هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز"، مقالا للأكاديميين سيث جونز وجود بلانتشيت، قالا فيه إن الانسحاب الأمريكي المتسرع والمضطرب من أفغانستان والانتصار العسكري اللاحق لطالبان، قد تسبب في شيء من الشماتة من الصين.
ووفقا لوسائل الإعلام الحكومية الصينية، كان الانسحاب الأمريكي بمثابة "آخر غسق للإمبراطورية".
وأعلنت وزارة الخارجية الصينية أن تجربة الحرب في أفغانستان يجب أن تعلم واشنطن درسا في "المغامرات العسكرية المتهورة". بل إن البعض في بكين زعم أن الصين ستنجح حيث فشلت أمريكا.
وقال تشو بو، الضابط الكبير المتقاعد في جيش التحرير الشعبي، في صحيفة "نيويورك تايمز": "لطالما اعتُبرت أفغانستان مقبرة للغزاة -الإسكندر الأكبر، والإمبراطورية البريطانية، والاتحاد السوفييتي، والآن أمريكا- ولاحقا تدخل الصين، ولكنها ليست مسلحة بالقنابل، بل بمخططات البناء، وفرصة لإثبات إمكانية كسر هذه اللعنة".
اقرأ أيضا: طالبان تريد دورا صينيا.. وبكين تدعو طهران لتعاون بأفغانستان
وقالت الصحيفة: "أدى تبجح بكين إلى إذكاء المخاوف في أمريكا من أن تستفيد الصين من المشهد الاستراتيجي المتغير في آسيا الوسطى. كما حذر جون بولتون، الذي عمل مستشارا للأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، من أن الصين وروسيا، هما الخصمان العالميان الرئيسيان لنا، يسعيان بالفعل لجني الفوائد".
ولكن على الرغم من كل صخبهم، فإن قادة الصين قلقون بشدة بشأن النظام الناشئ في أفغانستان، والذي يمكن أن يهدد استقرار المنطقة ويمكّن الإرهاب من الانتشار إلى المناطق الغربية المضطربة في الصين، والتي تضم أعدادا كبيرة من المسلمين، بحسب الصحيفة.
وتابعت: "إلى جانب جيران أفغانستان الآخرين، يجب أن تعتمد الصين الآن على طالبان لتحقيق الاستقرار في بلد ممزق وعنيف. ومع ذلك، كما تعلم بكين جيدا، فإن سجل حكم المجموعة قاتم، حتى في المناطق الريفية التي سيطرت عليها على مدى السنوات العديدة الماضية. وما زاد الطين بلة، أن الاقتصاد الأفغاني قد انهار، وسيكافح من أجل الانتعاش دون ضخ هائل للمساعدات الدولية، بما في ذلك من الصين".
وسيؤدي عدم اليقين هذا إلى تفاقم مخاوف بكين طويلة الأمد بشأن الروابط المتطرفة العابرة للحدود بين أفغانستان وشينجيانغ، المنطقة التي تتمتع بالحكم الذاتي في غرب الصين، حيث تعتقل الحكومة أكثر من مليون مسلم من الأويغور بذريعة مكافحة الإرهاب، والنظام الداخلي.
وسيزيد من المخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي، لا سيما في الفترة التي تسبق المؤتمر العشرين للحزب الصيني في الخريف المقبل، حيث يأمل الزعيم الصيني شي جين بينغ أن يعزز خطته للخدمة لفترة ثالثة كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني.
وأخيرا، يمكن أن تختبر الأزمة في أفغانستان علاقات الصين مع روسيا وباكستان، حيث تتنافس الدول الثلاث على النفوذ مع طالبان وتكافح للتعامل مع دولة منهارة وما يصاحبها من أزمة إنسانية في جوارها.
وبينما تقوم بكين بتقييم مشهد ما بعد أمريكا في المنطقة، فإن المخاطر المرتبطة بخروج أمريكا تفوق الفوائد المحتملة. إذا بدت الصين وكأنها تحتضن طالبان، فذلك لأنه لا خيار أمامها. حيث تواجه بكين الآن دولة فاشلة في أفغانستان إلى الغرب، وتوترات متزايدة مع الهند في جنوب غربها، وشريكا متقلبا ومشاكسا في كوريا الشمالية إلى الشمال الشرقي، وتصاعد المنافسة مع أمريكا - وعلى الأخص في مضيق تايوان. تتوق حكومة شي إلى الاستقرار والقدرة على التنبؤ، ولكن بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان، من المحتمل ألا تحصل على أي منهما.
وقالت: "إن أهداف بكين قصيرة المدى في أفغانستان واضحة نسبيا. ويأتي على رأس القائمة قيام طالبان بتأسيس حكومة معترف بها دوليا يمكنها البدء في تلبية المتطلبات التأسيسية لأي دولة ذات سيادة.. وأن "تنفصل تماما عن جميع الجماعات الإرهابية وأن تعيش في علاقة جيدة مع البلدان الأخرى، وخاصة [جيرانها]"، كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين في وقت سابق من هذا الشهر".
وشدد قادة الصين على أنهم يتوقعون أن تكون الحكومة الجديدة "شاملة"، لكن هدفهم الأساس هو الحكم الموحد، والقانون والنظام المحلي، وأمن الحدود، بغض النظر عن كيفية تحقيق طالبان لهذه الأهداف. وقد تتطلع بكين أيضا إلى المعادن في أفغانستان التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، بما في ذلك الحديد والنحاس والليثيوم.
ولكن قبل أن تتمكن بكين من تحقيق أي من هذه الأهداف، فسيتعين عليها معالجة التهديدات الصادرة من أفغانستان. وأهمها كونها ملاذا جهاديا محتملا على الحدود الغربية للصين، حيث تشعر بكين بالفعل بالحساسية تجاه التهديدات الإرهابية، وفقا لتقدير الصحيفة.
وكتب تشاو هوا شنغ، أحد كبار الخبراء الصينيين في شؤون أفغانستان، مؤخرا: "إلى حد كبير، يمثل أمن واستقرار شينجيانغ نقطة الانطلاق لسياسة الصين تجاه أفغانستان". في الواقع، أدت المخاوف بشأن التطرف العابر للحدود إلى قيام بكين بالفعل بشن حملة قمع تصنفها الحكومة الأمريكية رسميا الآن على أنها إبادة جماعية.
وما يثير قلق بكين بشكل خاص، هو وجود عدة مئات من المقاتلين من حركة تركستان الشرقية الإسلامية في أفغانستان، والتي تسعى إلى إقامة دولة الأويغور في شينجيانغ. بقيادة عبد الحق، تعمل الحركة في مناطق مثل بدخشان، وهي مقاطعة نائية ستجعل تضاريسها الجبلية من الصعب على الصين أو طالبان إجراء عمليات عسكرية.
ووفقا لتقييم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عمل ناشطو الحركة مع مجموعة واسعة من المنظمات الجهادية، بما في ذلك القاعدة وجماعة أنصار الله وجماعة التوحيد والجهاد.
ومن المرجح أن تظل هذه المجموعات الثلاث نشطة في أفغانستان، حيث تزود الحركة بحلفاء محليين متعددين.
وسعت بكين بالفعل للحصول على تأكيدات من طالبان بعدم السماح لحركة تركستان الشرقية بالعمل في أفغانستان أو انطلاقا منها. لكن طالبان قد لا تكون قادرة على ضمان ذلك في خضم حرب وأزمة إنسانية -ويمكن لعلاقاتهم الوثيقة مع الجماعات الجهادية الأخرى أن تقلل من استعدادهم وقدرتهم على المحاولة.
وأوضحت الصحيفة أنه "احتفل الجهاديون حول العالم بانتصار طالبان، ما زاد من احتمالية أن تجتذب أفغانستان الجيل القادم من الإرهابيين.. لطالبان بالفعل روابط قوية مع قيادة القاعدة الأساسية، وكذلك مع فرعها المحلي، القاعدة في شبه القارة الهندية".
ويتمتع وزير الداخلية بالإنابة في طالبان، سراج الدين حقاني، بعلاقة قوية بشكل خاص مع القاعدة، وترتبط الجماعتان معا بعلاقات شخصية طويلة الأمد، والزواج المختلط، والأيديولوجيات المتعاطفة، وتاريخ مشترك من النضال، كما قالت.
وأضافت: "تتمتع طالبان أيضا بعلاقات وثيقة مع الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة، بما في ذلك تحريك طالبان باكستان، وعسكر الإسلام، والحركة الإسلامية في أوزبكستان. هذا الخليط من الجماعات يقلق بكين لأن الحركة وغيرها من المنظمات المتطرفة التي تهدد الصين قد تكون قادرة على الازدهار في دولة أفغانية فاشلة".
اقرأ أيضا: عودة طالبان.. حسابات الصين
وهدد تنظيم الدولة في خراسان بمهاجمة الصين. وتحتفظ الجماعة، وهي عدو لطالبان، بقدرات عسكرية كبيرة، كما يتضح من هجومها على مطار كابول الشهر الماضي الذي أسفر عن مقتل 13 من أفراد الخدمة الأمريكية وأكثر من 170 آخرين.
وتواجه طالبان أيضا مقاومة من مجموعات أخرى، مثل تلك التي يقودها قائد بنجشير أحمد مسعود ورئيس المخابرات الأفغانية السابق عمرو الله صالح، والتي يمكن أن تعرقل قدرتهم على فرض القانون والنظام في أفغانستان مقابل اعتراف الصين بهم وتمويل التنمية، بحسب الصحيفة ذاتها.
وعلى الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الصينية أصبحت أكثر تطورا وقدرة، إلا أن بكين ما زالت تفتقر إلى القدرات والشبكات على الأرض اللازمة للعمل بفعالية في أفغانستان، فعليها الاعتماد على باكستان للسيطرة على وكيلها، وتحقيق الاستقرار في أفغانستان، وشن حملة أكثر فاعلية لمكافحة الإرهاب ضد مجموعات مثل حركة تركستان الشرقية.
لكن قدرة باكستان على السيطرة على طالبان محدودة، وستجد استخباراتها الداخلية سيئة السمعة صعوبة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان.
كما أن الآفاق الاقتصادية المتدهورة لأفغانستان ستعيق جهود الصين لتحقيق الاستقرار. وخاصة بعد تجميد أصول أفغانستان وإيقاف المساعدات الخارجية المهمة مؤقتا.
ووعدت بكين -كما تتوقع طالبان- بمبالغ كبيرة من المساعدات الإنسانية والتنموية. وفي أيلول/ سبتمبر، أشار المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، بصراحة إلى أن "الصين هي أهم شريك لنا، وتمثل فرصة أساسية وغير عادية لنا، لأنها مستعدة للاستثمار، وإعادة بناء بلدنا".
ومع ذلك، وبالنظر إلى الحالة المزرية للاقتصاد، فإنه حتى الصين ليس لديها ما يكفي من المال لدعم أفغانستان، وفق تقدير الصحيفة.
وقالت: "ستواصل الصين حتما تنفيذ مشاريع جديدة في أفغانستان كجزء من برنامجها الهائل للاستثمار في البنية التحتية المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق. لكن الظروف السياسية والأمنية غير المواتية أعاقت جهود الاستثمار الصينية، بما في ذلك محاولة بقيمة 3 مليارات دولار لإنشاء منجم للنحاس بالقرب من كابول. وتؤكد مثل هذه الإخفاقات على المعضلة التي تواجهها بكين في أفغانستان: لا يمكن للاستثمارات الكبرى أن تنجح حتى تتمتع الدولة بحكم مستقر، لكن الحكم المستقر لا يمكن أن يظهر حتى تتلقى البلاد المزيد من الاستثمارات - سواء من الصين أو من مقدمي المساعدات الآخرين".
وتابعت: "حقيقة أن بكين تواجه تحديات جديدة نتيجة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لا تعني بالضرورة أن واشنطن ستستفيد. فالهند، أحد أهم شركاء أمريكا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ترى في انتصار طالبان تهديدا رئيسا من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم علاقتها المتصدعة بالفعل مع باكستان".
وأكدت أنه "بعد أن فقدت الهند حليفها في كابول، فهي تشعر بالقلق من أن تصبح أفغانستان ملاذا للجماعات الإرهابية المناهضة للهند مثل جيش محمد وعسكر طيبة. نتيجة لذلك، فإنه سيتعين عليها تركيز المزيد من امكاناتها الدبلوماسية والعسكرية على حدودها الشمالية الغربية، ما يحد من قدرتها على مواجهة الصين".
وتسبب خروج أمريكا من أفغانستان في توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، حيث أعرب العديد من حلفاء أمريكا عن استيائهم من الطبيعة الأحادية الجانب وغير المنظمة للانسحاب.
وستؤدي هذه العثرات بلا شك إلى تعقيد جهود إدارة بايدن لتجنيد أوروبا في استراتيجيتها الخاصة بالصين.
ومع ذلك، فإن الصين، وليس أمريكا، هي التي تواجه أكبر درجة من عدم اليقين في أعقاب انسحاب أمريكا من أفغانستان. في شرق آسيا، تستعد أمريكا لزيادة وضعها العسكري وتعميق العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان كجزء من مراجعة الموقف العالمي لوزارة الدفاع الأمريكية.
بينما تواجه الصين تحديات جديدة وموروثة في كل اتجاه، قد تجد نفسها قريبا منهكة ومرهقة. بعيدا عن تقديم أي فائدة ملموسة، فإن خروج أمريكا من أفغانستان يمكن أن يعيق بكين في اللحظة التي تحتاج فيها إلى التركيز على المنافسة المتصاعدة في الشرق. بعبارة أخرى، بعد الانسحاب الأمريكي، قد ينتهي شهر عسل الصين في أفغانستان قبل أن يبدأ، بحسب ما ختمت به الصحيفة.