الكتاب: 20 عاما على تأسيس اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة: قصة تضامن مع الشعب الفلسطيني
المؤلف: بشير صقر
الناشر: المرايا ـ القاهرة ـ ط 1 ـ 2021.
تصاعدت أزمات "اتفاق أوسلو"، حتى كانت "قمَّة كامب ديفيد"، بين رئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، برعاية الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر (تموز/ يوليو 2000). وأخفقت تلك القمَّة في حلحلة الانسداد في ذاك الاتفاق الكارثي؛ ما هدَّد بانفجار الموقف، ولم تتأخَّر الشرارة عن الوصول، إذ سرعان ما أقدم أرييل شارون على اقتحام باحة المسجد الأقصى، بحراسة شرطية إسرائيلية كثيفة، ما اعتُبِر تدنيسا للمسجد، الذي يتمتَّع بقداسة استثنائية عند المسلمين؛ فانفجرت "انتفاضة الأقصى"، في يوم الزيارة نفسه (28/9/2000)، وزاد على أسباب السخط الشعبي الفلسطيني، إسهام عرفات في إشعال الموقف ضد الطرف الإسرائيلي؛ في محاولة منه لحرف سخط الجماهير العربية الفلسطينية تجاه المحتل.
سرعان ما تردَّدت أصداء هذه الانتفاضة، في أرجاء شتى من الوطن العربي، والعالم الإسلامي؛ فالأقصى هو "أولى القبلتيْن، وثالث الحرميْن الشريفيْن".
في
مصر، انفجر السخط الشعبي على ما سبق للسادات أن اقترفهُ، بمبادرته المشؤومة (خريف 1977)؛ وجاء الانفجار في أشكال شتى من التضامن القوي مع "انتفاضة الأقصى". والحقيقة أن "اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة"، كانت في مقدِّمها.
عن هذه "اللجنة"، بادر أحد مؤسسيها بتوثيقها للذاكرة القومية، والدينية، على حدّ سواء. وخيرا فعل. وقد أهدى عملهُ التوثيقي هذا "إلى كل من شارك في
دعم النضال الفلسطيني؛ وخصوصا إلى من رحلوا، في أثناء سنوات نشاط (اللجنة الشعبية)، الزملاء: مصطفى عبدالغفار، غيث عبدالعظيم، وعبدالباسط عبدالصمد".
وألحق صقر هذا بأبيات لشاعر المقاومة الفلسطينية المعروف، توفيق زيّاد:
همست شجرة توت حين مرُّوا صباحا تحتها:
العبوا بالنار ما شئتم فلا حق يموت!
نوَّه المؤلف، في مقدمة كتابه، إلى صدور هذا الكتاب "بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس اللجنة... بعد أن هرولت بلدان عربية كثيرة لـ (تطبيع) مُعلَن مع الكيان الصهيوني... بعد أن كان هذا التطبيع يجري في الخفاء، وعانت دول أخرى من توابع ثورات (الربيع العربي)؛ مما مهَّد الطريق للإعلان عن (صفقة القرن)؛ لتصفية القضية الفلسطينية، في ظل همود لا تُخطِئهُ العين، للمقاومة الفلسطينية، وتواطؤ عربي فاضح، ونشاط دولي، ساع إلى كسب الوقت، وفرض الصفقة... لتُبرهِن تجربة اللجنة على حيوية الشعب المصري، فضلا عن عمق الصلات، والمشاعر، والآمال... نحو شعب يجري التنكيل به". (ص 10،9).
تضمَّن الكتاب خمسة أبواب، تولّى أولها خطوات تأسيس اللجنة، بادئا بفصل عن "اندلاع الانتفاضة، وأول ردود الأفعال الشعبية، وتأسيس اللجنة"، بينما اهتم الفصل الثاني برصد "مهام اللجنة، وإطارها السياسي". والتقط الفصل الثالث "مشاهد لا تُنسى".
رصد الباب الثاني تقسيم العمل في اللجنة، ولجان النشاط المختلفة، وتواصُل الدعم، العيني والسياسي، والخبرات المتراكمة عن هذا كله.
تعرَّض الباب الثالث، في فصله الأول، للمعوِّقات التي اعترضت اللجنة، وجملة التدخلات، والإجراءات، والعراقيل، من جهات دولية، وأجهزة محلية رسمية، وهيئات سياسية وحزبية، فضلا عن أفراد، لكن اللجنة لم تقف مكتوفة اليدين، بل تحرَّكت في سبيل تذليل تلك العقبات. بينما ألقى الفصل الثاني الأضواء على اختطاف الدولة مؤتمر الكاتدرائية للتضامن مع الانتفاضة. كما رصد الفصل الثالث قيام الدولة بتشتيت مناضلي العريش على المحافظات، وهم المبادرون بتشكيل هذه اللجنة، فضلا عن رحيل مباغت لثلاثة من أعضاء اللجنة. في الفصل الرابع من الباب نفسه، تمَّت متابعة قافلة دمياط، المحمَّلة بالمعونات العينية لشعب الانتفاضة، وما لاقتهُ، وكأنه كرنفال سري للجان شعبية، تحكمهُ اعتبارات مريبة. بينما تفرَّغ الفصل الخامس لرصد أساليب أجهزة الدولة في مناهضة اللجنة.
تضمَّن الباب الرابع ثمانية فصول، رصد أوَّلها نماذج من تقارير اللجنة، على مدى العام الأول من نشاطها. بينما تتبَّع الفصل الثاني مسار القافلة السادسة (المجمَّعة) من المعونات للانتفاضة. وتابع الفصل الثالث تقريرا عن اجتماع مهم للجنة شمال سيناء، عن "القافلة المجمَّعة". وعدَّد الفصل الرابع الأطراف التي تلقَّت دعم الشعب المصري، وتعامل الفصل الخامس مع الإضراب الاحتجاجي التبادلي عن الطعام. والتقط الفصل السادس تضامنا في مجال الرياضة. ورصد الفصل السابع مظاهر تعنُّت الجانب الإسرائيلي. واختُتِم الباب بالفصل الثامن، عن أحداث مستجدَّة، واستجابات اللجنة لها.
تضمَّن الباب الخامس ثلاثة فصول، تخصَّص أولها في رصد التباينات، والتعارضات السياسية داخل اللجنة. وعدَّد الفصل الثاني أشكال التوثيق الفردي والجماعي للتجارب السياسية. واختُتِمَ الباب بفصل موجز للنشرة الإعلامية للجنة القاهرة.
في لمحة خاطفة، قدَّم صقر طبيعة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وصولا إلى حالات "التطبيع" الراهنة، التي نقلت الاتصالات الخفية إلى العلن مع الكيان الصهيوني. (ص 311 ـ 316).
لننتقل إلى خاتمة، ضمَّنها المؤلف جملة من الاستنتاجات، والدروس المستفادة، مبتدئا بأن استمرار اللجنة في نشاطها (2000 ـ 2004)، كان مشروطا بشرطيْن، أولهما تواصُل الانتفاضة، وتصاعدها، أما الشرط الثاني، فتمثَّل في قدرة اللجنة على التماسك، والقيام بمهامها (ص 317 ـ 319).
أما ما حدَّدهُ أعضاء اللجنة، في خطوتها الأولى، من مهام وكيفية تنفيذها، واتخاذ القرار الموجَّه العملي، لوضعه موضع التنفيذ.
لأن اللجنة جمعت العديد من التوجهات، الفكرية والسياسية، وفلول التنظيمات القديمة، خصوصا اليسارية والناصرية، التي انفرط عقد معظمها، ولعل الأهم هو استطالة حالة الإحباط، والقنوط بأعضائها، لما يربو على العقديْن من الزمان؛ ما جعل استنهاضهم أمرا بالغ الصعوبة. لذا، لم يبتدِعوا الجديد، إلا بعد فترة من النشاط، والعمل.
في محاولة للإفلات من المناكفات، جرى تقسيم العمل، دون مناصب، بل جرى توزيع المهام، بما يناسب مهارات كل عضو، وكفاءته، والمدى الزمني الذي يعطيه لعمل اللجنة.
أما اتخاذ القرارات، فبالتوافق، في مجال القرارات الموجِّهة، وبمبدأ الأغلبية، في القرارات العملية. وقد اعتُمِدَت هذه الصيغة باقتراح من السيدة/ منى صادق، وحبَّذهُ مدحت الزاهد.
في المجال الثالث، تم الأخذ بصيغة العضوية الشخصية، دون التمثيلية، مع استقلالية اللجان الشعبية، في أحياء القاهرة الكبرى، والمحافظات؛ ما أتاح مزيدا من الحرية في تسيير أمور اللجان.
لعل من أهم عوامل النجاح، في العام الأول من عمر اللجنة، كان التقيُّد بالمهمة المحدَّدة، بالإبداع، والابتعاد عن النمطية. إلى بذل قصارى الجهود لمنع فرض الرأي، بالقوة. وظلَّ التماسُك الداخلي هدفا، في حد ذاته.
لذا، كان طبيعيا أن تفرض اللجنة وجودها، حتى غدت معطى سياسيا في المجتمع، لا يمكن تجاهله. وأدَّت لجنة المحافظات دورا واضحا في إطالة أذرع اللجنة، وتوسُّعها، على الرغم من من تزايُد الأعباء، والمهام، على لجنة المحافظات، مع ضعف القلب الإداري للجنة، وخلوِّهِ من المتفرِّغين.
انقضَّت بعض لجان "الحزب الوطني" الحاكم على التبرعات، فصادرتها، واتَّهمت أجهزة الأمن جامعي التبرعات بانتهاك القانون!
أشار المؤلف إلى دور بعض قياديي اللجنة في عرقلة أنشطتها.
أما ركائز أنشطة اللجنة، فتمثَّلت في:
ـ العمل الدؤوب، والوفاء للمهمة.
ـ التوظيف الجيد للإعلام.
ـ العناية بالجمهور الملتف حول اللجنة.
ـ ابتداع مهام جديدة، كل يوم.
لذا، كانت استجابة الجمهور لدعم الانتفاضة خيالية.
أما إنجازات اللجنة، السياسية والمادية، فتمثَّلت في:
ـ صمدت اللجنة، ولم يَفُتّ في عضدها كل إجراءات الأمن القمعية، أو اتهام الأعضاء بخرق "اتفاقية السلام"، و"الإساءة إلى دولة جارة لمصر"؛
ـ تمكَّنت اللجنة من تدشين 19 قافلة (ما بين 29/11/2002 ـ مايو/أيار 2004)؛
ـ تقدَّمت المرأة الصفوف، في شتى أنشطة اللجنة.
أنهى المؤلف كتابه بثماني عشرة صفحة من الوثائق، والصور الفوتوغرافية، من بين 354 صفحة من القطع المتوسط، استغرقها الكتاب.
وبعد، فقد تحقَّقت أمنية المؤلف، في اعتبار كتابه هذا وثيقة دقيقة وحيَّة، عكست حرص الشعب المصري على دعم أشقائه الفلسطينيين في انتفاضتهم، بقدر ما تضمَّن نشاط اللجنة احتجاجا على اتفاقيات الصلح، و"السلام"، التي أبرمها النظامان المصري والأردني، وبينهما السلطة الفلسطينية، ولعل أنشطة تلك اللجنة ضمن ما خصَّب الأرض للنهوض، والحراك السياسي اللاحق في مصر، على مدى العقد الأول من الألفية الثالثة. وتبقى ملاحظة شكلية تخُص العنوان بالغ الطول.