هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع مرور الأشهر الأربعة الأولى لتسلم رئيس الموساد الجديد ديفيد بارنياع لمهامه الأمنية والاستخبارية، فإن أمامه مهمة داخلية إسرائيلية لا تبدو أقل خطورة عن المهام الخارجية مع الجبهات المعادية، في ظل ما "اقترفه" سلفه يوسي كوهين من توظيف "مبتذل" للجهاز ومهامه لخدمة مصالح رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
لم يعد هذا سراً، على العكس من ذلك، فقد كان سرا مكشوفا، يتحدث به الإسرائيليون العاديون، فضلا عن الساسة والمحللين والكتاب، الذين أخذوا على كوهين، رغم ما قام به من مهام وعمليات، أنه استخدم اسم الموساد لخدمة أيديولوجيا نتنياهو، ومصالحه الشخصية، ما تسبب في حدوث هزة داخل الجهاز، وعلى جميع المستويات التشغيلية والتنظيمية، ما يطرح السؤال عن ما إذا كان بارنياع مدركا لكيفية استخلاص الدروس اللازمة.
آخر التعليقات الإسرائيلية على هذه المسألة الحساسة هو للكاتب ران أدليست الذي أشار في مقال في صحيفة معاريف، ترجمته "عربي21" إلى أنه "من المبكر الحكم على أداء برنياع خلال الأشهر الأربعة الأولى من قيادته للموساد، مع وجود بعض الدلائل للاعتراف بالواقع، وتطهير "الإسطبلات" بعد عهد كوهين، ما يتطلب منه أن يكون قادرا على تنفيذ بعض المهام الاضطرارية الضرورية، المشهورة باسمها الشائع "الإصلاح".
هذا، مع العلم أن بارنياع ومن خلال خبرته الطويلة في تقلد مناصب عديدة داخل الموساد، يبدو أن عليه مهام أساسية تتعلق باستيعاب الواقع الجديد للعمل الأمني في المنظمات الاستخباراتية، وتقليص الوحدات العملياتية بشكل كبير، والنظر في تقييم عمليات التجسس والاغتيال، خاصة ما تقوم به وحدات "قيسارية وحربة" المشكلتين من نخبة الموساد.
اقرأ أيضا: صحيفة: "كوهين" من الموساد إلى شركة تدعمها السعودية
أكثر من ذلك، فإن من المتوقع أن يخوض برنياع مواجهة في المستقبل مع وزارة الخارجية حول دور شعبة "العالم في الموساد"، وصلاحياتها في إدارة الاتصالات مع الحكومات الخارجية جنبا إلى جنب مع الاتصالات مع المنظمات الأمنية الأخرى، نظرًا لهيمنة وزير الخارجية الحالي يائير لابيد ورئيس الوزراء المستقبلي.
يتطرق أدليست في مقاله إلى "مستقبل عمل الموساد في حال تم اتخاذ القرار الدولي المهم بشأن حجمه وطبيعته، إذا تم توقيع اتفاقية نووية جديدة بين الولايات المتحدة وإيران، وفي هذه الحالة سيطرأ عليه تغيير جوهري، خاصة في خطط الطوارئ التي نشأت، ثم ستسقط بطبيعة الحال، اعتمادًا على طبيعة الاتفاق، بما في ذلك تجنيد آلاف الموظفين والعاملين، ما يعني توفير المليارات، وصولا إلى تغيير جذري في أجندة الجهاز التي صممت سابقا لصالح أيديولوجية شخصية حزبية".
هذا يعيدنا إلى حقيقة أن المشروع السياسي والأمني المشترك بين نتنياهو وكوهين تمثل في السنوات السابقة بالتصدي للبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك اغتيال أشخاص نافذين في تفاصيله، وإلحاق أضرار بالمنشآت النووية، ومساعدة حملة دونالد ترامب الدبلوماسية للانسحاب من جانب واحد من الاتفاقية الثنائية، لكن المثير لخيبة آمال إسرائيل اليوم أن إيران اليوم باتت في وضع "دولة العتبة النووية".
ولعل تزامن استلام برنياع لمهامه الاستخبارية في رئاسة الموساد لقرب إنجاز اتفاق نووي مع إيران، يفرغ الأعذار التي حملها سلفه كوهين من مضمونها، لأنه بعد سنوات من إهدار الموارد والادعاءات والاغتيالات، تتفاوض إيران مع الولايات المتحدة على أساس من توازن الرعب المتبادل، هذه هي الحقيقة، بل إن إيران تهدد الولايات المتحدة، وتطالبها برفع العقوبات، وإلا ستمضي قدما في إنجاز هدفها النهائي بدخول النادي النووي.
لا تخفي الدائرة الضيقة لبرنياع أن من أهم الدروس المستفادة من حقبة كوهين، تتمثل في التخلص من تنفيذ أنشطة أمنية وعسكرية حساسة وحرجة لخدمة مصالح شخصية لرئيس الحكومة السابق، الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه أحد أشكال الفساد المستتر، والأصل ألا يكون قائما في المؤسسات الأمنية الاستخبارية، وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى اضمحلالها، وتصبح الثقافة التنظيمية السائدة فيها فاسدة ومتعفنة، رغم أنها مكتومة.
تحد أمني آخر يواجه برنياع في سنواته القادمة، يتمثل في إعادة الموساد إلى سيرته الأولى في السنوات والعقود الأولى لتأسيسه، والمتعلقة بالسرية التامة في تنفيذ مهامه، وهو عرف مهم للغاية، وأداة أزمة لإغلاق ملف كل عملية ينفذها الجهاز، في حين أن ما قام به كوهين من كشف استعراضي لعملياته الخارجية أضر بالموساد نفسه، وأثار غضب مساعديه، دون القدرة على معارضته، أو رفع صوتهم، واليوم يبدو برنياع عائدا تدريجيا إلى سياسة الغموض الموسومة بالموساد.