آراء ثقافية

الموت بكرامة: من كليوباترا إلى عاصم بن ثابت

كليوباترا يقال إنها انتحرت بالسم بعد هزيمتها- جيتي
كليوباترا يقال إنها انتحرت بالسم بعد هزيمتها- جيتي

تقول أشهر الروايات عن موت كليوباترا إنها انتحرت بسمّ أفعى حتى تحرم أوكتافيوس من إهانتها وجرّها مقيدة بالسلاسل إلى روما، وكان أوكتافيوس قد هجم على مصر بعد أن علم أنها ستورث ملكها لابنها قيصرون، فدحر جيشها، فقررت الانتحار، وقيل بالسمّ مصّا، وإنها انتحرت مع خادمتين لها، وإن مارك أنطونيو قتل نفسه بالسيف بعد أن رآها ميتة.

مشهد موت كليوباترا إثر هزيمتها أمام الإمبراطور الروماني تتم استعارته للزبّاء في مشهد موتها، وقولها لعمر بن عدي: بيدي لا بيدك يا عمرو، ومصّ الخاتم المسموم، ليكون مشهدًا جليلًا يتناسب مع مهابتها.

 

هناك اعتبارات عدة أملت هذه الاستعارة، أولها ما يزعم عن نسْب زنوبيا نفسها إلى أصول مصرية في المرويات التاريخية، وأن العماليق، وهو أصل الزباء، حسب روايات أخرى، حكموا مصر في بعض الفترات، وهكذا تمت مطابقة من نوع آخر، جرى فيها دمج متتابع ومثير للصور كما يقول الباحث فاضل الربيعي.

والأصل في قصة الانتحار بالسمّ هو حرمان العدو من التشفّي، وتقول أسطورة كليوباترا إن مارك أنطونيو كان يحبها ومات بين ذراعيها بالسمّ أيضًا، وأن عمرو بن عدي كان يحبّ زنوبيا، وارتبط الحب بالموت في كثير من قصص العشق، كما في روميو وجولييت، وممّ وزين، ونجد هتلر قد حرم أعداءه من التشّفي به، فانتحر بالسمّ، بل طلب حرق جثته حتى لا يمثّلوا به، وكان البنزين عزيزًا جدًا. وإنه انتحر مع حبيبته إيفا بروان، وانتحر معه بعض حاشيته بالسمّ. سيغدو الانتحار ثقافة وتقليدًا غربيًا فيما بعد، إما للخلاص من عذاب الضمير، أو للمغامرة، أو للخلاص من العقاب.

ذلك هو الانتحار عند الرومان والإغريق بني الأصفر، أما العرب فأمرهم مختلف، فإن كان الموت فرضا فهم يفضلون الموت بالسيف.


دريد بن الصمة: اقتلني بسيفي


قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون في حنين، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا.

فأدرك ربيعة بن رفيع، دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة، وذلك أنه في شجار له (هودج)، فإذا برجل، فأناخ به، فإذا شيخ كبير، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد بي؟ قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه بسيفه، فلم يغن شيئًا، فقال: بئس ما سلحتك أمك (إهانة له)! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، وكان الرحل في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك.

 

فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس، من ركوب الخيل أعراء (من غير سرج)، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا.

استعلاء أبو جهل على الموت بيد مزارع

لما انتهت المعركة قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من ينظر ما صنع أبو جهل؟ "فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتزم رأسه، وقال: "هل أخزاك الله يا عدو الله؟" قال: "وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟" وقال: "فلو غير أكَّار قتلني"، ثم قال: "أخبرني لمن الدائرة اليوم؟" قال: "لله ورسوله"، ثم قال لابن مسعود وكان قد وضع رجله على عنقه: "لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِيَ الغنم"، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة.

 

فاحتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله، فقال: "يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال: "الله الذي لا إله إلا هو؟" فرددها ثلاثًا، ثم قال: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه"، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: "هذا فرعون هذه الأمة".

شرح الكلمات:


أعمد من رجل قتلتموه، أي أنا سيد رجل قتلتموه، لأن عميد القوم سيدهم: أي فلا عار عليّ في قتلكم إياي.

وجاء أنه قال: لو غير أكار قتلني، والأكار: الزرّاع يعني الأنصار، لأنهم كانوا أصحاب زرع: أي لو كان الذي قتلني ليس فلاحًا، لكان أحب إليّ وأعظم لشأني، يريد أن يقتله محارب، ولم يكن عليّ في ذلك نقص، لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبًا، أخبرني لمن الديرة؟ أي النصرة والظفر اليوم. زاد في رواية، لنا أو علينا؟ قلت لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الصحاح في دبر بالباء الموحدة، والدبرة: الهزيمة في القتال.

عاصم بن ثابت الذي جمع بين عسل الشهادة وسمّ الدبابير:

شارك رضي الله عنه في غزوة أحد، وقتل على يديه طلحة العبدري زوج سلافة بنت سعد وأبناءه، فجاءت أمهم سلافة تبحث عنهم، فوجدتهم ممددين على أُحد، غارقين بدمائهم، وسألت ولدها الذي كان به أنفاس، فقال: سمعت رجلًا حين رماني يقول: خذها وأنا ابن الأقلح.

فنذرت سلافة أن تأتي برأس عاصم وتفرغها وتشرب فيها الخمر، كما أنها ستكافئ من يأتي لها برأسه بأنها ستزوجه ابنة من بناتها وتعطيه مائة ناقة.

جمع عاصم بن ثابت بين العلم والجهاد، فهو الذي جاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام في بدر وأحد، وقتل عددًا من المشركين، وموقفه مع النبي في ليلة العقبة يدل على علمه بالحرب. وهو الذي قتل عقبة بن أبي معيط الأموي يوم بدر، وقتل يوم أحد من أصحاب ألوية المشركين: مسافعًا، والحارث. فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة.

 

فقدم ناس من بني هذيل على رسول الله فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم، فوجه عاصمًا في جماعة، فقال لهم المشركون: استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمنًا، فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك، فجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره، فجرح رجلين وقتل واحدًا، فقتلوه وأرادوا أن يحتذوا رأسه، فبعث الله الدبر (ذكور النحل) فحمته، ثم بعث الله سيلًا في الليل فحمله، وذلك يوم الرجيع.

كان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته: "يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر ألا يمسه مشرك ولا يمس مشركًا أبدًا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع في حياته".

وقال الحافظ بن حجر: "إنما استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله، لما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه.

وأين كرامة الشهادة من ضعة الانتحار.

التعليقات (2)
نسيت إسمي
الأربعاء، 22-09-2021 05:55 م
قصة كفاح بطلتها امرأة.. "أمانى" خريجة دراسات إسلامية وتعمل فى شوى السمك منذ 16 عاما.. تسافر يوميا من الغربية للمنصورة بحثا عن لقمة العيش والرزق الحلال.. العمل بالنسبة لها شرف وكرامة.. وتؤكد: الشغل مش عيب.. دوما ما تثبت المرأة المصرية مدى قوتها وعزيمتها فى تحمل المسؤولية، فتجدها الأم الحنونة والزوجة الصابرة التى تفنى حياتها من أجل أبنائها، والمعلمة المربية صانعة الأجيال، والمكافحة المناضلة التى تبحث عن لقمة العيش بعزة وكرامة على استعداد للتضحية تلبية لنداء الأمومة. ففى كل ثنايا مصر ستجد السيدة المكافحة التى تخلت عن أنوثتها ونعومتها من أجل توفير حياة أفضل لأبنائها، لم تنكسر وتنحنى يوما أمام الظروف، بل كانت صامدة قوية فى وجه الشدائد، واضعة لنفسها بصمة مضيئة فى وجه كل محبط وكسول ويائس، لتظل المرأة هى بطلة الحكاية. وبطلة حكايتنا هى أمانى عبدالغنى محمد، ابنة محافظة الغربية، والبالغة من العمر 35 عاما، درست دراسات إسلامية ولغة عربية فسعت للبحث عن عمل يتناسب مع طبيعة دراستها وسافرت وتغربت عن أسرتها بحثا عن لقمة العيش التى اختارت أن تكون بالحلال من عرق جبينها ولكن دون جدوى، حتى استقرت بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية لتعمل فى مجال شوى السمك من أجل توفير حياة كريمة لأبنائها. قالت أمانى عبدالغني، إنها عملت بمجال شوى السمك من 16 عاما بسبب ضيق الحال وظروف الحياة الصعبة، فاختارت شوى السمك بعد كفاح طويل وبحث دائم عن وظيفة تسترزق منها بعدما أنهت دراستها الجامعية، مشيرة إلى أنها كانت مصرة على إثبات نفسها وتحقيق ذاتها بالعمل فى أى مجال مادامت تعمل بشرف وكرامة. وأضافت أماني، أنها عملت بعدة وظائف قبل شوى السمك ولكنها لم تستقر فى أيا منها لتعرضها لإهانات قاسية من أصحاب العمل، فكانت ترتحل من هنا لهناك بحثا عن وظيفة ترتاح بها وتحافظ على كرامتها معها. وقالت أماني، إنها بعد رحلة طويلة من البحث والعناء، تعرفت على صديقتها "وردة"، فساندوا ودعموا بعضهم البعض وبدأوا حياتهم من الصفر حتى عملوا عند أحد الأشخاص الذى عاملهم كبناته وحافظ عليهم ووفر لهم مكان للعمل وكافة مستلزمات الشوى من أفران وأنابيب للغاز وغيرها. وأوضحت أماني، أنها فى بداية عملها كفرانة شوى سمك لم تكن تعى أصول المهنة وكانت خبرتها ضئيلة فى المجال، حتى أنها تعرضت للكثير من الإصابات والجروح من نيران الفرن ومقص العمل، ولكنها مع الوقت بدأت تتعلم أصول وحرفنة الشوى بمساعدة صديقتها "وردة". وقالت أماني، إن سر نجاحها فى العمل، هو اهتمامها بنظافة المكان وغسيل السمك وتغليفه بشكل جيد، فضلا عن مقابلة الزبائن بود وترحاب. "شوى السمك بهدلنى ولكن الحمدلله".. هكذا وصفت "أماني"، طبيعة عملها فى المهنة، فتقول إنها تعشق مهنة شوى السمك بالرغم من إنها أضرت بصحتها، فكانت ضريبة كفاحها هى مرضها بحساسية مزمنة على الصدر وضعف بصرها، كما أنها تعانى يوميا من السفر خاصة وأنها تعيش فى مركز سمنود بمحافظة الغربية إلا أنها اختارت العمل بمدينة المنصورة بعد أن ارتاحت واطمأنت للعمل بها. مضيفة إلى أنها ستصمد وتكافح بحثا عن الرزق الحلال ولقمة العيش وتوفير حياة أفضل لأبنائها. وقالت وردة عبدالباري، صديقة أمانى وشريكتها فى العمل، والبالغة من العمر 42 عاما، إنها تحب مهنتها وتفتخر بها، حيث تعمل بها لما يقرب من 16 عاما، لتلبية احتياجات أبنائها وتوفير حياة سعيدة لهم. "أمانى هى نصى التاني"، هكذا وصفت وردة صديقتها أماني، فقالت إنهن منذ اليوم الأول للقائهن وهن يساندن ويدعمن بعضهن البعض وكأنهن إخوة، وهذا هو سبب نجاحهن فى العمل سويا. وأشارت وردة، إلى أنها تهتم بتقديم أفضل منتج للزبون من حيث النظافة والمذاق، فتشوى السمك وتتبله مراعية ضميرها فى سبيل كسب رضا الزبائن. "ما عيب إلا العيب".. بهذه العبارة ترد وردة، دائما على كل من يحاول إحباطها والتكسير من مقاديفها وتحطيمها، فتقول: عمرى ما هستسلم وهكمل وهكافح علشان خاطر ولادي". ( الدقهلية ـ مرام محمد في اليوم السابع ) .
عبدالله المصري
الأربعاء، 22-09-2021 05:35 ص
حقا الموت في الحرب بكرامة خيرا من الاسر و العيش ذليلا