تتوالى الأنباء التي تتحدث عن الاستغناء شبه الشامل عن
اليمنيين الذين يعملون بموجب عقود رسمية مع جهات حكومية أو خاصة في
السعودية، وهم بالآلاف، وباتت حملة الاستغناء هذه تطالهم في مختلف مدن المملكة، ضمن سياسة تجريف بلغت ذروتها في المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود مع اليمن.
كلما قرأت خبراً حول استغناء عن يمنيين في المملكة، أُصاب بالذهول، وفي كل مرة أتساءل: ما هي طبيعة العلاقة التي تجمع اليمن مع السعودية بالتحديد؟ وعما إذا كانت حرب السعودية على الساحة اليمنية انتصاراً للحكومة الشرعية وللشعب اليمني، أم تصفية حسابات تاريخية مع بلد أريد له أن يبقى ضعيفاً حتى يشعر جاره النفطي الكبير بالأمان.
كيف يتسنى للقيادة السعودية أن تتخذ قرارات مصيرية كهذه وهي لا تزال غارقة في حرب طويلة الأمد في اليمن، دون أن تقدر عاقبة سلوك كارثي كهذا، وهي تدرك أكثر من غيرها أنه إذا لم يشعر أغلب اليمنيين بأن هذه الحرب لصالحهم فإنها ستتحول إلى حرب لا يمكن للسعودية أن تتفادى نتائجها الكارثية والمؤذية، رغم ضخامة مواردها وتخمتها التسليحية، إذ أن الحرب في ذروتها تتقد إذا اتحد الفعل الوطني، من إرادة الشعوب وإصرارها وكرامتها، وما شعب أفغانستان عنا ببعيد.
كيف يتسنى للقيادة السعودية أن تتخذ قرارات مصيرية كهذه وهي لا تزال غارقة في حرب طويلة الأمد في اليمن، دون أن تقدر عاقبة سلوك كارثي كهذا، وهي تدرك أكثر من غيرها أنه إذا لم يشعر أغلب اليمنيين بأن هذه الحرب لصالحهم فإنها ستتحول إلى حرب لا يمكن للسعودية أن تتفادى نتائجها الكارثية والمؤذية
على مدى عقود تراكمت لدى اليمنيين المعرفة الكاملة عن دوافع الجار الشمالي لبلادهم، وهي دوافع سيئة في المجمل، لكنها لم تخلُ في كل مراحلها من تعاون ظاهري أبقى السعودية ممولاً سخياً لمشاريع التنمية، وفي الآن ذاته كانت اللجنة الخاصة، وهي فرع استخباري معني باليمن ومرتبط بالعائلة المالكة، تعمل كل ما بوسعها حتى تفرغ هذا الدعم من جوهره الأخلاقي وأهدافه النبيلة، إذ تتحول إلى جيوب من دعمت وجودهم في مفاصل الدولة المرتهنة للرياض حتى نشأت طبقة فاسدة مفسدة، ما أبقى اليمن ضمن القائمة المحدودة من الدول الأقل نمواً في هذا العالم حتى يومنا هذا.
وحتى إن تحققت بعض التنمية فإن طابور المرتبطين بالأجندة السعودية كان يعمل على تفخيخ البيئة اليمنية باستمرار، بما لا يسمح بتراكم الإنجازات التنموية، وبناء دولة القانون، وترسيخ نظام سياسي يليق بالعهد الجمهوري، وهذا يفسر لماذا تبنت السعودية سياسة ممنهجة لإضعاف الدولة اليمنية، مضت ضمن مسارين:
الأول: لعبت فيه السعودية دور الصانع الفعلي للرؤساء في شمال اليمن قبل الوحدة، وإن كانت هذه الميزة قد قل تأثيرها بعد أن نجح علي عبد الله صالح في بناء منظومته السلطوية التي أمنت له بعض الاستقلالية عن الرياض، إلى حد أنه كفاها مؤونة الاستمرار في تجهيز الرؤساء ما دام يحقق بأدائه الفاسد جانباً مهماً من أهداف إضعاف اليمن.
الثاني: تمثل في بناء شبكة ولاءات من شيوخ القبائل والضباط والوجهاء وكبار موظفي الدولة، بالإضافة إلى رجال العهد الإمامي البائد. وجميعهم كانوا يرتبطون باللجنة الخاصة بمرتبات وموازنات أبقتهم في حالة استقلالية كاملة عن بلدهم اليمن، وصرف كثير منهم جهده لخدمة الأجندة السعودية الخفية التي نالت ما نالت من مصالح اليمن وأمنه واستقراره وأشاعت الفوضى والخراب، والأسوأ من ذلك، أعاقت عملية التطور على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى حد بقي معه اليمن نسخة رديئة وشديدة السوء من نموذج الدولة الدينية المتشددة التي حكمت السعودية حتى عهد الملك سلمان.
افتقدت العلاقات السعودية اليمنية باستمرار إلى البعد الإنساني والأخوي والأخلاقي رغم الخطاب السياسي المغلف بعبارات النفاق المعتادة عن العلاقات التاريخية وحسن الجوار.. إلخ، فيما بقيت هذه العلاقة في جوهرها الخفي نسخة شبه مصغرة من الحرب الباردة التي للأسف نراها تُتوج اليوم بحرب عسكرية
وما من طرف ساهم في تكريس هذا النموذج أكثر من الجماعات السلفية ورجال الحركة الإسلامية؛ الذين دفعتهم المخاوف من تغول اليسار الشيوعي إلى الوقوع في فخ الإسناد السعودي الذي لم يكن يرمي سوى إلى إبقاء هذه الحركة رهينة سياساته. وقد رأينا كيف تحولت إلى الضحية الأولى، جراء التحول الذي شهدته المملكة منذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، وهو اليوم الذي شهد وقوع الهجمات الإرهابية على برجي التجارة العالمي في نيويورك.
افتقدت العلاقات السعودية اليمنية باستمرار إلى البعد الإنساني والأخوي والأخلاقي رغم الخطاب السياسي المغلف بعبارات النفاق المعتادة عن العلاقات التاريخية وحسن الجوار.. إلخ، فيما بقيت هذه العلاقة في جوهرها الخفي نسخة شبه مصغرة من الحرب الباردة التي للأسف نراها تُتوج اليوم بحرب عسكرية لا يستطيع المراقب أن يحدد بوضوح المسار الطبيعي لها.
ها هي السعودية تكشف بسلسلة الإجراءات التعسفية بحق اليمنيين المقيمين في أرضها عن شمولية معركتها التي ترقى إلى ما يشبه الحرب الشاملة العسكرية والاقتصادية والديمغرافية، وهي حرب بات من الواضح أنها تتخلى عن الأهداف الأخلاقية وتتجه نحو الاستهداف شبه الشامل للشعب اليمني، وليس على جماعة الحوثي المسلحة المرتبطة بإيران
وما يجب أن نلفت إليه هو أن حرب المدافع والطائرات باتت تجري في نطاق محدود للغاية في مأرب لإبقاء المعركة ضمن أهداف الاستنزاف المشترك للمتقاتلين، وإن توسعت فإنها لأغراض
استهداف منصة صاروخ أو طائرة مسيرة في هذه المحافظة أو تلك.
وللأسف ها هي السعودية تكشف بسلسلة
الإجراءات التعسفية بحق اليمنيين المقيمين في أرضها عن شمولية معركتها التي ترقى إلى ما يشبه الحرب الشاملة العسكرية والاقتصادية والديمغرافية، وهي حرب بات من الواضح أنها تتخلى عن الأهداف الأخلاقية وتتجه نحو الاستهداف شبه الشامل للشعب اليمني، وليس على جماعة الحوثي المسلحة المرتبطة بإيران، والتي ما كانت لتصل إلى صنعاء وتختطف الدولة لولا الدعم الذي قدمته ابتداء
الثورة المضادة السعودية- الإماراتية بمواجهة الربيع العربي، بما فيه ربيع اليمن.
twitter.com/yaseentamimi68