هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتجه أهم الأحزاب السياسية التي تبنت خيار مقاطعة الانتخابات بعد الحراك
الشعبي في الجزائر، إلى المشاركة في الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها يوم 27
تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وأعلنت لحد الآن، جبهة القوى الاشتراكية وهي أقدم حزب معارض في البلاد
مشاركتها بعد أن كانت قد قاطعت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضيتين، بينما
ينتظر حزب العمال ترسيم موقفه بالمشاركة في الأيام المقبلة.
ويتأرجح خيار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بين المشاركة واستمرار
المقاطعة، على الرغم من رفض الحزب للسياق الحالي الذي ستجري فيه هذه الانتخابات
وغياب ضمانات نزاهتها.
وخارج دائرة المعارضة الراديكالية، بدأت استعدادات الأحزاب التي ترفض تماما
فكرة المقاطعة، لهذا الحدث الانتخابي، بمجرد استدعاء الرئيس عبد المجيد تبون
للهيئة الناخبة بداية شهر أيلول/ سبتمبر الجاري.
ومن بين أهم المرشحين، يوجد حزب جبهة التحرير الوطني (حصد 30 بالمائة من
المقاعد في 2017) والتجمع الوطني الديمقراطي (26 بالمائة في 2017) وحركة مجتمع
السلم (5 بالمائة في 2017) وجبهة المستقبل (6 بالمائة في 2017)، وهي الأحزاب التي
سبق وأن فازت بالانتخابات التشريعية الأخيرة.
وتمثل الانتخابات المحلية بالنسبة للسلطة، أهمية بالغة، كونها آخر محطة
لاكتمال تجديد المؤسسات المنتخبة بعد الرئاسيات ثم تعديل الدستور ثم انتخاب
البرلمان، وهو ما اصطلح على تسميته في البلاد بمسار الإصلاحات التي قادها الرئيس
تبون.
اقرأ أيضا: معارض جزائري يتهم إسبانيا باعتقاله خدمة لأجندة نظام بلاده
وظلت السلطة تراقب عن كثب نسبة المشاركة في هذه المواعيد الانتخابية، والتي
كانت ضعيفة جدا خاصة في انتخابات تعديل الدستور وتجديد البرلمان (23% في كليهما)،
وهو ما لا يعكس الانخراط الشعبي في مسار
الإصلاحات.
لذلك، ستكون المراهنة كبيرة على هذه الانتخابات المحلية، بعد تسجيل عودة
أحزاب كبيرة للمسار الانتخابي، من أجل كسر شبح المقاطعة واستعادة الناخبين من جديد
إلى مكاتب التصويت.
أسباب تحول الموقف
وتُطرح في المقابل، تساؤلات عن أسباب تحول موقف الأحزاب المقاطعة رغم
احتفاظها بنفس التحليل العام للوضع السياسي الذي أسّس في السابق لخيار رفضها الانتخابات.
وفي تبريره للقرار، قال يوسف أوشيش الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية،
إن المشاركة اليوم تمليها "مسؤوليتنا الوطنية وحرصنا الشديد على الوحدة
والسيادة الوطنيتين، الحفاظ على السلم المدني والانسجام المجتمعي بعد أن أضحت هذه
العناصر محل تهديدات متعددة ومتجددة سواء كانت داخلية أو خارجية".
واعتبر أوشيش، في ندوة صحفية له، أن السياق الوطني والدولي يمليان اليوم
على كل الوطنيين الغيورين على حاضر ومستقبل بلدهم تشجيع العمل السياسي النبيل
والخلوق والسلمي للتصدي للمتطرفين، المتعصبين والمغامرين أيا كانت انتماءاتهم الأيديولوجية
والفكرية.
ويشير مسؤول جبهة القوى الاشتراكية بكلامه إلى عدم ترك الساحة للانفصاليين
في منطقة القبائل التي تعد أكبر معاقل الحزب السياسية، حيث كان يهيمن فيها على جل
المجالس المنتخبة.
وأجرى أوشيش ما يشبه النقد الذاتي على خيارات حزبه، متسائلا عن كيفية العمل
في ظل المقاطعة لمواجهة تشوه الفكر السياسي الذي بات حسبه يشغل الفضاءات
والمساحات، وكيفية التصدي لأنصار نظريات الفراغ والفوضى.
وأبدى مسؤول الحزب، تفاؤلا بأن تكون هذه المشاركة مقدمة لإعادة الاعتبار
للعمل السياسي ووضعه وفق المكانة التي يستحقها وجعله وسيلة سلمية للتغيير
الإيجابي.
ومن حيث المبدأ، يرى نوري دريس الباحث في علم الاجتماع السياسي، أنه ليست
هذه المرة الأولى التي يقاطع فيها حزب جبهة القوى الاشتراكية التشريعيات ويشارك في
المحليات، لكن الجديد حسبه، هذه المرة هو خطاب الحزب نفسه الذي أصبح يناقض
المبادئ التي تأسس عليها.
ويقول دريس في حديثه مع "عربي21"، أن هذا التناقض مرتبط
بالمبررات التي تم بها تسويغ مقاطعة التشريعيات والمشاركة في المحليات، إذ لا ندري
ما الذي تغير في المناخ السياسي حتى يقرر الحزب المشاركة بعد أن برر المقاطعة بغلق
المجال السياسي وغياب نية إصلاح حقيقية.
وفي اعتقاد دريس، فإن تبرير حزب ما المشاركة في انتخابات محلية بالوضع الإقليمي
والظروف الدولية، يعد بمثابة مزايدة، لأن المشكلة مع المغرب ليست وليدة اليوم
وتنظيم الماك الانفصالي موجود في منطقة القبائل منذ سنوات.
وتابع يقول: "من يدخل للانتخابات لتقوية الجبهة الداخلية ضد خطر خارجي
كان الأولى به أن يدخل انتخابات وطنية (الرئاسيات والتشريعيات)، وليست انتخابات
محلية دون رهان سياسي".
"العمال" متردد
من جانبه، يتجه حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون نحو اتخاذ نفس موقف جبهة
القوى الاشتراكية، معللا خياره باختلاف طبيعة الانتخابات المحلية عن التشريعية.
وأوضحت اللجنة المركزية للحزب في بيانها الأخير، أنه "بخلاف غرفتي
البرلمان التي تشكل في إطار منظومة الحكم الحالية حزام الوصل أو الواسطة لتمرير
سياسات الجهاز التنفيذي، فالجماعات المحلية خاصة منها المجالس البلدية لها علاقة
مباشرة مع حياة المواطنين والمواطنات الذين يمكنهم أن يسائلوا المنتخبين
المحليين".
وانطلاقا من ذلك، قررت اللجنة المركزية للحزب، أن تحيل النقاش حول مسألة
الانتخابات على قواعد الحزب ومع المواطنين أخذا بعين الاعتبار التطورات التي ستحدث
في البلاد.
ويعتقد القيادي البارز في حزب العمال رمضان تعزيبت، أن هذه الانتخابات مهما
كان موقف الحزب منها الأخير، ستتأثر حتما بالتدهور المريع للظروف المعيشية لغالبية
الشعب والمناخ العام.
وأوضح تعزيبت في تصريح لـ"عربي21"، أن هذه الانتخابات ستعرف إما
استمرار النفور والمقاطعة أو استعمال ورقة الانتخابات بالنسبة للأغلبية من أجل
التعبير عن الغضب، مع استبعاده لهذا الخيار الأخير، قياسا إلى الانتخابات التي تم
تنظيمها بعد 22 فبراير 2019 تاريخ الحراك الشعبي.
ويتحسر المتحدث الذي ينتمي حزبه لليسار، على حالة الإرباك التي تعيشها
المجالس المحلية، جراء سياسة التقشف وتجميد الميزانيات والمشاريع، ما يجعل
المنتخبين المحليين الحلقة الأضعف في مواجهة غضب الساكنة.
وأبرز تعزيبت أن هذا الوضع قد يؤدي بالبلديات، إلى فرض ضرائب محلية ما
سيؤثر سلبا على وضعية المواطنين الصعبة وتسويد صورة المنتخب المحلي في ظل صلاحياته
الضئيلة وعجز ميزانيات ثلاثة أرباع البلديات.
عراقيل وانتقادات
ومع بدء التحضيرات للانتخابات، وجهت بعض الأحزاب انتقادات لأداء السلطة
المستقلة للانتخابات، في إدارة المرحلة الأولى المتعلقة بجمع التوقيعات وإعلان
الترشيحات.
وقالت حركة مجتمع السلم، إن هذا الوضع لا يساهم في صناعة بيئة سياسية محفزة
على اهتمام المواطنين بالانتخابات، بل تكرس العزوف الانتخابي وتؤدي إلى صناعة كتلة انتخابية موجهة مسبقا.
ويرصد من جانبه، ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام في الحركة المحسوبة على التيار
الإسلامي، استمرار ما يسميه تمييع الحياة السياسية في الانتخابات المحلية من خلال دعم الأحرار على حساب الأحزاب
السياسية.
وأوضح حمدادوش في تصريح لـ"عربي21"، أنه لا يمكن أن تقوم
ديمقراطية حقيقية وحياة سياسية فعلية دون أحزاب ومنافسة بين البرامج، على قاعدة
المسؤولية السياسية، وعبر مؤسسات دستورية، وليست مشاريع شخصية أو فردية.
كما سجّل المتحدث إجراء هذه الانتخابات دون تعديلات جذرية في صلاحيات
المنتخبين المحليين، مما يكرس هيمنة الإداري على المنتخب.
ويخلص النائب السابق إلى أن هذه الانتخابات لن تفك بالضرورة من عقدة المقاطعة،
فقد أثبتت الاستحقاقات السابقة، حسبه، أنه لا تزال أزمة الثقة والشرعية بين الشعب
والمؤسسات المنتخبة قائمة، بالإضافة إلى أن التعقيدات والتدهور في الإشراف على الانتخابات تزيد في حالة العزوف.