هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كعادة إبراهيم عيسى في طرحه للموضوعات الدينية، يضرب في اتجاه واحد، هو الاتجاه الإسلامي فقط، إبراهيم عيسى واحد ممن أسميتهم في مقال لي بعنوان "النضال الطري"، هو من هذا النوع، الذي يريد أو يدعي النضال، ولكن في المساحة الطرية، التي لا ضريبة فيها، وهي مساحة الدين، وثوابته، وقضاياه، لأنه ليس له صاحب، ولا مؤسسة قوية، كالمؤسسة العسكرية، ستضرب بيد من حديد من يقترب منها، لكن الدين، ليس له هذه السلطة، ولذا فإنه يسهل على عيسى وأمثاله دوما الخوض فيها.
فمنذ أيام قليلة، كان هناك مؤتمر عقده السيسي حول حقوق الإنسان، وإذ بإبراهيم عيسى كعادته، يترك الحديث الجاد الحقيقي، ليحلق بعيدا في المنطقة الأمان، أو الطرية، منطقة الحديث عن الحقوق الدينية، والحديث عنها ليس محرما، لكن التدليس فيها، والهروب من الحديث الحقيقي إلى الحديث الهزلي، أو السلطوي، هو عين الكبيرة التي يرتكبها عيسى وأمثاله.
فكتب المطالعة والقراءة التي فيها نصوص قرآن وسنة، من باب اللغة، وليست من باب الدين، وخانة الديانة التي يطالب إبراهيم عيسى بحذفها من البطاقة الشخصية، وقد رد عليه وزير العدل، أن حذف خانة الديانة ليس صوابا، لأن هناك أحكاما تبنى على الدين، مثل: الزواج، والطلاق، والميراث، وغيرها من الأحكام، وإبراهيم عيسى يعلم ذلك جيدا، لكنه النضال الطري المستأجر، والتشويش على الملف الحقيقي لحقوق الإنسان في مصر.
ليست أزمة الحقوق في مصر هي نصوص القراءة والمطالعة التي في كتب الدراسة، والتي يدرسها المسيحي والمسلم على درجة سواء من باب الأدب واللغة، وليست من باب التدين، ولذا وجدنا عمالقة كبارا في الأدب من المسيحيين في مصر، وكان سبب قوتهم البلاغية: قراءتهم القرآن والسنة، وكتب التراث الإسلامي.
كان منهم: الزعيم السياسي الكبير: مكرم عبيد، والكاتب المسيحي الكبير المعروف: د. نظمي لوقا، صاحب مؤلفات إسلامية مهمة، منها: محمد.. الرسول والرسالة، و: محمد في حياته الخاصة، وكذلك وجدنا أقباطا في القرن العشرين وقبله، درسوا في الأزهر الشريف، ليضلعوا في علوم اللغة العربية.
يصدعون رؤوس الناس ليل نهار بالدولة الدينية، وتهديداتها ومخاطرها، بينما هم غارقون في الدولة العسكرية الباطشة، يسترزقون بها ومنها، ولا ينطقون، بل حتى تكرار الكلمة، لم يعد أحدهم يتجرؤ على ذكرها على لسانه أو قلمه، ثم يحدثونك عن حقوق الإنسان الدينية،
ليست القضية قضية لغة، أو خانة ديانة، إن القضية هي الخروج بملف حقوق الإنسان عن إطاره الحقيقي، إلى إطار آخر، وإلا فقد وحد الحكم العسكري بين الجميع في خانة الديانة، وذلك بأن اعتقل كل حر يرفضه، ولم ينظر لخانة الديانة، فقد اعتقل المسلم، والمسيحي، والملحد، الذي ينظر على هذه التصنيفات هو عيسى وأمثاله عند رفع لافتات النضال الطري.
يريد عيسى أن يزور على الناس في هذه القضايا، فيدعي أنها تجر الدولة إلى أن تكون دينية، وليست مدنية، وبالطبع لا يجرؤ على الحديث عن عسكرة الدولة، أو العسكرية التي ملأت كل شق في الدولة، وكل شبر في الوطن، فهو يعلم يقينا أن الدولة ليست دينية، وليست مدنية، يعلم أنها عسكرية مئة في المئة، من قرن رأسها إلى أخمص قدميها.
لو كان عيسى وأمثاله جادين في التجديد أو الإصلاح، أو النقد للواقع، أو الماضي، لانتقد الحكم العسكري، فإن خانة الديانة التي يزعم أنها مخترعة في البطاقة الشخصية سنة 1956م، إذن يا إبراهيم لماذا لم تقل إن من فعلها هو الحكم العسكري؛ جمال عبد الناصر تحديدا، إذا صحت معلومتك. لكن عند العسكر يشير ويلمح فقط، لأن يد العسكر غليظة، وقد جربها من قبل أيام مبارك، حين كتب عن مرضه، فحكم عليه بالحبس، وتوسط له المتوسطون كي لا يحبس.
ثم بعد ثورة يناير، ومجيء الانقلاب العسكري في 2013م، وفي حوار لإبراهيم عيسى مع السيسي، فوجئ المشاهد بالسيسي يحمّر له عينه، قبل انتخابات الرئاسة سنة 2014م، عندما قال له إبراهيم عيسى: حكم العسكر، فقال له السيسي: لن أسمح لك أن تكررها، وبالفعل لم يكررها بعد ذلك، ولو في منامه.
إننا نجد هؤلاء الذين يدعون النضال، يتفنون ويبدعون في نقد الموتى من المشايخ، ومن ساكني كتب التاريخ، بينما لا يجرؤ أحدهم على أن ينبس ببنت شفة على أحد الأحياء من الحكام، وبخاصة العسكر، ثم يحدثونك عن حقوق الإنسان في خانة الديانة، ولماذا يسأل الناس في كل شيء، ويفتيهم المشايخ في كل سؤال؟ وماذا لو سأل الناس عن حقوقهم؟ وماذا لو سألوا عن حكم الحاكم الظالم؟ أو بيع مقدرات الوطن، هل وقتها سيفرح إبراهيم وأمثاله بأسئلة الناس المهمة؟ بالطبع ما دامت الأسئلة تمس كراسي الحكم، فستكون أسئلة فارغة، ومحاولة لتديين الدولة، لا مدنيتها.
يصدعون رؤوس الناس ليل نهار بالدولة الدينية، وتهديداتها ومخاطرها، بينما هم غارقون في الدولة العسكرية الباطشة، يسترزقون بها ومنها، ولا ينطقون، بل حتى تكرار الكلمة، لم يعد أحدهم يجرؤ على ذكرها على لسانه أو قلمه، ثم يحدثونك عن حقوق الإنسان الدينية، وهم في الحقيقة خدم يكرسون الدولة العسكرية بكل أركانها، يفضحهم حالهم ومقالهم، ولم يعد أحد ينطلي عليه ما تلوكه ألسنتهم، أو تخطه أقلامهم، فقد سقطت عنهم ورقة التوت.
[email protected]