطون المفاوضات ويبحثون عما يسمونها "الخطة ب".
ولا أحد يعرف ماذا تحمل هذه الخطة، ولكنها بالتأكيد ستحمل أخبارا سيئة. وفي ظل العداء
الإسرائيلي المستحكم (والمتبادل أيضا) فاستراتيجية رئيسي ستؤدي إلى منطق قاتم، إن أخذنا
بعين الاعتبار الازدواجية الأمريكية والعقم والتلون الأوروبي. ولكنها استراتيجية ومواقف
تهمل أثر العقوبات على الإيرانيين العاديين، وتهمل مظاهر القلق من انتشار السلاح النووي
وتهدد بانقسام في داخل الديمقراطيات الغربية. والأسوأ من كل هذا، فهي تفتح الباب أمام
الصقور في كل الجوانب والذين يدعون بطريقة متهورة للحلول العسكرية، مع أن حلولا كهذه
غير موجودة في الواقع. الحرب مع إيران؟ تظل خيارا وكونها لم تحصل الآن لا يعني أنها
لن تحدث أبدا.