دعت
ليزا كيرتيس مديرة برنامج أمن إندو- باسيفيك بمركز الأمن الأمريكي الجديد والمسؤولة
السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي واشنطن إلى تجنب الأخطاء الدبلوماسية التي أفشلت
الانسحاب من أفغانستان.
وقالت
في مقال نشرته مجلة "
فورين أفيرز" إن الولايات المتحدة أنهت وجودها في أفغانستان
وبدأت الآن بالبحث عن أسباب الفشل العسكري الأمريكي على مدى 20 عاما. إلا أن النهاية
الكارثية للحرب لم تكن في ميدان المعركة ولكن نتيجة لكاتالوغ من الأخطاء، وعلى واشنطن
إعادة النظر بجدية في جهودها الدبلوماسية، وبخاصة اتفاقية السلام مع
طالبان التي قادها
المفاوض الأمريكي زلماي خليل زاد.
وأضافت أن المفاوضات التي تمت بناء على شروط طالبان والتي لم تكن ضرورية أو مرغوبة، والاتفاقية
التي وقعت في الدوحة سرعت من انتصار الحركة.
مشيرة
إلى أنه "لو أراد بايدن أن يحكم على انسحابه من أفغانستان، كقرار دبلوماسي مقبول
فعلى إدارته أن تتعامل مع الفشل الدبلوماسي واتخاذ الخطوات الصعبة والواقعية تجاه طالبان.
والقيام بهذه الخطوات هي الطريقة الوحيدة لمنع عودة ملجأ للإرهاب العالمي. وللأسف،
فتسرع إدارة ترامب لتوقيع اتفاقية مع طالبان سيعقد من العملية".
وبعد
ثلاثة أعوام من المفاوضات، أدت لتقوية المتشددين في طالبان حيث بات عدد كبير منهم يلعب
دورا مهما في الحكومة الجديدة مثل سراج الدين حقاني التي ارتبطت حركته بالقاعدة.
وبعد
تشكيل استراتيجية ما بعد الانسحاب، على المسؤولين الأمريكيين تغيير أساليبهم الدبلوماسية-
أي الحكم على طالبان من خلال أفعالها قبل منحها وقادتها الاعتراف الدولي. ومدخل كهذا
مرفق باستراتيجية مكافحة الإرهاب هو الطريقة الوحيدة لحماية المصالح الأمريكية في السنوات
المقبلة.
ومع
أن الولايات المتحدة خاضت مفاوضات مع طالبان ولعدة سنوات إلا أن نهجها قام على التعلل
بالأماني. وكما كشفت "أوراق أفغانستان" التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"
عام 2019 فإن القادة العسكريين رسموا في معظم الأحيان تقييما ورديا للوضع العسكري أو
أخبروا القادة السياسيين أنهم لم يتركوا حجرا إلا وقلبوه في الحرب ضد طالبان، رغم أن
الواقع يقول العكس.
وذكرت
الكاتبة أنها شاهدت أثناء عملها كمساعدة ورئيسة لمجلس الأمن القومي لشؤون جنوب ووسط
آسيا في الفترة ما بين 2017- 2021 المسؤولين المدنيين يتجاهلون أو يخفون الحقائق التي
لا تتناسب مع أجندتهم الدبلوماسية. وأدى هذا إلى عدد من الأخطاء التفاوضية الجسيمة
والتي أنتجت اتفاق الدوحة والذي عبّد الطريق أمام خروج الولايات المتحدة مقابل تعهد
طالبان بمحاربة الإرهاب والإمتناع عن استهداف القوات الأمريكية وهي في طريقها للخروج.
وكان
أول خطأ ارتكبته الولايات المتحدة هو الاعتقاد الضال بأن طالبان ستتفاوض في فترة
لاحقة مع الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة في كابول- والتي استبعدتها واشنطن من
محادثات الدوحة، وهو ما أضفى الشرعية على حركة طالبان.
أما
الخطأ الثاني فهو الفشل في ربط ظروف السلام بمستويات العنف التي ترتكبها طالبان. وكان
عدم استعداد واشنطن لتعليق المفاوضات، حتى وسط تصاعد العنف، وكشف عن الحالة اليائسة
للولايات المتحدة ومحاولتها الحصول على صفقة. وكل ما حصلت عليه الولايات المتحدة هو
اشتراط تخفيض العنف لمدة ستة أيام قبل توقيع الاتفاقية.
أما
الخطأ الثالث، والذي عبر عن أمان أمريكية، وهو أن طالبان مهتمة بالمفاوضات السياسية
ولا ترغب بالوصول إلى السلطة عبر القوة العسكرية، وإجبار حكومة أشرف غني للإفراج عن
5.000 سجين بدون أي تنازلات من طالبان مثل تخفيض العنف. ومن بين الذين أفرج عنهم رقيب
عسكري في الجيش الأفغاني، هو قاري حكمة الله الذي قتل عام 2012 ثلاثة جنود أستراليين
بدم بارد عندما كانوا يرتاحون في قاعدتهم. وناشد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون
ترامب بألا يضغط على غني للإفراج عن حكمة الله. وكان من غير الضروري الإفراج عن هذا
القاتل، وبخاصة مع معارضة حليف موثوق به لهذا الإفراج.
ومن
جانبها تأملت إدارة ترامب أن يؤدي الإفراج عن حكمة الله إلى تسهيل محادثات السلام،
وهو اعتقاد ثبت خطؤه. وبدلا من ذلك استخدمت طالبان محادثات الدوحة لتعزيز شرعيتها الدولية
وتقسيم القيادة الأفغانية. وأدت كل التنازلات الأمريكية إلى إضعاف حكومة غني وبذرت
الانقسام داخل القيادات المعارضة لطالبان وأظهرت لقوات الأمن الأفغانية أن الولايات
المتحدة تقوم باستبدال الخيول مما أضعف من إرادتها على القتال.
وكانت
الولايات المتحدة في وضع أحسن لو تفاوضت مباشرة مع الحكومة الأفغانية، وهو أمر اقترحه غني عام
2019. ولو فعلت هذا لتجنبت أمريكا انهيار معنويات شركائها الأفغان. ولكن واشنطن انتهت
بتوقيع معاهدة مع عدو الحكومة الذي قاتلته مدة 20 عاما وانسحبت بشكل متتابع، أي أنها
سلمت البلاد إلى حركة طالبان. وفشلت الولايات المتحدة بتقييم علاقات طالبان مع الحركات
الإرهابية، فرغم زعم كل من وزير الخارجية مايك بومبيو وخليل زاد أن طالبان قطعت علاقاتها
مع القاعدة إلا أن الأدلة تشير لغير هذا. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020 قال إدموند فيتون-
براون منسق فريق رصد تنظيم الدولة والقاعدة وطالبان في الأمم المتحدة إن طالبان وعدت
القاعدة قبل توقيع اتفاق الدوحة أنها ستحافظ على التحالف معها. وقال إن القاعدة تحتفل
برحيل القوات الأمريكية والناتو باعتباره انتصارا للراديكالية العالمية.
وفي
تقرير صدر في تموز/يوليو 2021 قالت الأمم المتحدة إن العلاقة بين طالبان والقاعدة قوية
وأن حركة طالبان فعلت القليل لقطعها بل و"قوت علاقاتها مع الجيل الثاني"،
هذا على الرغم من اللغة الصريحة في اتفاقية السلام أن طالبان ستطلب من عناصرها عدم التواصل
مع القاعدة.
ومن
المبكر الحديث عن أثر انتصار طالبان على توجهات الإرهاب بالمنطقة، لكن الإشارات الأولى
مقلقة وبادية من التعيينات في حكومة طالبان الجديدة، وبخاصة سراج الدين حقاني، وزير
الداخلية الذي رصدت الولايات المتحدة 5 ملايين دولار لمن يقبض عليه أو يقتله. والاستثناء
الوحيد لهذه المجموعة المتشددة هو عبد الغني برادار، نائب رئيس الوزراء والذي قضى سنوات
في سجن بباكستان قبل أن يطلب خليل زاد الإفراج عنه للمشاركة في محادثات السلام. وبرادار
هو جزء من المعتدلين في طالبان وأجرى محادثات مع الرئيس السابق حامد كرازي عام
2009. ولكن إنزال مرتبته لنائب هي صورة عن قوة المتشددين.
ومع
دراسة الولايات المتحدة لفشلها الدبلوماسي عليها التعلم من الأخطاء والتصرف بناء على
الدروس المستفادة. ويقتضي هذا تطوير دبلوماسية تعاونية مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا
للضغط على طالبان لكي تلبي مطالب تتعلق بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. وهذا يختلف
عن مدخل خليل زاد الذي ركز على التنسيق والتعاون مع دول مثل روسيا والصين اللتين لا
تعطيان أهمية لقيمة حقوق الإنسان.
ورغم
حاجة الولايات المتحدة للتعاون مع طالبان لإخراج ما تبقى من مواطنين أمريكيين وحلفاء
أفغان داخل أفغانستان وإيصال المساعدات الإنسانية فليست هناك عجلة للاعتراف الدبلوماسي
بالنظام الجديد في كابول. وسيكون لدى واشنطن القدرة عبر التعاون مع الحلفاء والشركاء
ووضع شروط فرصة لتشكيل سلوك طالبان في المستقبل. وهي قادرة على بناء هذا التوازن لأن
نسبة 70% من ميزانية حكومة أفغانستان تعتمد على الدعم الخارجي. وعلى الدول المانحة
تلبية احتياجات المواطنين الأفغان بدون اعتراف دبلوماسي بحركة طالبان.
وفي
مركز التعاون والتواصل مع طالبان هو التأكيد على احترامها لحقوق الإنسان. وقد حاول
المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد التأكد على تغير الحركة والتزامها بالحقوق الأساسية
وحقوق المرأة حسب الشريعة الإسلامية. وخلافا لتصريحات مجاهد، فقد منعت الحركة البنات
من الدراسة في الثانوية وخروج المرأة للعمل.
وعلى
الدول المانحة التأكيد لطالبان أن قيودا جديدا على المرأة في التعليم والمشاركة العامة
والاقتصاد ستؤثر على قدرة طالبان في الحصول على التمويل الدولي. ومع هذا على واشنطن الإبقاء
على العقوبات التي فرضتها الخزانة وعدم الانصياع لمطالب الحركة التي ترى أن لها حقا
في أموال الحكومة السابقة المجمدة لمجرد أنها تولت السلطة.
وعلى
واشنطن العمل مع الدول الأعضاء الأخرى في مجلس الأمن الدولي مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا
لمواجهة الضغوط من روسيا والصين الرامية لرفع العقوبات. وبالتحديد فعلى الولايات المتحدة
وحلفائها الأوروبيين التوضيح أن الإعفاء الذي سمح بسفر قادة طالبان لن يتم تجديده بعد
انتهائه هذا العام، طالما لم تشكل حكومة تمثل الأفغان. وقال مسؤول أمريكي سابق إن طالبان
أساءت استخدام الإعفاء من أجل الحصول على الشرعية الدولية في وقت واصلت فيه محاربة
الحكومة وقتل المسؤولين والصحفيين وغيرهم.
وفي
اتجاه آخر، على الولايات المتحدة إعادة تقييم طريقة تعاملها مع باكستان التي اعتمدت
عليها كثيرا لتسهيل محادثات السلام. لكن تصريحات المسؤولين الباكستانيين بعد انتصار
طالبان كانت مثيرة للانتباه. فقد وصف رئيس الوزراء عمران خان انتصار الحركة بأنه تحرر
من قيود العبودية. وعملت الولايات المتحدة بنجاح على إقناع إسلام أباد على وقف نشاطات
طالبان داخل أراضيها، وقام ترامب بوقف المساعدات العسكرية عام 2018، مع أن إسلام أباد
واصلت دعمها وسمحت لحركة طالبان أفغانستان بالتحرك ونقل الإمدادات عبر أراضيها.
ومعاقبة
باكستان الآن ستكون متأخرة، لكن على واشنطن التعلم من دروس التعاون الفاشلة في مكافحة
الإرهاب. ويمكن لواشنطن التعاون مع باكستان لضرب أهداف لتنظيم الدولة - ولاية خراسان.
لكن المخابرات الباكستانية لن تضرب أبدا شبكة حقاني المرتبطة بالقاعدة. وتعتمد المخابرات
والجيش الباكستاني على هذه الشبكة لمنع الهند من بناء موطئ قدم لها في أفغانستان. وبدلا
من ذلك على إدارة بايدن إعادة تركيز انتباهها للتعاون مع القوى الإقليمية الأخرى مثل
الهند.
ولمدة
طويلة تجنبت واشنطن التعاون مع نيودلهي في مكافحة الإرهاب حتى لا تغضب باكستان. وبعد
فشل هذه الإستراتيجية فيجب على واشطن التعاون مع دول ديمقراطية تقاتل الإرهاب بدلا
من الاعتماد على دول تستخدم الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. ورغم تأكيد بايدن على
هزيمة القاعدة إلا أن العهد الجديد في أفغانستان يمنع الجماعات الإرهابية من فرصة استثنائية
وخطيرة.
وتحكم
أفغانستان الآن حركة قاتلت مدة 30 عاما مع القاعدة وبمرور الوقت ستحاول الجماعات الجهادية
الاستفادة من الفرصة وإعادة بناء ملاجئها في البلد. ولا يمكن للولايات المتحدة غسل
يديها من أفغانستان على أمل اختفاء التهديد الإرهابي. فقد تجاهلت البلد بعد رحيل الاتحاد
السوفييتي مما أدى لهجمات 11 سبتمبر. ويجب أن يكون تصرف أمريكا في مرحلة ما بعد الانسحاب
قائما على الجمع بين الالتزام بالكرامة الإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان والوعي بالتهديد
الإرهابي. والطريقة الوحيدة لكي تسترد الولايات المتحدة مصداقيتها هو التعاون مع الحلفاء
لتشكيل سلوك طالبان. وقبل كل هذا دراسة أخطاء المفاوضات مع طالبان والتعامل معها من
موقف القوة.