كتاب عربي 21

قمة بوتين- أردوغان: ما الجديد؟

سعيد الحاج
1300x600
1300x600
تستضيف مدينة سوتشي الروسية يوم الأربعاء المقبل قمة جديدة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بعد انقطاع في القمم الثنائية لفترة ليست بالبسيطة.

إذ كانت القمة الأخيرة بين الرئيسين قبل سنة ونصف، وتحديدا في آذار/ مارس 2020، عندما وقعا وقفا لإطلاق النار في إدلب بعد هجوم للنظام السوري فيها، وهو ما يعني تراجعا واضحا في وتيرة انعقاد القمم بينهما. ولئن كانت جائحة كورونا سببا رئيسا لهذا التراجع، إلا أنه من الصعب حصر الأسباب بها، لا سيما في ظل مؤشرات عديدة على توتر غير معلن بين البلدين مؤخرا.

فالمحطات التي سبقت القمة تشي جميعها بالتوتر، من مقتل جنود أتراك إثر استهدافهم في الشمال السوري، إلى تكرر قصف الطائرات الروسية في مناطق السيطرة التركية في إدلب وعفرين وغيرهما، إلى زيارة الأسد لموسكو مؤخرا، التي رأى فيها الكثيرون إرهاصة لعملية عسكرية محتملة للنظام في إدلب، إلى التعزيزات التركية في الشمال بعد هذه الزيارة، إلى تكرار الرئيس التركي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفض بلاده لضم روسيا شبه جزيرة القرم.
المحطات التي سبقت القمة تشي جميعها بالتوتر، من مقتل جنود أتراك إثر استهدافهم في الشمال السوري، إلى تكرر قصف الطائرات الروسية في مناطق السيطرة التركية في إدلب وعفرين وغيرهما، إلى زيارة الأسد لموسكو مؤخرا

التوتر لا يخيّم فقط على أجواء القمة المقبلة، لكنه كان تسبب بتأجيل قمة سابقة كان مقررا أن تعقد في آب/ أغسطس الفائت في روسيا كذلك، لأسباب تتعلق بالتطورات في أفغانستان وموقف تركيا من أوكرانيا، بما في ذلك بيعها طائرات بدون طيار، ومشاركة وزير الخارجية التركي في "منصة القرم" المناهضة لروسيا بخصوص الضم.

وأما في ما يتعلق بأجندة اللقاء، فمن البديهي أن القضية السورية، وخصوصا الوضع في إدلب، ستكون على رأسها وفي مقدمتها، وهو ما أكده الجانبان. فالناطق باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف قال؛ إن أجندة اللقاء ستكون شاملة، تبدأ بالعلاقات الثنائية "ولكن بالطبع ستناقش أيضا سوريا والصراعات الإقليمية الأخرى". الرئيسُ التركي ذكر بدوره شيئا مشابها، مضيفا: "لن نتحدث عن إدلب وحدها، بل سنناقش أيضا العلاقات الثنائية والوضع في سوريا، وما وصلنا إليه بخصوصها، وما سنحرزه هناك في المستقبل".

وقد كان من اللافت أن كلا الجانبين أعدَّ للقمة على طريقته. فروسيا من جهتها سعت لتسخين الأوضاع في الشمال السوري، إن كان باستقبال رأس النظام السوري في موسكو قريبا وهي زيارة لها دلالاتها، أو بالتسخين الميداني بشكل مباشر عبر مقاتلاتها أو بشكل غير مباشر عبر النظام أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وهذا التسخين الميداني أمر بات منهجا متكررا لروسيا للضغط على أنقرة قبيل اللقاءات أو في محطات بعينها.
كان من اللافت أن كلا الجانبين أعدَّ للقمة على طريقته؛ فروسيا من جهتها سعت لتسخين الأوضاع في الشمال السوري، إن كان باستقبال رأس النظام السوري في موسكو قريباً وهي زيارة لها دلالاتها، أو بالتسخين الميداني بشكل مباشر عبر مقاتلاتهان أو بشكل غير مباشر عبر النظام أو قوات سوريا الديمقراطية

أما تركيا، ورغم رفض وزارة خارجيتها انتخابات مجلس الدوما الروسي في شبه جزيرة القرم، فضلا عن حديث أردوغان في هذا الشأن في نيويورك، إلا أنها مهدت كذلك للقمة بتصريحات لافتة في حدتها تجاه الولايات المتحدة.

فقد انتقد الرئيس التركي استبعاد بلاده من مشروع مقاتلات F35، متهما الولايات المتحدة بعدم الصدق، وكذلك دعم الأخيرة "فوق المتوقع لمنظمات إرهابية"، مشيرا إلى أن المسار الحالي للعلاقات بين البلدين "لا يبشر بخير"، خاتما: "لا أستطيع القول إننا بدأنا بشكل جيد مع الرئيس بايدن". لكن الرسالة الأبرز كانت إشارته لرغبة بلاده في شراء منظومات إضافية من S400 من روسيا في حال احتاجت (بلاده) لها، وأنه "ليس لأحد أن يتدخل في ذلك، فنحن من يقرر نشتري ماذا، من أي دولة، وبأي مستوى".

وفي ظل هذه الإشارات المضطربة بين الإيجاب والسلب، يصعب الجزم بمخرجات القمة منذ الآن، لكن من المتوقع أن تكون صعبة وفق كل ما سبق، خصوصا أن الوضع في إدلب مدار خلاف كبير بين الجانبين، وأن كلا منهما يتهم الآخر بعدم تطبيق الاتفاقات الموقعة بينهما؛ إن كان اتفاق سوتشي أو وقف إطلاق النار الأخير.

وعليه، ستكون هناك مطالب ومطالب مضادة، وقد تُقدم روسيا مقترحات معينة لتعديل أو تطوير اتفاق سوتشي، أو الاتفاق على شيء جديد بخصوص إدلب. وقد تحدثت وسائل إعلام تركية عن نية بوتين طرح خريطة طريق جديدة بخصوص إدلب؛ على أردوغان في القمة.
ليس من المنتظر أن تخرج القمة باختراق كبير على صعيد الملف السوري وخصوصا ما يتعلق بإدلب، بل ربما تحولت إلى قمة علاقات عامة وتأكيد المؤكد في ما يخص المسألة السورية، لا سيما وأنها تعقد على مستوى الرئيسين فقط، دون مشاركة وفود تقنية- عسكرية من الجانبين

لكن، في ظل غياب مفاجآت من العيار الثقيل، فليس من المنتظر أن تخرج القمة باختراق كبير على صعيد الملف السوري وخصوصا ما يتعلق بإدلب، بل ربما تحولت إلى قمة علاقات عامة وتأكيد المؤكد في ما يخص المسألة السورية، لا سيما وأنها تعقد على مستوى الرئيسين فقط، دون مشاركة وفود تقنية- عسكرية من الجانبين.

وأما حديث الرئيس التركي عن توقعه بأن يتبنى اللقاء المرتقب "قرارا مهما"، فلعله مرتبط أكثر بالعلاقات الثنائية بين البلدين، التي نجح الجانبان في تطويرها في السنوات القليلة الأخيرة بمنأى عن خلافاتهما بخصوص سوريا، وشهدت انفراجات مؤخرا؛ منها عودة السياح الروس لتركيا بعد الحظر الذي كانت روسيا قد فرضته على الرحلات إلى تركيا بدعوى جائحة كورونا.

twitter.com/saidelhaj
التعليقات (0)